بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 يونيو 2014

الأسباب العميقة لـ«شريط الفتنة» في الكويت


ما زالت قضية ما يسمى «شريط الفتنة» تتفاعل في الكويت رغم محاولات السلطات ضبطها ضمن آليات القضاء والنيابة العامة ومنع بعض الصحف والفضائيات وغيرها من الإجراءات «الاعتيادية» الكابحة في مواجهة قضيّة غير اعتيادية يتواجه فيها أشخاص وفئات نافذة ضمن أجنحة الحكم والسلطة والنفوذ العليا في الإمارة.

فالاتهامات التي وجهت الى كل من رئيس الوزراء الكويتي السابق ناصر المحمد الصباح والرئيس الأسبق لمجلس الأمة الكويتي أحمد الجاسم الخرافي والإنذار الذي قدّم الى رئيس الوزراء الحالي جابر المبارك الصباح ورد الأخير عليه مهدداً «من تسوّل له نفسه محاولة العبث بأمن الكويت واستقرار الحكم فيها ووحدتها الوطنية وحمايتها من غدر الغادرين»… كل ذلك يؤكد أن الأزمة الى تصاعد وأن حلّها عن طريق منع وسائل الإعلام من الحديث عنها والتكتّم على تفاصيلها سيزيد المرجل السياسي غلياناً بدلاً من أن يطفئه.
القصة الرسمية لما حصل بدأت مع تقديم أحمد الفهد الصباح تسجيلات قيل أنها تتهم ناصر المحمد وجاسم الخرافي بالتواصل مع إيران لتحقيق أهداف سياسية خطيرة وبعمليات مالية غير مشروعة، وهي اتهامات ردّ عليها الخرافي بتحويلها الى القضاء وتولّت الحكومة متابعة الإجراءات الرسمية من قبيل تحويل التسجيلات الى شركات مختصة قدّمت، على ما يبدو، تقارير، يطالب الفهد باطلاع الشعب الكويتي عليها.
غير أن تأطير هذه الأزمة السياسية في الكويت ضمن إطار صراعات الأجنحة الحاكمة هو تبسيط مخلّ لها، والأحرى أن تتم قراءتها ضمن السياق الإقليمي والعربيّ الذي يثقل بكاهله ليس على الكويت فحسب بل على العالم العربي كله.
الكويت، هي بشكل كبير، ضحيّة لجغرافيتها السياسية، فهي تقع ضمن دائرة تأثير ثلاث دول كبيرة، هي السعودية والعراق وإيران، وتعكس بنيتها السكّانية قلق هذه الجغرافيا الصعبة فبعض القبائل التي استوطنتها قديماً جاءت من نجد والأحساء السعوديتين، كما أن جزءاً من سكّانها جاؤوا من إيران.
لعب الاجتياح العراقي للكويت عام 1990 ثم هزيمة الجيش العراقي عام 1991 دوراً كبيراً في إعادة تشكيل المنطقة العربية والاختلال الكبير الحاصل فيها حالياً بعد أن تحوّل العراق إلى دولة تحت النفوذ الإيراني، وهو أمر أدى لاختلال كبير في توازنات المنطقة العربية وجعل إيران لاعباً أساسياً في كل ما يجري في منطقة الخليج.
جاءت زيارة أمير الكويت الى طهران الإثنين الماضي، بصفتها رئيساً للقمة العربية ولمجلس التعاون الخليجي، لكنّ المسؤولين الإيرانيين تعاملوا بخفّة مع الكويت ككيان، ومع تمثيلها لهاتين الرئاستين، وأرسلوا رسائل تهديد واضحة لم تستطع الإبتسامات الإيرانية تلطيفها بحيث تأكدوا من إفشال مفاعيل الخبرة الدبلوماسية المعروفة عن أمير الكويت.
عام 1991 تخطّت الكويت أكبر أزمة في تاريخها الحديث، لكن الثمن العربيّ المدفوع مع بدء مشروع كسر العراق أسس للاختلال العميق الذي تعيشه المنطقة حالياً، وليست أزمة «شريط الفتنة» إلا تفصيلاً بسيطاً في خارطة هذا الاختلال بغض النظر عن صحة الاتهامات أو خطأها.
أزمة الشريط، بهذا المعنى، تحيل إلى هذا الاختلال الكبير، من جهة، وإلى استحالة التعامل مع زلزال التغيير العربيّ بتجاهل الحاجة الهائلة إلى الإصلاح.
والكويت، التي كانت دائماً سبّاقة ورائدة بمجال حريات التعبير ليس في الخليج العربي فحسب بل في كل العالم العربي، مطالبة بالاستفادة من خبراتها الديمقراطية والتأسيس للحظة إصلاحية مميّزة، ستكون قادرة على حمايتها من الأخطار التي تحيط بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق