بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 يونيو 2014

5 حزيران (يونيو) 67: هزيمة أم نكسة؟ - السيد امين شلبي

سيظل ما تعرضت له مصر في 5 حزيران (يونيو) 1967 جرحاً عميقاً في عقل المصريين وقلبهم، وستظل حتى الأجيال التي لم تعاصره تتوقف عنده وتتساءل عما أصاب القدرة العسكرية المصرية من شلل خلال 6 ساعات أجهز فيها العدو على القدرة الجوية وهي على الأرض منهياً بذلك أي قدرة على المقاومة. وقد تفتّح الوعي الوطني لكاتب هذه السطور في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، وإن كان قد وعى أيضاً في نهاية الأربعينات ثلاثية الاحتلال الأجنبي وفساد الملك وتهرؤ الأحزاب. ولذلك استقبل، شأن المصريين جميعاً، تحرك الجيش في تموز (يوليو) 1952، الذي تطور بالتأييد الشعبي الكاسح إلى ثورة حقيقية، وآمن بقيادتها التاريخية متمثلة في شخص جمال عبدالناصر. وقد ظل هذا الإيمان حتى 1967 حين أظهر الحدث انهيار النظام. وبالنسبة إليه، لم يكن فقدان الثقة في النظام وانتهاء الوهم نتيجة للحرب ونتائجها، وإنما اهتزت الثقة مع قرارات عبدالناصر في 15 أيار (مايو) حين أغلق خليج العقبة، وسحب قوات الطوارئ، وحشد الجيش في سيناء، وتساءلتُ كيف يتخذ قائد مسؤول مثل هذه القرارات التي لم تكن تعني شيئاً بالنسبة إلى العدو، بل العالم، إلا الحرب، وكيف يعقل ذلك في ظروف مصرية وإقليمية ودولية غير مواتية؟
فمصر كانت متورطة لسنوات في حرب اليمن في شكل أنهك جيشها، وإقليمياً كان العالم العربي مقسماً، ودولياً كانت القوة الأعظم وهي الولايات المتحدة في خصومة مع مصر منذ الخمسينات وكان رئيسها ليندون جونسون ينتظر الفرصة «لاصطياد» خصمه جمال عبدالناصر.
وفي أعقاب الحرب مباشرة، كان التساؤل الرئيس والجدل حول ما إذا كان ما حدث هزيمة أم نكسة؟ الواقع أن حجم ما حدث للجيش المصري يبدو فنياً أنه هزيمة، غير أن النظر في تطوراته يوحي بغير ذلك. فالهزيمة تعني أن الطرف المهزوم استسلم وقبل بنتائجها وما فرضته من أوضاع. غير أن الأمر كان عكس ذلك بالنسبة إلى مصر وجيشها. فبعد أيام من الحرب وعلى المستوى الجماهيري، كان خروج ملايين المصريين رفضاً لاعتزال عبدالناصر، ورفضاً للهزيمة وعدم القبول بها ودعوة لاستنهاض الجيش ومقاومة الاحتلال. وهو ما بدأ مباشرة بعملية إعادة بناء الجيش وتغيير قياداته وإدخال الأجيال المتعلمة في صفوفه، والاشتباك اليومي مع العدو عبر سيناء. وكانت معركة إغراق المدمرة «ايلات» رمزاً لذلك، حيث تطورت إلى ما أصبح يعرف بحرب الاستنزاف. وعلى رغم التضحيات، أثبتت هذه الحرب تصميم مصر على رفض الهزيمة...
لقد تورط بعض المؤرخين في انتقاد حرب الاستنزاف، ولكن التطورات أثبتت أنها كانت الأساس الذي بنيت عليه وعلى خبراته حرب أكتوبر 1973 وإثبات العسكرية المصرية نفسها في إنجاز عسكري أوصل الجيش المصري إلى سيناء. ويستخلص القادة العسكريون الذين عاصروا حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر أنه لا يمكن فصل الأخيرة عن الروح والإرادة وإعادة التنظيم والتخطيط الذي خلقته الأولى. غير أنه إذا كنا استخلصنا أن ما جرى لمصر في 5 حزيران 1967 لم يكن هزيمة نهائية وإنما نكسة تم تجاوزها، إلا أن هذا لا ينفي أن ندوباً ستظل عالقة بنا، وكذلك الدروس التي قدمتها حول نظام الحكم وأسلوب اتخاذ القرارات المصيرية الكبرى.

* المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق