بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 30 يوليو 2013

يبدو الان ان طموح الاخوان المسلمين لم يكن في صالحهم


لا يزال هناك من يوهم نفسه بان الانقلاب برعاية الجيش هو الذي أطاح بحكم الاخوان المسلمين قبل ثلاثة اسابيع، الانقلاب كان مجرد مرحلة اخرى في الثورة المصرية، كان اصلاحا يعيد مصر الى مسار يصعد باتجاه الديمقراطية، فقد أوضح بيان وكالة الانباء الرسمية المصرية يوم الجمعة، أن محمد مرسي، الرئيس الاول الذي تولى الحكم بعد انتخابات ديمقراطية ومنذ الانقلاب يحتجز في منشأة عسكرية وسيقدم الى المحاكمة لمشاركته في اعمال عنف ضد الشرطة في ثورة 25 كانون الثاني/يناير قبل سنتين ونصف السنة، وان القوى التي تحكم الان في مصر مصممة على اعادة العجلة الى الوراء الى عصر مبارك.
الادعاءات وكأن مرسي ومسؤولين آخرين في حركة الاخوان المسلمين تحرروا من السجن في القاهرة على ايدي اعضاء حماس ومعهم هاجموا محطات شرطة وقتلوا أفرادا من الشرطة هي محاولة فظة لاعادة كتابة تاريخ الثورة كما عرفناه حتى الان.
في تلك الايام من نهاية يناير 2011، تركت الشرطة الشوارع، نزع افرادها بزاتهم وتركت السجون لمصيرها والاف السجناء، الجنائيين والسياسيين تجولوا في الشوارع، فيما كان المجرمون يسلبون وينهبون محطات الشرطة والمحلات التجارية. والادعاء وكأن هذه الافعال نفذها فلسطينيون من حماس وقادة الاخوان المسلمين، تتعارض وحقيقة انه في تلك الايام، حافظ قادة الاخوان بالذات على سياسة البقاء في الظل، خشية ان يعمل الجيش والموالون لمبارك ضدهم بيد من حديد.
والان يتبين أن الجنرالات ورجال القانون الذين تبقوا من حكومة مبارك مصممون ليس فقط على منع الاخوان المسلمين من العودة الى الحكم في المستقبل المنظور للعيان، بل ويعتزمون ايضا وصم ذكرى الثورة الشعبية ونسبها لقوى معادية لمصر. الجيش المصري منذ الانقلاب قبل ثلاثة اسابيع يعزو لحماس، وللفلسطينيين بشكل عام، دورا في ضعضعة الحكم في مصر، دعم القوى الجهادية العاملة في سيناء، خلق نقص في الوقود (الذي اختفى الان بشكل عجيب) وبالطبع التعاون مع الاخوان المسلمين ضد مؤسسات الحكم. ونقل مرسي أمس من منشأة احتجز فيها الى سجن طرة، حيث يحتجز مبارك هو الاخر، الا أنه ليس ضمن عناية اطباء المستشفى العسكري الفاخر شرق المدينة.
جملة الاتهامات ضد مرسي وزملائه تنشر على خلفية صدام عنيف آخر لقوات الامن بالمتظاهرين من مؤيدي الاخوان المسلمين، المظاهرات التي انتهت مرة اخرى بعشرات الجثث في غرف الموتى في القاهرة ومئات الجرحى الخطيرين. وكان صدام شديد للغاية صباح أمس في مظاهرة قرب مسجد رابعة العدوية في الشمال الشرقي من القاهرة، حين انقض رجال امن يلبسون البزات السوداء والخوذات على المتظاهرين واطلقوا النار الحية عليهم. من الصعب الامتناع عن الاستنتاج بانه يدور الحديث عن هجوم مخطط مسبقا. صحافيون غربيون في القاهرة دعوا في ساعة قصيرة قبل ذلك الى الطيران في سماء المدينة، وفي اليوم السابق خرج الى الشوارع ملايين المواطنين المصريين في مسيرات دعم جرت بناء على طلب قائد الجيش، الجنرال عبدالفتاح السياسي، الذي طلب من الشعب المصري دعم الحكم في حربه ضد الارهاب.
يوجد الاخوان المسلمون في وضع صعب للغاية منذ عشرات السنين، حين تطلق قوات الامن باسناد من الجيش النار الان على مؤيديهم حتى في وضح النهار، وزعماؤهم يعتقلون ويقدمون الى المحاكمة بتهم كفيلة بان تجر عقوبات سجن لعشرات السنين، بل حتى الحكم بالاعدام. وتشهد التطورات الاخيرة ليس فقط على تصميم الجيش ومراكز القوى القديمة في مصر على الحفاظ على الحكم، بل ايضا على فشل الحركة التي عرفت في الماضي بحذرها الشديد وبحكمتها السياسية.
رد الفعل المضاد الشديد ضد الحزب الاسلامي الكبير والمركزي في العالم العربي لا ينحصر فقط بمصر وحدها. في الدولتين الاخريين في شمال افريقيا ايضا، اللتين اجتازتا ثورة في الحكم في ما وصف في حينه بـ’الربيع العربي’ تتصدى الاحزاب المتماثلة مع الاخوان المسلمين بتحديات عسيرةتونس ـ الدولة الاولى التي اجتازت الثورة والاولى التي فازت فيها الحركة الاسلامية، حزب النهضة، في الانتخابات ـ مشلولة الان بسبب اضراب منظمة العمال المركزية الذين يحتجون على اغتيال رجل المعارضة البارز، محمد البراهمي يوم الجمعة، المنتقد البارز للنهضة، وهو يخرج من بيته. وحسب محققي الشرطة، فقد اغتيل البراهمي بذات السلاح الذي استخدم في اغتيال سياسي آخر قبل بضعة اشهر، والمشبوهون المركزيون هم المتطرفون السلفيون. وحتى لو لم يكن حزب السلطة يرتبط بشكل مباشر بالاغتيال، فان فشله المستمر في ادارة الدولة، صياغة دستور جديد والوساطة بين المحافل الاسلامية، التي تزداد شهيتها باستمرار وبين المؤسسة القديمة، التي بقيت علمانية في معظمها ـ وبالطبع، الاقتصاد الذي لا يزال يعرج ـ تضع قيد الشك قدرتها على تقديم حكومة مستقرة على مدى الزمن.
في ليبيا ايضا يتعاظم الغضب على الحزب الاسلامي المركزي، حزب العدالة والتنمية، الثاني في حجمه في البرلمان، على خلفية سلسلة طويلة من تصفيات رجال الامن والناشطين السياسيين. في ليبيا ايضا لا توجد الان أدلة واضحة تشير الى دور الاسلاميين في التصفيات، ولكن واضح أن لجهات شديدة القوة مصلحة في توجيه الغضب العام ضدهم، وفي طرابلس وفي بنغازي اعتدي على مقرات الحزب واضرمت فيها النار.
اذا كان يبدو قبل سنة ونصف السنة ان الحركة الشعبية الاوسع والاكثر تأطيرا في العالم العربي تصبح ايضا القوة السياسية السائدة، فيبدو الان أن طموح الاخوان المسلمين كان في طالحهم. فليس فقط في شمال افريقيا الاخوان في تراجع، بل وفي سورية ايضا ـ حيث كان الاخوان المسلمون الجهة الاهم بين حركات الثوار ـ تتعاظم الان باستمرار قوة الفصائل الاسلامية المتطرفة اكثر، كجبهة النصرة واحرار السلام. وبالتوازي، فان الدول الغربية تؤخر ارساليات السلاح للثوار خشية تعزيز التيارات الاسلامية. في تركيا لا يوجد الان تخوف على استقرار حكم الرئيس رجب طيب اردوغان، ولكن الاضطرابات والمظاهرات المستمرة هناك على الدوام، تأتي هي ايضا على خلفية الغضب المتعاظم من اسلوب الحكم المطلق المركزي لحزب ‘العدالة والتنمية’، ذي الايديولوجية المشابهة لايديولوجيا الاخوان.
ودول اسلامية متزمتة ايضا كالسعودية لا تبدي تفهما للاخوان المسلمين وتعطي اسنادا هادئا للانقلاب المصري (وادارة اوباما هي الاخرى التي لا تزال ترفض وصف الاحداث كانقلاب كي لا تضطر الى وقف الدعم العسكري عن الجنرالات). وفي الاسابيع القريبة القادمة، في مصر، في تونس وفي ليبيا ستتبين القوة الحقيقية للاسلام السياسي، ففي الانتخابات نجح الاخوان المسلمون في جر الملايين الى صناديق الاقتراع، مستغلين عدم التنظيم والانشقاق في المعسكري الديمقراطي. الى معارك الشارع، امام قوات الشرطة والجيش المصممة والمزودة جيدا، لم ينجحوا بعد في جلب الملايين.

انشل بابر
هآرتس 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق