بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 يونيو 2014

◘ يوميات (سلام مصر بإنقاذ ثقافتها) - محمد علي فرحات

جابر عصفور وزيراً للثقافة في مصر، هذه المرة أكثر من تسعة أيام من التوزير في حكومة أحمد شفيق استقال بعدها ليتنحى حسني مبارك، وتدخل مصر في نشوة ثورة 25 يناير التي غدر بها «الإخوان» فضربتهم المؤسسة العسكرية لتنقذ الدولة والمجتمع.

وزارة الثقافة أنشأتها ثورة يوليو 1952 منبراً لما سمته الإرشاد القومي، ثم مركزاً لاحتواء الثقافة في القطاع العام بعدما كان الحراك الثقافي للنهضة المصرية قائماً على المبادرات الخاصة للمبدعين والباحثين والناشرين.
القطاع العام سقط معظمه في إطار الخصخصة في عهدي أنور السادات وحسني مبارك، لكنه لازَمَ القطاع الثقافي، على رغم مبادرات خاصة ناجحة في مجالات النشر والقنوات التلفزيونية والإنتاج السمعي - البصري بما فيه السينما.
ولن تستطيع مصر التخلي عن مساهمة القطاع العام في الشأن الثقافي بسبب الآثار والمتاحف التي تشكل مجالاً استراتيجياً لا يقترب منه قطاع خاص يبحث عن ربح سريع، وبسبب قصور الثقافة في الأرياف المرشحة لاستنهاض الثقافة الشعبية بما يحدّ من جفاف عقلي وروحي يعرض المواطن للوقوع في فخ جماعات الإسلام السياسي التي تشوه شخصيته الثقافية وصولاً إلى تجفيفها، وتهيئه ليكون من أهل الموت المجاني المسمى عمليات جهادية.
جابر عصفور الذي احتل مركزاً متقدماً في الثقافة العربية الحديثة مع كتابه «المرايا المتجاورة - دراسة في نقد طه حسين»، تكرس اسمه كمجدد للتنوير العربي الذي يقارع هذه المرة موجات معادية للعقل تستند إلى سلبيات في التاريخ الإسلامي وتعتبرها شأناً مقدساً، وهي لا تتورع عن قتل المثقف حين تعجز عن مناقشته، بل هي ترفض أي مناقشة أو حوار.
وسواء كان جابر عصفور وزيراً للثقافة أم لم يكن، فهو يكمل مساره النهضوي التنويري، ولكن، هذه المرة من موقع مسؤولية عامة. ولن نطلب معجزات، بل الحد الأدنى التأسيسي المتمثل بإعادة تكوين وزارة الثقافة بما يخفف عنها مشاغل يمكن أن يتحملها القطاع الخاص، وأن تتركز مسؤوليتها في استنهاض الثقافة الشعبية المصرية بمكوناتها كافة، بما فيها المكوّن الديني. فهذه الثقافة الغنية تحفظ شخصية المصري وتطورها في موازاة التطور الثقافي العالمي، فلا تخنقها العولمة الاستهلاكية، ولا تقع في فخ التطرف الذي يحاول اصطياد مصر بالإغراء المالي والديني مهما كان الثمن، هذا التطرف يدرك جيداً أن مصر هدف يعلو على أهداف ثانوية كأفغانستان والعراق، لأنها وحدها ترشحه لأستاذية العالم، أي لخراب العالم.
وزارة لإحياء الشخصية المصرية وثقافتها الشعبية، تلك الأولوية مطلوبة من جابر عصفور وكل محب لمصر وللدين الإسلامي ولسلام العرب والعالم.
هل تدرك الحكومة المصرية أهمية بلدها ثقافياً أكثر من إدراك الجماعات المتطرفة، بل مثلها على الأقل؟
> الأربعاء 18/6/2014: منح الصلح

منح الصلح المفكر، المشافه كثيراً، الكاتب قليلاً، المصرح بأقل مما يعرف، ابن بيروت، يحتفلون به في بيروت اليوم في حضور شخصيات وممثلي مؤسسات ثقافية.
كتاباته المنشورة «الانعزالية الجديدة في لبنان» و «الكيان والثورة في العمل الفلسطيني» و «المارونية السياسية» الذي لم يوقّعه مكتفياً بإطلاق التعبير وشرحه ليثير مناقشات وأسئلة مع بدايات حرب لبنان أواسط سبعينات القرن الماضي.
ولمنح بك كما يناديه صحبه، ونحن منهم، كتابات موقعة وغير موقعة، نشرت افتتاحيات في أسبوعية «الحوادث» أيام عزها وفي يومية «الرياض» السعودية، كما حاضر في «الندوة اللبنانية» (الحرم الفكري اللبناني المكرس) ولم تظهر المحاضرة في النشرة الشهرية للندوة، لأنه لم يلتزم بطلب ميشال أسمر حصرية النشر، لذلك يذهب الباحثون عن تراث منح بك إلى أعداد الأسبوعية «الأحد» التي كان يصدرها صديقه رياض طه علهم يحظون بالمحاضرة.
لكن البحث عن منح الصلح يتعدى كتاباته إلى المشافهات، هو الذي يشبه مشّائي اليونان حين يوصل أفكاره الجديدة وتعليقاته المغلفة بالسخرية الموحية إلى مجالسيه في المقاهي أو النوادي أو المؤتمرات أو مكاتب محرري الصحف، وقد كان زائراً شبه دائم لـ «النهار» و «الحوادث» و «السفير» ومكتب «الحياة» في بيروت، وهناك كان يحفّز على كتابات وينثر أفكاره في الشأنين السياسي والثقافي. أذكر أثناء الاجتياح الإسرائيلي وحصار بيروت صيف 1982، أن زميلاً في القسم المحلي قال ساخراً إن دكتوراً انتحر في هذه الأيام الصعبة ووصلت جثته إلى مستشفى الجامعة الأميركية، واكتشفنا أن المنتحر هو الشاعر والأستاذ الجامعي خليل حاوي. كتبت مقالة عنه تداخلت فيها أفكار منح الصلح فنشرتها بلا توقيع. وأذكر أنني التقيت منح بك في مؤتمر للتضامن مع ثقافة الأرض المحتلة عقد في أثينا وشارك فيه مثقفون فلسطينيون من الشتات والضفة وغزة ومن أراضي 1948. جلسنا في الكافتيريا مع الشاعر سميح القاسم فسأله منح بك عن أخبار آل الصلح في حيفا فأجاب سميح إنهم بخير، وهم يملكون شبكة محال تبيع الدجاج المشوي، تبسم منح بك قائلاً: إنهم ناجحون، على الأقل في بيع الفراريج.
ساخر لا يوفر أحداً حتى نفسه، وحين اقترحنا قبل سنوات جمع مشافهاته في كتاب مع شرح مناسباتها، وعد أحد الأصدقاء بذلك وأخلف، كان الأمر صعباً، فالذين يتذكرون المشافهات ماتوا أو سافروا.

وبعد، فالعنوان العريض لمنح الصلح هو العروبة، فقد كان أحد دعاتها من رأس بيروت طالباً في الجامعة الأميركية وبعد تخرجه، وقد صادق وألهم قياديين عرباً في الاتجاه القومي بشقيه «حركة القوميين العرب» و «حزب البعث»، واعتبر العروبة جامعة ضرورية لبقاء التنوع الديني والعرقي والثقافي في العالم العربي، خصوصاً في المشرق.
وترافقت هذه النزعة مع هوى عائلته الصلحية التي نادت مبكراً بإقليم عربي داخل اتحاد عثماني ينقذ السلطنة المتهاوية، ونادت لاحقاً بالعروبة لتحصين المجتمع من التفتت. أما لبنان الذي ساهمت العائلة في استقلاله ووضع ميثاقه الوطني، فيتميز في نظر منح بك بالعروبة الميثاقية. وحين سألته مرة عن شعار الوحدة العربية أجاب: حين نطلقه لن يتحقق إنما نصل إلى الحد الأدنى المطلوب: الوحدة اللبنانية.
العروبة الميثاقية لم تبق وصفة لبنانية، بل صارت اليوم مطلباً لسلامة سورية والعراق الغارقين في الدم والمرشحين لتفتت بلا حدود.

> الخميس 19/6/2014: جبران جميل العابد
طبعة سادسة من ترجمة جميل العابد لكتاب «النبي» لجبران خليل جبران، بعدما صدرت الأولى عام 1998. والطبعات كلها في لندن بعناية المترجم.
جهد يجمع بين الأمانة للنص الإنكليزي وصياغة عربية تؤاخي الأسلوب الجبراني الذي تجلى في الكتابات العربية لرئيس «الرابطة القلمية».
في مقدمة الترجمة: «التحدي الأكبر الذي واجهته في ترجمة هذه الرائعة تجلى في التمكن من رصد بديعها وإيداعه إطاراً لغوياً عربي الروح من دون إسفاف أو تشويه، وقد كان التحدي استجابة لهاجس طاغٍ لازمني منذ قراءتي الأولى للأصل الإنكليزي وأنا طالب جامعي، هاجس تمكن مني وأنا أكتشف سعة انتشار الكتاب ومكانته التي وضعت جبران في مصاف ويليام شكسبير والفيلسوف الصيني لاو تسي بصفتهم من أعظم شعراء البشرية. هكذا، آليت على نفسي أن أقدم ترجمة تمنح القارئ العربي المتعة الفكرية والروحية التي يمنحها الأصل لقراء الإنكليزية منذ ما يقرب من قرن».
ترجمات عدة لـ «النبي» سبق صدورها بتوقيع أنطونيوس بشير وميخائيل نعيمة ويوسف الخال وثروت عكاشة، وهنا المقاطع الأخيرة من الكتاب بترجمة العابد:

«وداعاً أهل أورفليس/ هذا النهار قد ولّى/ إنه يطبق علينا كما على غده زنبق الماء.
نابنا ها هُنا جزاء ولسوف نحفظ هذا الجزاء،/ فإن لم يكن ما أوتيناه كافياً، فثانيةً سنلتقي وسنمد أيدينا لصاحب العطاء.
لا تنسوا أني عائدٌ إليكم.
هنيهةٌ، ويكسو شوقي غبارٌ وزبدٌ لجسدٍ آخر. هنيهةٌ، لحظةُ راحةٍ على جناح الريح، ويحملُني رحمٌ آخر.
وداعاً لكم ولشباب أمضيته معكم.
جمعنا أمس حلمٌ/ شدوتم لي في وحدتي، ومن أشواقكم بنيت برجاً في السماء.
والآن طار نومُنا وتوارى حلمنا، ولم نعد في الفجر/ تعالت الظهيرةُ ونصف يقظتنا آل إلى رابعة نهار، ولقد حان الفراق.
إذا في غسق الذاكرة التقينا، فثانيةً سنتكلم ولسوف تنشدون لي أغنية أعمق/ وإذا تصافحت أيدينا بحلمٍ جديد فبرجاً آخر سنبني في السماء.
قال ذلك وأومأ للبحارة، فرفعوا المرساة وحرروا السفينة من حبالها، ويمموا شطر الشرق.وإذا بصيحة يطلقها الخلق، كأنما من صميم واحد، صعدت حواشي الشفق وهدرت فوق أديم الماء كالبُواق.
وحدها ألمطرا كانت صامتةً، تُشيّعُ السفينة حتى غيبها الضباب/ وعندما تفرق القوم جميعاً ظلت واقفةً وحدها عند سور البحر، تتذكر في قلبها قوله/ «هنيهةٌ، لحظةُ راحةٍ على جناح الريح، ويحملني رحمٌ آخر».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق