بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 يونيو 2014

في خروج فلسطين من النفق

لا يقاس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بالسنين، ولا يحسب فقط بالحسابات الإقليمية البسيطة كأن يقال إنها مشروع مصري أو قطري او سعودي، أو هي محصلة انقضاض المؤسسة العسكرية المصرية على حركة الإخوان المسلمين في مصر وإغلاق المنافذ أمام حركة حماس الخ… بل يقاس بوعي النخبة الفلسطينية التي ألقى التاريخ على كاهلها واحداً من أكبر معضلاته الوجودية.
حكومة الوحدة انجاز تاريخيّ بكل المقاييس والحفاظ عليه ليس مهمة الفلسطينيين فحسب بل مهمة العرب أيضاً، الذين أصبحت القضية الفلسطينية، رغم كل التكالب ضدّها، بوصلتهم للتعبير عن وجودهم في العالم.
القضية الفلسطينية هي أيضاً بارومتر حالة الاستحالة العربية بين «داعش» و»القاعدة» وأضرابهما، وأنظمة القهر والاستبداد والغلبة من جهة أخرى، ناهيك عن مشروع إيران الكبير في المنطقة الذي عبّد طريقه اجتياح أمريكا لأفغانستان والعراق، والذي يستثمر في الصراع بين السنّة والشيعة فاتحاً أبواب العالم العربي على مذبحة متواصلة.
لا ينفصل المشهد الفلسطيني عن العربيّ بالتأكيد، فالزلازل العنيفة التي تضرب العراق وسوريا ومصر ولبنان وليبيا واليمن وغيرها، تنعكس بدورها على الفلسطينيين الذين ينفردون بتحمّل عبء الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي ومن هنا فإن مهامهم تبدو أكثر استحالة وصعوبة بكثير وبالتالي فإن على الفلسطينيين أن يمشوا على خيط مشدود يجمع بين العقلانية السياسية والنظرة الاستراتيجية المفتوحة على عمق التاريخ القادم الذي لا تشكّل المعارك الجزئية إلا تفصيلاً بسيطاً فيه.
بهذا المعنى، فإن قضية خطف المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة (سواء كانت صحيحة أم مفبركة) محاولة لإزاحة خطّ المواجهة الكبرى بين الفلسطينيين وإسرائيل عن سكّته، والتي هي في أساسها صراع بين فكرة الحرية والاستبداد، كما تجسده دولة إسرائيل، وهي تعبير عظيم عن صراع حضاريّ لا يمكن، في الظروف التاريخية الحالية، حلّه بالقوة، وهو أمر استطاعت النخبة الفلسطينية حتى الآن استيعابه بحكمة راكمتها خبرات وآلام أكثر من ستين عاماً من النضال. 
ردّة فعل إسرائيل على العملية المزعومة تحوّلت الى حركة عقاب شاملة للفلسطينيين من خلال عمليات الاقتحام للمؤسسات والبيوت والتفتيش الهمجي والتنكيل الوحشيّ بالناس وسرقة أموالهم وتخريب ممتلكاتهم، كما خلفت العديد من القتلى (كما لو كان ذلك استجابة لدعوة اقتلوا فلسطينياً كل ساعة حتى يعود المخطوفون)، واعتقال العشرات من مسؤولي حماس في الضفة، فإلى غاراته الجوية المتكررة على قطاع غزة والتي أدت الى إصابات بين الأطفال والبالغين، والى قتلى عديدين خلفتهم عمليات التنكيل لآلة العنف الإسرائيلية.
واذا كانت عمليات الإرهاب الإسرائيلية قد كشفت، لمرّات لا تحصى، قدرتها اللامحدودة على التوحش، لكن خطورتها لا تقاس بالكلفة الكبيرة التي ما يزال يدفعها أبناء الشعب الفلسطيني من حيوات أبنائهم، وأرزاقهم وبناهم التحتية، ولكنها تقاس، في عين التاريخ، بتأثيرها على قوة المشروع الفلسطيني أمام المشروع الإسرائيلي، كما جسّدته حكومة التوافق الوطني وسياسة المواجهة الحضارية والقانونية الطويلة الأمد التي لا يستطيع الوحش الصهيوني أن يواجهها إلا بأدوات لا تسمح له بأن يكون وحشاً.
بترسانتهم النووية والعسكرية والسياسية والمالية، يفضّل الإسرائيليون المواجهات العسكرية الجزئية على الصراع الحضاري المديد، ففي تلك المواجهة يستطيعون أن يثبتوا وحشيتهم وجبروتهم وطغيانهم على شعب موضوع بكامله في الأسر.
وبوعيهم التاريخي، يستطيع الفلسطينيون، مع الأيّام، أن يتغلّبوا على الوحش.
بغير ذلك يصعب على الفلسطينيين الخروج من النفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق