بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 يونيو 2014

أليس الغرب أحق من الشرق بالإسلام؟ مالك التريكي

عام 2007 شهدت ندوة في لندن عن «الإسلام وحرية التعبير» نظمها ناشطون من حركة النهضة التي كانت آنذاك محظورة ومضطهدة في تونس. استفاض المتحدثون، الذين كان من بينهم الداعية السعودي سلمان العودة والسياسي التونسي راشد الغنوشي، في الحديث عن سماحة الإسلام وضمانه للحق في حرية التعبير وعن نصاعة سجل الحضارة الإسلامية في مجال الحقوق والحريات. كان مجمل الكلام إجماعيا وتمجيديا وغير ذي علاقة لا بالواقع ولا بالتاريخ إلى حد استفز رضا الشايبي عليه رحمة الله. كان رضا أستاذا في الفلسفة السياسية في الجامعات الفرنسية، وأنجز أطروحته عن الفيلسوف الليبرالي البريطاني جون ستوارت ميل. وقد توفي في تونس في ريعان الشباب قبل شهور من اندلاع الثورة. قال رضا وقد هالته هذه النرجسية الجماعية: بعد سماع هذا الكلام، لم يبق للأوروبيين المساكين إلا أن يأتوا ويطلبوا اللجوء عندنا.
المفارقة أن «هذا الكلام»، الذي يعبر عن انفصام بمسافة سنوات ضوئية بين دين المسلمين وواقعهم، قد قيل في أوروبا التي سبق للإمام محمد عبده أن قال عنها إنه وجد فيها إسلاما بلا مسلمين ولكنه وجد، لما عاد عندنا، مسلمين بلا إسلام. أما أحدث دليل على أن مقولة محمد عبده هي أصح في القرن 21 مما كانت عليه في القرن 19، فقد أتى في دراسة أنجزها أخيرا أستاذان في جامعة جورج واشنطن، هما حسين عسكري وشهرزاد رحمان، تركزت على تقييم أداء الدول حسب مؤشر، سمياه Islamicity، يقيس مدى التطبيق الفعلي للقيم الإسلامية في العالم بأسره. يتركب المؤشر من أربعة مقاييس تتعلق بالإنجاز الاقتصادي، والحكم الرشيد، والحقوق المدنية والسياسية، والعلاقات الدولية. أي أنه يجوز أن نسميه، عربيا، «مؤشر العمران الإسلامي»، في إحالة إلى المفهوم الخلدوني القائم على أن العدل أساس العمران.
فماذا كانت النتائج؟ اعلم، يا رعاك الله، أنه لا توجد دولة مسلمة واحدة في أي من المراتب الثلاثين الأولى (حيث أن ماليزيا لا تأتي إلا في المرتبة الـ33) ولا توجد دولة عربية واحدة في أي من المراتب الأربعين الأولى (حيث تأتي الكويت في المرتبة الـ44). أما أكثر دول العالم «إسلامية»، فهي جمهورية إيرلندا. تليها الدانمارك، فالسويد فبريطانيا. بينما تأتي أمريكا وهولندا في المرتبة الـ15 وفرنسا في الـ17.
صحيح أن دولة الأبارتهايد الإسرائيلية تأتي في المرتبة الـ27. وهذا كاف لأن يشكك بعضهم في مصداقية الدراسة. ومع ذلك، فالواقع الساطع كالشمس هو أن مكارم الأخلاق الفردية والاجتماعية المعاصرة قد بلغت تمامها الإنساني لدى الغربيين (وليس لدينا نحن مسلمي هذا الزمان) وأنها تحققت، تعبيرا مؤسسيا ثابتا، في دولة القانون. الدولة الديمقراطية الليبرالية. وبما أن النبي الكريم قال في تحديد جامع مانع لجوهر الإسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فقد وجب السؤال: أفلا يكون الغربيون أحق منا بالإسلام؟
الدراسة مثيرة. والمعضلة مزمنة. فقد كتب ابن تيمية: «(..) ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم ‪(الدولة‪‬ الظالمة وإن كانت مسلمة). ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق