بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 يوليو 2013

السعوديون والشرعية في مصر د. مضاوي الرشيد



منذ 30 حزيران حيث بدأت احداث مصر الاخيرة بعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي على يد المؤسسة العسكرية انشغل طيف كبير من المراقبين السعوديين بمتابعة الاخبار لا بل بالاصطفاف خلف هذا الفريق او ذاك كغيرهم من المراقبين الاقليميين والعالميين.
وهذا ليس بالمستغرب اذ ان ما يحدث في مصر له تداعيات كبيرة في المحيط العربي تتجاوز حدود الدولة المصرية سياسيا وثقافيا من هنا جاء اهتمام السعوديين الواضح ولكن كبقية المتابعين خارج مصر انقسمت اتجاهاتهم بين مؤيد ومناصر لشرعية الرئيس المخلوع ومؤيد للمؤسسة العسكرية المصرية واجراءاتها. كان من الطبيعي ان يصطف المتعاطفون مع تيار الاخوان المسلمين في السعودية والمتأثرين بفكره ومنهجه خلف تيار الشرعية المصرية منددين بما اجمعوا على تسميته الانقلاب العسكري والذي برأيهم عزل رئيسا منتخبا عبر صناديق الاقتراع
ليجر مصر الى حالة فوضى وتصادم او حرب اهلية واقر بعضهم ان فترة حكم الاخوان في مصر والتي اكملت عامها الاول قد لا تخلو من الاخطاء وسوء التصرف لكن هذا لا يعتبر مبررا للانقلاب على الشرعية واخفاء الرئيس المصري وسجن بعض قيادات الاخوان فدافع هؤلاء عن الشرعية المصرية معتبريها تجربة ديمقراطية خاطفة انتهت بتدخل قوى محلية مصرية مدعومة خليجيا خاصة من النظام السعودي. فجاء دعم هذه الشريحة السعودية للتجربة المصرية مرتبطا بادانة واضحة وصريحة للتدخل السافر السعودي في التأثير على مسيرة الاحداث في مصر وكان دفاعهم عن مرسي رفضا واضحا وصريحا للموقف السعودي الرسمي الذي ظل يرصد الموقف السعودي الشعبي وان كانت السلطات السعودية قد غضت النظر عن خطابات المساندة للشرعية المصرية الا انها لم تتحمل أي عمل منظم ولو ان نتيجته لا تتجاوز بيانا للناشطين والمثقفين والعلماء ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي ومن هنا جاء ردها السريع حيث تم استدعاء عدد من الناشطين الاسلاميين للتحقيق على خلفية جمع التواقيع دعما للشرعية المصرية. وبما ان السعودية على مستوى النظام قد ابدت ارتياحها لعزل الرئيس المصري وسارعت في الاعلان عن الدعم المالي تكون بذلك قد أخذت موقفا منحازا بشكل صريح للانقلاب العسكري كجزء مهم من سياستها الخارجية الهادفة الى تمكين قوى وفعاليات مصرية بعيدة عن فكر الاخوان المسلمين وان كانت عسكرية. من هنا بدأ اي حراك سعودي يدعم الجانب الآخر وكأنه رفض واضح للسياسة السعودية الخارجية وهذا مما لا تقبل به القيادة السعودية لذلك قررت التدخل سريعا على ساحتها المحلية حتى لا تتكرر احداث التسعينات عندما تصادمت السلطة السعودية مع الاسلاميين على خلفية استدعاء القوات الامريكية خلال الاحتلال العراقي للكويت.
ورغم ان المواجهة كانت تدور على موضوع محلي صرف الا انها تستدعي ردة فعل السعودية على ارتماء الاسلاميين خلف شرعية الرئيس المصري المخلوع وهي بذلك تقيس درجة الحشد والتنظيم لتياراتها الاسلامية المحلية التي تتعاطف مع الاحداث وان كانت خارج حدود السعودية. فالنظام السعودي اليوم وبعد ان قلص مساحات الحراك في الداخل يظل حذرا في مراقبة تياراته يرصد تعاطفهم مع التيار الام في مصر. ورغم ان معظم رموز التيار الاسلامي السعودي لم يتجاوزوا الخطوط الحمر التي رسمها النظام الا ان اندفاعهم في الدفاع عن شرعية الرئيس المصري لا بد ان يثير حفيظة النظام. وان كان دعم التيارات الاسلامية السعودية للشرعية المصرية متوقعا الا ان هناك تيارا آخر مرتبطا بأجندة النظام السعودي بصورة واضحة اتخذ الموقف المعاكس للشريحة المسيسة اسلاميا فراح يضرب بالشرعية المصرية ويبرر التدخل العسكري في انهاء المرحلة الاسلامية واتخذ هذا التيار من زلات الاخوان المسلمين واخطائهم فترة حكمهم القصيرة مادة دسمة داعمة ومبررة للانقلاب العسكري ووسع هؤلاء مساحات نقدهم ليكتبوا الفصل الاخير في تجربة الاسلام السياسي ويعلنوا موته الى الابد وركز نقدهم لهذا التيار على قضية الخلط بين السياسة والدين متناسين انهم يعيشون في نظام كان اول الانظمة التي استغلت الدين في السياسة ولا تزال تبني شرعيتها على هذا الاستغلال. فأتحفوا مقالاتهم بخطابات الدولة المدنية ومزاياها مترحمين على تهاوي التيارات الدينية التي لم تصمد سياساتها امام الواقع السياسي المعقد والوضع الاقتصادي المزري في بلد كمصر. وامتلأت الصحافة السعودية الرسمية بمقالات اشبه ما تكون ببيانات النعوة الاخيرة كان كثير منها تصفية حسابات مع التيار الاسلامي في الداخل السعودي والذي هو بدوره لم يقصر في ادانة الخطاب المضاد والذي اعتبره هجوما على الاسلام وليس فقط على الاخوان المسلمين. 
وحدد اعداءه بالعلمانيين والليبراليين الذين كشفتهم احداث مصر وكشفت زيف خطابهم فركز هؤلاء على المفارقة التي افرزتها الساحة المصرية حيث ان المتمسك بشرعية الانتخاب الديمقراطي كان من الاسلاميين والرافض لهذه الشرعية جاء من الطيف الآخر الذي يدعي الديمقراطية ويساند الدولة المدنية. واحتدت المصادمة الاعلامية رغم ان القنوات المتاحة لمناصرة السياسة الخارجية السعودية تتفوق بعددها على القنوات السعودية المستقلة التي دافعت عن شرعية الرئيس المصري المخلوع الا ان القنوات الاسلامية الاعلامية استطاعت ان توفر الخطاب المضاد الرافض اولا للتدخل السعودي السافر في مصر لصالح القوى المعادية للتيار الاسلامي وثانيا لحسم المعركة لصالح القوى المصرية التي تدعي الديمقراطية. من هنا بدأت الاحداث المصرية وكأنها تتصدر الانقسام السعودي الحالي والتشنج الحاصل في الداخل الذي تم اسقاطه على الساحة المصرية وبدا السعودي من الطيفين المندد والمبارك اكثر حماسا ربما من العاملين على القضية المحلية المصرية ولو على بعد. فمصر تتحرك في الميادين والسعودي من الطيفين يتحرك في العوالم الافتراضية التي بدت خلال الاسابيع الماضية وكأنها ساحة معركة مصيرية قسمت المجتمع السعودي تماما كما هي قسمت الساحة المصرية يحاول كل طرف فيها ان يهزم الطرف الآخر ولو اعلاميا. وفي ظل هذا التقاطب والتشنج خاصة في مساحات الاعلام الافتراضي ظهر فريق ثالث ربما هو الاكثر تأنيا في تقييمه للتجربة المصرية وتداعياتها من منظور سعودي رغم انه قد يكون الأقل شعبية وانتشارا. هذا الفريق الثالث يظل متمسكا بشرعية الآليات الديمقراطية وافرازاتها رغم انه لا ينتمي للتيار الاسلامي الا انه يصر على ضرورة الالتزام بنتائجها ويرفض رفضا قاطعا التدخل العسكري في قلب المعادلات السياسية حيث يعتبره بادرة تنذر بعواقب وخيمة وتعيد مصر الى المربع الاول. 
ويتميز هذا الطيف الصغير بتحليله المتزن لعواقب الانقلاب على الشرعية دون ان يصطف خلف الفرقاء المتنازعين في مصر او يدين بشكل صريح سياسة النظام السعودي تجاه مصر فيأتي خطاب هذا الفريق اكاديميا منبها لمخاطر التحول المصري دون ان يغوص عاطفيا في تفاصيل هوية الخصوم ويركز على مبدأ احترام نتيجة العملية الديمقراطية وان أتت بخصوم سياسيين لا تتفق مع منهجهم. فجوهر الديمقراطية هي فرز الساحة السياسية سلميا لتحديد هوية السلطة لفترة محددة ولا يجوز تقويضها الا عن طريق الآليات المشروعة كالمظاهرات السلمية والاعتصامات التي قد تؤدي الى انتخابات قبل موعدها لتجنب مصادمات شعبية او تدخل عسكري سافر كما حدث في مصر. رغم ان الساحة السعودية قد تبدو هادئة هذه اللحظة الا ان تشنجها واحتقانها الداخلي قد تم بالفعل اسقاطه على الوضع المصري والذي قد اصبح شغل السعوديين الشاغل دون مبالغة خلال الاسابيع الاربعة السابقة ولا يوجد اي بادرة تنذر انه سيهدأ في الايام المقبلة. فمصر قدمت دروسا لن ينساها المراقب العربي حيث انها اليوم ساحة تجارب سياسية مع الاسف اقترنت بعنف سقط ضحيته الكثيرون. 
وبعيدا على الارتباط العاطفي العربي بأم الدنيا والمحروسة الا انها ستبقى المعلم الاول النظري والعملي لشعوب عربية اخرى مكبلة غير قادرة على ان تصل الى ما وصلته مصر في المستقبل القريب وستظل هذه الشعوب ومنها السعودي يتطلع الى مصر كمصدر الهام ثقافي وحضاري نتمنى له ان ينتصر على خيار الديكتاتورية بكافة اشكالها.
من هنا قبلت مصر ام لم تقبل سيظل السعودي مشغولا باحداثها مهتما بشأنها لانها درس لا ينسى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق