بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 9 يونيو 2014

◘ الخط الأحمر الفلسطيني

تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية كان، دائماً، خطّاً اسرائيلياً أحمر، وعبور حركتي «حماس» و»فتح» هذا الخط هو بالتالي عمل وطني كبير.
فالحركتان لم تكونا الجسمين الفلسطينيين الأكبرين المختلفين سياسياً فحسب، بل تحوّلتا أيضاً الى انفصال جغرافيّ بدأ عام 2007، وكانت تبعاته، على المدى الطويل، ستكون خطيرة على الشعب الفلسطيني، فإضافة الى فلسطينيي النكبة المقيمين في الداخل الفلسطيني تحت ظل دولة إسرائيل، والشتات الفلسطيني في البلدان العربية والذي طبع كل قسم من هذا الشعب بطابع البلد المقيم فيه، صار هناك فلسطينيو غزة» و«فلسطينيو الضفة»، بقيادتين بتوجهين سياسيين متناقضين تتبادلان الاتهامات والاعتقالات والتنكيل فيما يفرك الإسرائيليون أياديهم فرحاً.
إضافة لإجراءات كثيرة أخرى مالية وإدارية وسياسية وإعلامية للضغط على الحكومة الفلسطينية، ردّت إسرائيل باستئناف تكثيفها للاستيطان وبمنع وزراء غزة من السفر الى رام الله لأداء القسم الحكومي أمام الرئيس محمود عباس، وهذان الردّان العاجلان يعكسان قلقاً اسرائيلياً عميقاً من هذه الحكومة الفلسطينية المنتظرة. 
بالمقابل استقبل الفلسطينيون الحدث باحتفالات تعبّر عن توقهم الى الوحدة الفلسطينية وإن كان ممزوجاً بخوف من انتكاسة مفاجئة لهذه الحكومة.
في أثناء ذلك يتابع أسرى الاعتقال الإداري نضالهم المستميت (بالمعنى الدقيق للكلمة) لليوم الثامن والأربعين (وبعضهم، مثل أيمن اطبيش بلغ طول اضرابه البطولي 103 أيام) ضد اعتقالهم، وهو مثال آخر على قوّة إرادة الشعب الفلسطيني وخبرته الطويلة باستخدام أساليب النضال السلميّ التي تفكّك وحشيّة اسرائيل وتكشف بذاءة ادعاءاتها عن احترام الحريات المدنية والتي لا تكفّ عن ترديدها في وسائل إعلام العالم.
كما يأتي ذلك بعد الزيارة المهمة التي قام بها فرانسيس بابا الفاتيكان الىفلسطين والتي حرّكت أسئلة عميقة حول العلاقات الملتبسة بين السياسات المتصارعة في المنطقة والأديان التوحيدية الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، حيث تستخدم الأطراف المنخرطة في الصراع العربي الإسرائيلي سرديّاتها الدينية لدعم أحقيتها فيما تفعله، فيما يدفع الفلسطينيون والعرب، مسلمين ومسيحيين، الثمن الأكبر في هذا الصراع.
وتشكّل صلاة الرئيسين الفلسطيني عباس والإسرائيلي شمعون بيريس أمس في الفاتيكان بادرة حسن نيّة من قبل الفلسطينيين بقصد الخروج من الصراع الطاحن للسرديّات الدينية ولفتة الى أن مصلحة العالم تقوم على إنجاز تسوية عادلة للفلسطينيين طال انتظارها.
تأتي حكومة الوحدة الفلسطينية بعد أربع سنوات من بدء الربيع العربي والذي غيّر الخريطة السياسية في المنطقة وكشف العلاقة الراسخة بين الاستبداد العربي والمشروع الصهيوني، لكنّه، للأسف، لم يغيّر كثيراً من العقلية الانتظارية لدى القيادتين الفلسطينيتين، كما أن كثيراً من الفلسطينيين، الذين ذاقوا الأمرّين من انتقامات الأنظمة منهم كلّما حصلت تغيرات سياسية كبيرة، فضّلوا بدورهم انتظار تبلور نتائج المعارك الطاحنة التي تدور حواليهم بدل اكتشاف إمكانيات المشاركة في الربيع العربيّ على طريقتهم الخاصة.
والحقيقة تقال إن الربيع العربيّ هو استكمال، بالأحرى، للنضال الفلسطيني المديد ضد إسرائيل، وفيه أيضاً تكرار لفضائل هذا النضال وعثراته، ومن ذلك استرجاع خبرات النضال المدني السلميّ، وآلام النضال العسكريّ، ثم الانخراط في استقطابات سياسية وعسكرية عنيفة تقسم الثائرين على الظلم إلى جناحين رئيسين وتجذّر الجناح السلفيّ المسلّح على حساب الجناح المدنيّ وغير السلفي.
تأتي تجربة حكومة التوافق الوطني الفلسطيني بعد تجربة الحكومة التونسية برهاناً على إمكان تصالح الجناحين الرئيسين في السياسة العربية، وتفتح الأمل مجدداً، بصعود السياسة بدل القهر والغلبة والبطش.
فلسطين كلها تحت الأسر، وتوافق مكوّناتها السياسية بالتضامن مع نضال أسراها وشعبها الجبّار، هو ربيعها المرتقب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق