بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 11 يونيو 2014

الشعب والنظام في الأردن في «خدمة الموظف» بسام البدارين

لا توجد مستجدات في مشهد الادارة الاردنية المتكرر الذي يدفع موظفا غاضبا لاي سبب شخصي نحو اقصى طاقات الانفعال الذي يتضمن عزف سيمفونية الشتائم والتشكيك ضد المسؤولين عنه في جهاز الادارة الاردنية.
الموظف في الاردن في العديد من الحالات يعتقد بان واجب الشعب والدولة خدمته وليس العكس وهذا المرض منتشر بكثافة في مختلف فروع الادارة البيروقراطية.
ليس سرا بالسياق أن الموظف البيروقراطي الكسول والخمول لا يحب الإنتاج ولا يؤمن بالعمل ويكتفي بإيماءات بيديه بين الحين والآخر للمراجعين تكفل عدم إنجاز المعاملة ومطالبة المراجع في العودة باليوم التالي.
زرت شخصيا إدارة معنية بنقل ملكيات الأراضي ودخلت سبعة مكاتب بحكم الضرورة لم أجد فيها مقعدا شاغرا على الإطلاق فجميع المعنيين في مكان آخر ولا يجلسون على مقاعدهم وعندما دققت بالمشهد وجدت الموظفين السبعة الذين تحتاجهم معاملتي يجالسون سكرتيرة المدير ويتناولون القهوة ويمرحون ويضحكون.
في مؤسسة مثل بلدية العاصمة عمان يوجد اكثر من 22 ألف موظف وأحد الخبراء أبلغني بعدم وجود مقاعد وطاولات تساوي عدد الموظفين في جميع دوائر البلدية الضخمة ..لذلك يحضر مئات الموظفين يوميا لمكاتب البلدية فلا يجدون مقعدا فيضطرون لإشغال من يعمل من زملائهم او يجلس فيتم تطبيق القاعدة التي تقول «من لا يعمل يعيق من يعمل».
طبعا يعرف عمدة عمان الصديق عقل بلتاجي بان عدد موظفيه يفوق بكثير عدد موظفي عواصم عملاقة من بينها واشنطن ومدرير ولندن وكوبنهاغن.
رغم تشكيل عدة وزارات في الأردن لأغراض «التطوير الإداري» لم تتغير ذهنية الموظف في البلاد فهو ينتج فورا أمامك كمواطن ومراجع الإنطباع بان مهمتك الوطنية التالية هي الإمتثال لأوامره وتجنب إزعاجه وخدمته في الكثير من الأحيان.
لسنا وحدنا كمواطنين من يدفع كلفة هذه الذهنية …الدولة نفسها تفعل أيضا فبسبب هذه العقلية تصبح اي مراجعة «إدارية» لاي موظف او اي محاسبة كأنها اساءة مباشرة من النظام الى عشيرة او قبيلة هذا الموظف ..
لذلك تخفق بكفاءة وبصورة غريبة كل انظمة الرقابة والمتابعة والتدقيق على الموظفين وحتى عندما تنجح في مرات نادرة هذه الانظمة في تشخيص الخلل والعيب يفشل النظام الاداري في فرض عقوبات رادعة لان عقلية الموظف بطبيعتها ليست انتاجية وسرعان ما يتزنر بالقبيلة او العشيرة او المنطقة او ببعض مراكز القوى او ببقالات الصحافة الالكترونية اذا تعرض لاي مساءلة.
أحد الموظفين عوقب بإحالته على التقاعد بعد ثبوت ممارسات غير اخلاقية بالصوت والصورة فأقام الدنيا وأقعدها بتوجيه رسائل تميزت بالفوقية العشائرية ضد المسؤول المباشر عنه ..الغريب ان هذه الرسائل المغرورة وجدت في الصحافة من يتعامل معها ويعتبرها مادة إخبارية دسمة.
موظف في مؤسسة امنية تم تغيير موقعه فإعتصم بالقبيلة وبدأ يصدر بيانات ضد «فساد» نخبة من كبار المسؤولين.
آخر تقلد عدة مناصب رفيعة وتم التجول به بين العديد من الوظائف تمكن في كل مرة من «سرقة» كل الوثائق الرسمية التي وقعت بين يديه بحكم وظيفته وما ان تحرش به النظام لأي سبب حتى بدأ بعملية إبتزاز الدولة نفسها التي لم تتعلم الدرس بدورها ولم تعاقب الرجل بتهمة موجودة في قانون العقوبات تستخدم فقط ضد النشطاء السياسيين وأصحاب الرأي المحترم.
طبعا لا يمكن التعميم لكن ثقافة الموظف السلبي هي الرائجة وان كان آلاف من صغار الموظفين يقومون بواجبهم بصمت ورجولة في حماية البلاد والعباد في الوقت الذي تستوطن فيه الخلايا الادارية المرضية اجساد المسؤولين في الدرجة العليا او في الطبقة العليا من الموظفين.
نقول ذلك ونحن نشعر بالاسف لان بعض الموظفين الذين غضبوا لاسباب شخصية سارعوا لاصدار بيانات ورسائل تفضح نخبة من كبار المسؤولين واركان الدولة وبطريقة مسيئة لسمعة البلاد فيما يتمكن بعضهم من الاحتفاظ بوظيفته لان الاجهزة الرسمية هي التي تقف وراء ثقافة المحاصصة في توزيع الوظائف وهي التي تختار موظفي الدرجة الاولى وفقا لحسابات لا علاقة لها بالكفاءة او بعلم الادارة.
في الكثير من مفاصل الادارة الاردنية الولاء للمدير أو للوزير أو لافراد أهم بكثير من الولاء للوطن او حتى للنظام وفي كل الاحيان أهم من الولاء حتى للقصر الملكي .
في الكثير من الحالات شاهد الرأي العام فضائح نشرت على وسائط التواصل الاجتماعي من موظفين صغار تجرأ القوم في الطبقات العليا وسألوهم او إستفسروا عن أدائهم.
الإضطراب المرضي هذا يحصل دوما وحصريا في تلك الوظائف العليا التي تقدم لأصحابها على سبيل «الترضية او الإستزلام» وبدون معايير او مسابقات أو على سبيل المحاصصة المرعبة التي تجتاح كل شيء في مواقع البلاد بدون أي إشارة على إستدراكات محتملة او حتى مراجعات مرجحة.
الإدارة البيروقراطية والسياسية وأحيانا بصراحة الأمنية بائسة لكل هذه الأسباب ولأن الموظف لم يدرك بعد أن واجبه تقديم الخدمة للناس بصفتهم من يدفعون راتبه من الضرائب والرسوم بل يتصرف الموظفون خصوصا في الطبقات العليا على اساس أن واجب الشعب والنظام تقديم الخدمة لهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق