بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 يوليو 2013

أثيرات الأحداث المصرية على الخليج- لوري بلوتكين بوغارت

عززت الإطاحة بالحكومة لتي يقودها «الإخوان المسلمون» في مصر من الدور الإقليمي للعديد من الحلفاء الأمريكيين المهمين في الخليج الفارسي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت. إذ انتابت الملكيات الثلاث القلق من الأجندة السياسية الإصلاحية لجماعة «الإخوان» في المنطقة وفي داخل دولها. بيد أن التعبئة الكبيرة للمعارضة الشعبية لقيادة محمد مرسي وما أعقبها من استيلاء الجيش على السلطة قد يكون لها إجمالاً تداعيات مختلفة أيضاً على الظروف الأمنية الداخلية لدول الخليج الغنية بالنفط. وتوضح المؤشرات الأولية وجود معارضة قوية ومجتمعات أكثر استقطاباً، الأمر الذي قد يتطلب بذل جهود جديدة لاحتواء هذا الخلاف. ينبغي على واشنطن أن تشجع حكام الخليج على تقوية مسارات الاستجابة السياسية الداخلية التي اعتادوا عليها مع تبني منهجية مستقبلية أكثر ابتكاراً للأمن.

تصعيد الصراع البحريني
منذ بداية الثورات العربية التي اجتاحت المنطقة بشكل واسع في بداية عام 2011، اندلعت في الأصل احتجاجات من البحرينيين الشيعة ضد حكومتهم التي يسيطر عليها السنة مطالبين بمزيد من الحقوق السياسية. ومع ذلك استطاعت القيادة في البلاد محاصرة الجماعة الشيعية الرئيسية ("الوفاق") وقامت بإجراء حوار وطني مع منع انتقال حرب الشوارع التي كانت تندلع كل ليلة خارج المناطق الشيعية.
ومع ذلك، ففي أوائل هذا الشهر، ألهمت حركة "تمرد" - التي دفعت الملايين من المصريين للنزول إلى الشوارع - بعض البحرينيين للقيام بنفس الحملة. وفي الثالث من تموز/يوليو، يوم الإطاحة بمرسي، أصدرت حركة "تمرد" البحرينية بيانها الأول دعت فيه إلى قيام مظاهرات سلمية في 14 آب/اغسطس - تاريخ انسحاب القوات الاستعمارية البريطانية من البلاد عام 1971 - لمطالبة السلطات نقل السلطة إلى الشعب. وهناك أيضاً شائعات عن وجود تخطيط للقيام باعتصام بالقرب من السفارة الأمريكية في ذلك اليوم. وفي 13 تموز/يوليو، رد وزير الداخلية البحريني بتحذير المواطنين من المشاركة في الاحتجاجات.
وقد فاقم من تعقيد الدعم المتزايد الذي تلقته حملة "تمرد" من بين العديد من أحزاب المعارضة البحرينية - بما في ذلك "الوفاق" و "ائتلاف شباب 14 شباط/فبراير" والجماعات الشيعية الأكثر تطرفاً التي تشكل "التحالف من أجل الجمهورية" - الارتفاع في وتيرة العنف في الأيام الأخيرة الأمر الذي زاد الضغط على الحكومة. وفي 21 تموز/يوليو، ألقيت قنابل حارقة على منزل عباس عيسى الماضي - النائب الشيعي الذي يعمل بالتعاون مع الحكومة السنية --  للمرة الثانية خلال أسبوع. وجاء ذلك في أعقاب تفجير سيارة مفخخة في 17 تموز/يوليو خارج مسجد الشيخ السني عيسى بن سلمان الموجود في منطقة تعتبر موطناً لأفراد العائلة المالكة إلى جانب وقوع هجوم بقنابل محلية الصنع في 6 تموز/يوليو الأمر الذي أدى إلى مقتل شرطي وإصابة عدة أشخاص آخرين. ومع اقتراب موعد الاحتجاج في 14 آب/أغسطس، يمكن للمرء أن يتوقع ازدياد الوجود الأمني في الشوارع إلى جانب مداهمات استباقية للمنازل واعتقالات مما يزيد من المخاطر على جانبي الصراع.
إثارة الإسلاميين
انتاب «الإخوان المسلمون» وغيرهم من المنتمين للتيار الإسلامي شعوراً قوياً بأنهم ظلموا فيما يتعلق بالإطاحة بالحكومة المنتخبة شعبياً التي يقودها الإسلاميون في مصر. وقد ضاعف هذا الشعور سعي الجيش المصري للانتقال السياسي السريع بدون اعتبار جماعة «الإخوان» جزء من العملية السياسية. كما أن الحقيقة التي مفادها أن حكام الخليج من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت قد تحمسوا لاستيلاء الجيش على السلطة - حيث بعثوا رسائل تهنئة وقدموا مساعدات تبلغ قيمتها 12 مليار دولار - لم تزد الأمر إلا تعقيداً.
وقد رد العديد من الإسلاميين في دول الخليج بسرعة على هذا التحدي. إذ أدانت "الحركة الدستورية الإسلامية" وهي جماعة سياسية مرتبطة بـ «الإخوان المسلمين» تعهد الحكومة الكويتية بمنح مصر أربع مليارات دولار في شكل مساعدات واصفة إياها بأنها متسرعة وغير قانونية. وفي 15 تموز/يوليو، تظاهر بعض الكويتيين للتعبير عن إدانتهم للمساعدات، وبعد ذلك بيومين، قام محام محلي برفع قضية ضد مجلس الوزراء لإهداره المال العام مؤكداً أن هذا المال ينبغي أن يذهب إلى الثوار في سوريا. وفي المملكة العربية السعودية، أدان بعض الإسلاميين عملية الإطاحة بمرسي وقالوا إن الرياض والإمارات العربية المتحدة تقفان وراء هذه الإطاحة. وقد اعتقلت السلطات السعودية رمزين من الرموز الدينية المعروفة هناك لتنديدهما بالإطاحة بمرسي. وبشكل أوسع نطاقاً، تشجع العديد من الإسلاميين في الخليج من المظاهرات المستمرة الداعمة لمرسي في مصر ويبدو أنهم مستعدين للتعبير عن سخطهم على مسار الأحداث في بلدانهم.
وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن يزيد بعض مؤيدي «الإخوان» في الخليج نشاطهم السري في الوقت الذي يتشجع فيه الحكام لاتخاذ إجراءات أقوى ضدهم. ومن المحتمل أن يتم التحرك نحو القيام بأنشطة أكثر إبهاماً في الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، حيث قامت السلطات بشيطنة ومحاكمة وإدانة العديد من أتباع «الإخوان» على مدى العامين الماضيين، وكانت آخرها يوم 2 تموز/يوليو بسبب قيامهم بأعمال إصلاحية سياسية سلمية على ما يبدو. وفي قطر، قامت جماعة «الإخوان» المحلية بحل نفسها في عام 1999 ويدير زعيمها السابق الآن وبشكل علني منظمة لتعليم النشطاء الإسلاميين الشبان. ومع ذلك قد يقلل الأمير الجديد الشاب، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، من دعم قطر لرموز «الإخوان» الدوليين من خلال ضخ الموارد في أماكن أخرى نظراً لتطور الأحداث في القاهرة ورغبته التي عبر عنها بأن لا يدعم اتجاهاً عربياً واحداً [وتفضيله] على الآخر. ومن الممكن أن تتسبب هذه المنهجية، مقترنة بوجود تأخير في تحويل الاهتمام إلى الشؤون الداخلية للبلاد، في قيام مؤيدي «الإخوان» المحليين بنشاط سياسي سري.
بالإضافة إلى ذلك، ارتبطت رموز من جماعة «الإخوان» وغيرهم من الإسلاميين في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة بتقديم الأموال والأسلحة والمقاتلين للقوات المناهضة للنظام في سوريا. وحيث يواجه «الإخوان» المحليون أجواء داخلية تتزايد فيها التحديات، ربما يحوّلون المزيد من اهتمامهم لدعم مثل هذه القضايا في الخارج. وبصفة عامة غضت حكومات الخليج الطرف عن هذا النشاط ومن المرجح أن تستمر في القيام بذلك، لأن هذا يوجّه نشاط الجهاديين خارج البلاد كما يعمل على تيسير بعض أهداف السياسة الخارجية. وفضلاً عن أن السماح بتصدير المقاتلين يعد أمراً خطيراً - كما أظهرت التجارب الأفغانية والعراقية - فقد يكون للجهاديين الخليجيين العائدين إلى موطنهم من الحروب الخارجية تأثير خطير على الأجواء الأمنية الداخلية في بلدانهم.
استقطاب المجتمعات
في الوقت الذي حزن فيه العديد من الإسلاميين على الإطاحة بمرسي على نحو ظاهر، احتفى بهذه الإطاحة العديد من الليبراليين والعلمانيين في المنطقة. وقد زاد هذا الأمر من تعميق الانقسامات القائمة فعلياً بين هذه الجماعات في معظم المجتمعات الخليجية.
بالإضافة إلى ذلك، لا نستطيع أن نقرر ما إذا كان المثال المصري سيدفع إلى إعادة توازن القوى بين الجماعات الإسلامية في الخليج أم لا. هل ستلتحم هذه الجماعات مع بعضها البعض في تعاون أوثق، أم أن التيار السلفي الأكثر تشدداً سيكسب قوة على حساب جماعة «الإخوان» ذات النزعة الإصلاحية السياسية؟ إنهم يبدون منقسمين في الوقت الراهن مع وجود بعض الإسلاميين الذين يقفون بجانب أعضاء «الجماعة» فيما يتعلق بالأحداث في مصر، بينما غيرهم يبعد نفسه عن مثل هذا الارتباط. وسوف يتفاوت هذا الاتجاه تفاوتاً كبيراً وفقاً لكل بلد - على سبيل المثال، غالباً ما تعمل «الجماعة» والسلفيين إلى جانب الحكومة في البحرين، وفي دوائر معارضة ضيقة للحكومة في المملكة العربية السعودية.
التداعيات للسياسة الأمريكية
من المحتمل أن تستمر تداعيات الأحداث في مصر خلال الأشهر القليلة القادمة. وسينتج عن الاحتكاك الحالي بين الحكومات ومعارضيها من ناحية وبين قوى معارضة مختلفة من ناحية أخرى درجات متفاوتة من الاضطرابات الداخلية في شتى أنحاء شبه الجزيرة العربية. وربما تتشجع بعض القوى لتوسيع نطاق قضاياها، ومن بين أعضائها شيعة سعوديين في المقاطعة الشرقية للمملكة، ونشطاء عمانيين، وسكان الخليج العربي الذين لا ينتمون إلى دولة بعينها.
ويرجح أن يلجأ زعماء الخليج الذي يواجهون تحديات أمنية كبيرة في هذه البيئة الجديدة إلى أدواتهم السياسية التقليدية التي تشمل تهدئة المعارضة وتوزيع الهبات على دوائر هامة فضلاً عن الرد على الاضطرابات بمجموعة من الإجراءات الصارمة والقاسية والتنازلات المحدودة. وفي واقع الأمر قد يعمد حكام الخليج إلى استغلال الانقسامات المتزايدة في دولهم، عن طريق شيطنة أتباع جماعة «الإخوان المسلمين» لإضعافهم (في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية) وإضعاف قوة الإسلاميين عبر تكوين أنواع جديدة ومختلفة من التحالفات (في قطر)، والبناء على استراتيجيات "فرق تسد" (في الكويت والبحرين). ومن الممكن لجميع هذه المنهجيات أن تقوي الأسر المالكة في الوقت الراهن.
بيد أنه يمكن تحقيق مصالح الولايات المتحدة ودول الخليج بشكل أفضل لو شجعت واشنطن حلفاءها على الاستجابة للضغوط الشعبية بطرق أكثر استطلاعاً وقراءة للمستقبل. وعلى وجه الخصوص، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين حثهم على تطبيق بعض من معايير الشفافية في ظل الفساد المستشري والإسراف، وتخفيف القيود البالية على التعبير العلني، وإعطاء الأولوية بإخلاص لتطوير الأعمال في القطاع الخاص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق