بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 يونيو 2014

◘ يوميات - الموصل تطرد زرياب؟ محمد علي فرحات

الثلثاء 10/6/2014: ابن طريف
«أيا شجر الخابور مالَكَ مورقاً 
كأنك لم تجزع على ابن طريف»؟ والجزع قائم على مبدعي العراق، من الحلاج المصلوب في وطنه إلى سعدي يوسف

المصلوب في حدائق الدنيا. ومهما حاول المبدعون العراقيون تلوين مدنهم وريفهم، فإن الألوان في وجدانهم لا في مكان يحاولون تغييره فلا يتغير. بلاد العصبيات حتى الجريمة، أي حتى انطفاء شعلة الإيمان المباركة. قال صديقي إن الإسلام وُلِد في الحجاز ويحاولون منذ مئات السنين قتله في العراق فلا يموت.ليس هذا الكلام هجاء. بل تقرير واقع وتاريخ. لذلك كان المبدع العراقي دائماً وحيداً في بلاد تنبت المبدعين وتطردهم. ليس الأبناء عاقين يا عراق إنما الخطيئة في الأم والأب. ما أغرب هذه العائلة. هل تمثال عثمان الموصلي موجود في الموصل حقاً؟ هل لا يزال موجوداً؟ هل الشاعرة بشرى البستاني في بيتها تفتح النافذة مواربة لترى داعش بعدما رأت هيئات أخرى لم تأنس إليها؟ ما إن سمعتُ خبر الموصل حتى اتصلتُ بإنعام كجه جي الروائية والصحافية الموصلية المقيمة منذ عقود في باريس، تزور العراق قليلاً وتكتب عنه كثيراً مثل مبدعي هذا البلد الغريب. يطرد أبناءه ويحبونه فرادى، لأن الاجتماع العراقي لا ينتج خيراً أو حقاً أو جمالاً، بقدر ما ينتج عصبية وكراهية، هكذا منذ مئات السنين، لئلا نفضّل هذا العصر على ذاك وهذه العقيدة على تلك.لم أسترسل في الكلام مع إنعام. إنها في الصمت الذي أحترمه في المبدع، ولنترك الثرثرة للإيديولوجيين واللصوص والقتلة.

> الأربعاء 11/6/2014: مبدعون موصليون

مبدعو الموصل أفراد مثل زملائهم العراقيين، يعطون فيما هم مطرودون إلى المنفى وإن استمرت إقامتهم. إنعام كجه جي تروي العائلة العراقية بين الوطن والمنفى، وقدرة أفرادها على الاحتمال كأنهم أحفاد لأجداد اختفوا بحيث لم يبق أثر لهم في حراك العراقيين.

وقد تكون بشرى البستاني الوحيدة بين المبدعين، المقيمة في الموصل. هل كانت في عِداد مئات آلاف هربوا فجراً من مدينة عريقة يبتلعها المجهول؟ كتبت ذات مرة: «هذا العصر لا يتسع لحبي/ حرائقه ابتلعت نهاري/ لصوصه داهموا أيامي.

هذا العصر ناعور صدى/ في كل اتجاه يتأرجح/ في كفّه خنجر مسمّم/ كلما هممت بالابتسام وخَزَني/ تركني مخنوقة في ممر ضيق/ أخاف الدخول إلى بيتي/ وأُمنع من المغادرة هرباً للفضاء/ حتى أيقنتُ ألاّ فضاء في هذا العصر.

لا فضاء في هذا الكون/ بل دهليز يؤدي إلى دهليز تلو دهليز.

داخل البيت رجلٌ يكمم فمي/ يلقي بقبعته الحديد فوق وجهي/ يمتشق حزامه النحاسي ويجلد ظهري/ أفتح أزرار حزني لأغريه بعبير القرنفل/ لكنه يزداد عنفاً حتى يتدفق دمي/ يجز بأصابعه الشوكية حرير شعري/ يدفع رأسي الى بركة ماء كبريتي/ أختنق».

ولأنها مقيمة في الموصل تتأرجح بشرى بين منبر «الحوار المتمدن»، وتحيات الناقد المحافظ عماد الدين خليل.

الحياة إلى آخر العمر أفضل من مصير الحجّاج.

ومن الموصليين حسب الله يحيى محترف النقد المقيم في بغداد، والروائي محمود سعيد، والقاصة والمترجمة سالمة صالح، والفنان التشكيلي مخلد المختار الذي لحق سيف الاجتثاث لوحاته.

ولم يعمّر يوسف الصائغ ليشهد الموصل لعبة متحاربين، تكفينا قصيدته الطويلة-العلامة «اعترافات مالك بن الريب». ونسترجع منها هذه الوقفة الشعرية:

«ها أنا، واقف، فوق أنقاض عمري.

أقيس المسافة، ما بين غرفة نومي وقبري.

وأهمس: واأسفاه.

لقد وهن العظم، واشتعل الرأس.

واسودت الروح، من فرط ما اتسخت بالنفاق.

سلام على هضبات الهوى. سلام على هضبات العراق(...).

صرخت طفلة الخوف في نومها، وتململ في العشّ فرخ يمام.

تُرى أما كان يُمكن إلا الذي كان؟

أما كان يمكن، إلا الذي سيكون؟

كأنْ لا مناص، سوى أن تخان على صدق حبك أو تخون؟».

والموصل أولاً وأخيراً، المدينة التي ولد فيها زرياب، ومركز الموسيقى في العصرين الأموي والعباسي.

وزرياب أبرز موسيقيي العصور الوسطى، نقل إيقاعات الشرق إلى الغرب حين غادر بغداد في أوج عطائه الى الأندلس حيث أكمل مساره.

مركز الموسيقى بسبب موقعها الذي يتوسّط شمال سورية وشمال العراق وجنوب تركيا، فحملت من هذه البيئات أجمل ما فيها وصاغتها بحب الحياة.

وللموسيقى الموصلية أعلامها في القرن العشرين، عثمان وأحمد وعبدالقادر وحنا بطرس والأخوان جميل ومنير بشير ثم عمر منير بشير.

لا موسيقى في الموصل هذه الأيام، ولن يعود إليها زرياب، فربما تمنعها وتمنعه «داعش» بفتوى مزاجية على طريقة قاهري البشر باسم الإسلام والذين يستخدمونهم فئران تجارب في مختبر سياسي دموي.

وربما لا مطبخ موصلياً هذه الأيام، لأن معدة الداعشي لا تستسيغ الدولمة والقوزي والكبب الكبار وكبة الجريش.



> الخميس 12/6/2014: ملاعب

- إنه مونديال الحضارة العربية الحديثة، يتقاذفها المالكي وأمثاله والبغدادي وأمثاله، وفي الخلفية شيوخ يتبارون في ملاعبهم السرية حيث الكرة كتلة مضيئة والأقدام سوداء.

نحن الكرة، وبركلة جزاء قوية نسقط خارج هذا العالم.

تداخلت القوارض في القصر الخشبي لنهضتنا الحديثة، وها هو ينهار فوق رؤوسنا، فأي لغة نتكلم فيما تنحسر العربية الحديثة التي أسسناها بالتوازي مع النهضة؟ أين نخبئ كتبنا وأحلامنا وموسيقانا وسينمانا؟

لا مكان ولا زمان لنقاشنا الذي كان يستغرق معظم الليل، حين كنا نصطاد أخبار مبدعي الكبار وأساليبهم.

وها هي تتحطم أو تكاد، جسورٌ أقمناها مع ضفاف العالم الأخرى، جسور لغات وأفكار تلتزم الإنسان الواحد على الأرض الواحدة.

- وحيداً أنتظر ولا تأتين ولا موعد آخر، لأن المقعد يتكسّر والحديقة يحطمها مسلحون. لا موعد إلا في منفى لم نصل إليه بعد، وليس لنا فيه عنوان.

ماذا؟ لا أسمع جيداً.

مهلاً، أنتِ من أسمع صوتها، وتقولين إن زحمة السير أخّرتك وستصلين بعد دقائق.

لن أكون وحدي. المقعد لا يزال ويتسع لجلستنا، والحديقة في زهوها ونحن في وطن مستقر.

وطننا مستقر بحيث نفتتح متاحف لأجمل عطاءات شعبنا منذ فجر التاريخ.

هل نحن حقاً جزء من هذا الشرق؟ من يعرف؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق