بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 يونيو 2014

وزارة محلب وخسارة صباحي وثورة مؤجلة حتى إشعار آخر!!

يدور سؤالنا المعلق حول قلة الأصوات التي حصل عليها حمدين صباحي، وهل كانت متوقعة أم لا؟.. ولا نريد أن نمارس الحكمة بأثر رجعي، فالنتيجة كانت متوقعة، ويعلمها كل مدقق نأى بنفسه عن الأوهام والعوالم الافتراضية، وقد صنعت فجوة واسعة بين عالمين متباعدين؛ أحدهما يقر بالصواب المطلق والآخر يؤمن بالخطيئة الكاملة، فانعزل كل منهما عن الآخر، وابتعد عنهما المجتمع، وهما لا يشعران!!.
وما حدث في انتخابات الرئاسة احتل مقام الظاهرة، التي تستحق البحث، في نفس الوقت نجد من الصعب تجاهل التشكيل الوزاري الأول في عصر الرئيس السيسي.. فوزارة إبراهيم محلب ولدت من رحم أشبه بالأرحام التي خرجت منها وزارات ما بعد يناير/كانون الثاني 2011، وأول المؤشرات المؤكدة لذلك هي أن متوسط عمر حاملي الحقائب الوزارية الجديدة 59 عاما، أي أنها ليست وزارة شابة، ولا تحمل صفة واحدة من صفات الثورة الغائبة، رغم أن الثورة ضرورة ماسة تسمح بالتغيير في شتى مجالات المعيشة والعمل والتعليم والصحة والتنمية والسياسة والأمن.
قال قائل، وهو محق.. إن كانت وزارة ما بعد ثورة 30 يونيو/حزيران كانت «بردعاوية» ضمت عددا من أتباع البرادعي، فإن حكومة محلب المعدلة ذات هوى «موسوي» نسبة إلى عمرو موسى. وقد أشاع موسى عن نفسه أنه الأقرب إلى أذن وعقل الرئيس السيسي، وذلك لا يبدو صحيحا، ومجرد تداول هذا الكلام يبعث على القلق، ومصر لا تعاني من نقص الخبرات ولا قلة الكفاءات؛ وفي مرحلة لا تحتاج فيها أن «تسمع جعجعة ولا ترى طحنا»، من أحد رموز «التطبيع». وسرت التقاليد على أن «المطبعين» يكافأون، فمن شارك في تطوير الصواريخ الصهيونية حصل على جائزة «نوبل» ومنحته حكومة ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني صرحا أكاديميا لم يكن له. وعضو مجموعة «الأزمات الدولية» المصهينة، كانت جائزة «نوبل» من نصيبه، بجانب منصب رفيع في حكم ما بعد ثورة 30 يونيو!!.
ونرجو ألا تكون هناك قوى ضاغطة وراء إعادة تكليف إبراهيم محلب بتشكيل الوزارة ترى مصلحتها في تنصيب رئيس وزراء أقرب إلى المقاول منه إلى الخبير. ومحلب نشأ وتربى في شركة مقاولات‪ كبرى ‬ كانت حاضنة لأعداد كبيرة منتمية لجماعات الإسلام السياسي، وراعية نائمة لجناح الشيخ سيد قطب، وهو جناح يحرك الصدام الدامي ضد المجتمع والدولة ومؤسساتها بعد ثورة 25 يناير.
جمع محلب النقيضين وليس «الحُسْنَيين»؛ ككبير لشركة حاضنة لمتطرفين، وناشط في لجنة السياسات بـ»الحزب الوطني المنحل»، وعضو في فريق «الرئيس الموازي» جمال مبارك، وكان حاكما فعليا لمصر مع بداية الألفية الثالثة، وترسخت على يديه دولة بوليسية قامت على الاستبداد والفساد والتبعية؟!
ومع علمنا بأن الدستور الجديد استبدل النظام الرئاسي بنظام مختلط؛‪ ‬لا رئاسي ولا برلماني، ومن المتوقع أن تعاني ‪السلطة التنفيذية معه أزمة‬ كتلك التي تواجه رجال الشريعة والقانون مع حالة «الخنثى المشكل»، فتراهم حيارى مع وضع إنسان اختلطت فيه الذكورة والأنوثة، وما فيها من التباس حول الأحوال الشخصية، والزواج والطلاق والميراث، والتسجيل في المحررات الرسمية، ومصر؛ كدولة مركزية وموحدة، لا تحتاج لنظام مختلط؛ على الأقل في المرحلة الراهنة. ولو لم تكن هذه العقدة الدستورية لاستمرت السلطة التنفيذية برأس واحدة كباقي سلطات الدولة، ولتمكن الرئيس أن يكون رئيسا للدولة ورئيسا لمجلس الوزراء إذا ما اقتضت الضرورة، واحتاجت لـ»وزارة حرب» تعزز الوحدة الوطنية، وتتيح الفرصة واسعة أمام مشاركة القوى الثورية والوطنية، والوزارات الحزبية تنجح في عصور الرخاء والاستقرار والأمان، وليس في أزمنة الاضطرابات والفوضى.
والوزارة الجديدة بدت دون المستوى‪..‬ تضم جابر عصفور وزير الثقافة المريض، وسامح شكري وزير الخارجية؛ السكرتير الأسبق للمعلومات في مكتب مبارك. ومطلوب منه أن ينأى بالسيا سة الخارجية عن الوقوع في فخ الحرب الطائفية والمذهبية.. المعدة من سنوات واتسعت حاليا فشملت الوطن العربي والعالم الإسلامي، مع نجاح مخطط «التدمير الذاتي»، الذي ترعاه الإدارتان الأمريكية والصهيونية وروافدهما الأوربية والعربية والإسلامية، وقد كثر الحديث مؤخرا عن قرب ظهور إمارة مذهبية في سيناء!!.
وقد افتعل وزير التعليم العالي الجديد معركة مع أساتذة الجامعات، وسلبهم حق انتخاب رؤساء الأقسام والعمداء ومديري الجامعات، وهو مكسب كافحت من أجله «حركة استقلال الجامعات» المعروفة باسم 9 مارس طويلا، ووجدت دعما هائلا من الآلاف في طول الجامعات وعرضها، وتحقق ذلك المكسب بعد ثورة 25 يناير، ويأتي الوزير الجديد ليعلن أنه «ضد اﻻنتخاب ومع التعيين، وأن الغالبية الساحقة من المجتمع الجامعى ترفض اﻻنتخاب» وأين ذلك «المجتمع الجامعي» الافتراضي، الذي اكتشفه وتجهله جيوش الأكاديميين بالجامعات ومراكز البحوث؟!. وتبدو معركة للاستنزاف وعقاب أساتذة الجامعات على دورهم في ثورتي يناير ويونيو!!
وحكومة محلب أدنى من المهام الجسام المطلوبة منها، وهو ما يدعو إلى تمني حدوث معجزة؛ تخرج من بين ركام واطلال النظام القديم، والجهد الكبير المبذول من جانب الرئيس السيسي معرض للضياع تحت ضغوط الامتيازات المستمرة للقوى القديمة، والابتزازات التي لا تتوقف من أباطرة المال والأعمال، وسنأتي إليهم بشكل تفصيلي عند التعرض لدورهم في إجهاض الثورة وإقصاء الثوار وإشعال فتيل العنف والصدام الدائم ضد الدولة والمجتمع.
وعن دلالة ما جرى لحمدين صباحي، المرشح الرئاسي الخاسر، وقلة الأصوات التي حصل عليها فلننطلق من بعض ما تعلمناه مع طول الإقامة في المنفى الغربي عن تقاليد الانتخابات، فالزعيم أو الرئيس الذي يخسر الانتخابات يتنحى، وتتم محاسبته ومساءلته، مع الكشف عن أسباب فشله وأوجه قصوره، وتجرى الانتخابات الحزبية لاختيار قيادة بديلة قادرة على معالجة أسباب الفشل والتقصير.
جرى ذلك لمارجريت تاتشر الملقبة بـ»المرأة الحديدية» والأقوى في تاريخ رئاسة الوزارات البريطانية، ورغم فوز حزب المحافظين في الانتخابات البرلمانية للمرة الثالثة على التوالي، في سابقة نادرة في الانتخابات البريطانية، رغم ذلك أسقطها الشعب الرافض لـ»ضريبة الرأس» التي تقررت على عدد الرؤوس في الوحدة السكنية، سواء كانت قصرا أو غرفة، وليس على الوحدة السكنية ككل، وتسببت ثورة الشعب في تمرد حزبها، وكان أول المتمردين نائبها الأكثر قربا منها، سير جيفري هاو، وألقى بيانا مفصلا في مجلس العموم فند فيه عنفها مع مرؤوسيها وفرديتها واستبدادها واستعلاءها وتجاوزاتها، وآخر رئيس وزراء ترك الحكم فور خسارة الانتخابات كان جوردون براون؛ ولم تشفع له نجاحاته الاقتصادية الكبرى، وهو وزير مالية في حكومة توني بلير. وحدث نفس الشيء مع تشرشل الذي حقق النصر لبلده في الحرب العالمية الثانية.
هذه تقاليد رسخت في بلد ينظر إليه العالم كمعقل للديمقراطية الغربية. فهل يجد من يحذو حذوه من سياسيي مصر، وإذا كان هناك قول بأن «مصر أم الدنيا»، فالقول المماثل في بريطانيا أنها «بلد الديمقراطية».
وهذا التناول لا يقصد منه إساءة، إنما دعوة للتفكير وعقد مقارنات تفيد الحاكم والحكوم، وما دام ساستنا يتعاملون مع الثورة على قواعد السياسة فمعنى ذلك أن العمل الثوري مؤجل. ولنطرح سؤالا جديدا عن حدود الزعامة والنجومية في تكوين حمدين صباحي؟!

٭ كاتب من مصر يقيم في لندن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق