بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 يوليو 2013

النهوض الكردي والدولة - الطائفة مصطفى زين

ش
لم تستطع الشعوب في الشرق الأوسط، عموماً، التوصل إلى بناء الدولة - الأمة، وتكريس المفهوم الوطني. وقد تراجع الخطاب القومي، خلال العقود القليلة الماضية، لمصلحة الخطاب الديني والمذهبي. وأضحى مفهوم العروبة التي «روحها الإسلام»، على ما كتب ميشال عفلق، مجرد شعار يعود إلى بدايات القرن الماضي. لا دولة تسعى إلى تحقيقه، ولا مسؤول يعتبر تحققه منقذاً من الأزمات المتلاحقة. ولا حزب يعتبره غايته. فالبعث في العراق يكاد يندثر ويتحول إلى جزء من طائفة. وهو في سورية ليس فاعلاً أو مؤثراً في الأحداث الدامية التي تكاد تدمر البلاد بكل طوائفها ومكوناتها، وتحولها إلى دويلات مذهبية متناحرة.

إن ضلوع مختلف الأطراف والطوائف في الحروب الداخلية في سورية، والهجوم الدولي الخارجي والإقليمي الذي تتعرض له يثبتان تراجع التوجهات القومية، إلا أن شمول الهجوم المشرق العربي كله يؤكد، من جهة أخرى، وحدة بلدانه في المصير. وإذا لم تكن هذه الدول تعي ذلك، أو تعيه وتخاف من الجهر به ورسم استراتيجياتها على أساسه، فإن الغرب، وفي مقدمه الولايات المتحدة، يبني كل خططته على أساس وحدة هذه البلدان.
طاول هذا التراجع في التفكير القومي الجميع عدا الأكراد الذين كلما غرق الآخرون في حالة التشرذم كلما وجدوا فرصة لتمييز أنفسهم والإمعان في الانفصال عنهم. وربما كان ما قاله رئيس إقليم كردستان في العراق مسعود بارزاني أفضل ما يعبر عن هذا الوضع.
دعا بارزاني، باسمه وباسم الرئيس العراقي جلال طالباني وزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، الأحزاب الكردية في إيران وسورية وتركيا إلى «مؤتمر قومي» يعقد في أربيل. وقال خلال اجتماع تحضيري للمؤتمر: «إن الأوضاع في سورية اليوم تشكل فرصة تاريخية للشعب الكردي لنيل حقوقه». والواقع أن الأكراد السوريين، بدعم من الإقليم، وبرعاية دولية، وغض نظر من أنقرة ودمشق أيضاً، استطاعوا السيطرة عسكرياً على معظم المناطق حيث يشكلون الأكثرية، وبدأوا العمل لتشكيل إدارة ذاتية مستقلة عن دمشق، قد تكون نواة حكومة لإقليم «كردستان الغربية»، على ما يسمونها، ما أثار غضب تركيا التي أعطى برلمانها الجيش حرية التحرك خارج البلاد إذا دعاه الأمر، والمعني بذلك أكراد سورية الذين ينسقون مع «العمال الكردستاني» في الأناضول.
سيناقش المؤتمر القومي الكردي العتيد أوضاع هذه القومية في تركيا وسورية وإيران، وإمكان الحصول على حكم ذاتي في كل منها، على غرار الحكم الذاتي في شمال العراق. ولا شك في أنهم سيناقشون وحدة «أرضهم»، وإمكان توحدهم مستقبلاً. وهم، وإن طمأنوا الدول التي ينتمون إليها حالياً إلى أنهم يسعون إلى السلام والأمن مع مكوناتها الأخرى. إلا أن مسيرتهم في العراق تؤشر إلى خلاف ذلك، فبارزاني نفسه يلوح بالانفصال عن بغداد، كلما رفضت الحكومة الاتحادية طلباً له. أو كلما طالبته باحترام كونها ممثلة لكل العراق، واحتجت على توقيعه عقوداً مع شركات النفط من دون علمها.
للأكراد حقوق في كل الدول التي ينتمون إليه، مثلهم مثل غيرهم من الأثنيات والطوائف والمذاهب الأخرى. وقد ارتكب أردوغان حماقة كبرى عندما بدأ يتعامل معهم في العراق كأنهم دولة مستقلة عن العراق، متوخياً استرضاءهم في الداخل كونهم مسلمين، غير مدرك أن الإسلام السياسي الذي يمثله لم يستطع توحيد المنتمين إلى مذاهب أخرى غير مذهبه، فكيف يستطيع التوحد مع جماعة تعتبر نفسها مختلفة كلياً عن الجميع ولها قوميتها الخاصة. وكان عليه، وهو مجدد العثمانية أن يعتبر من التاريخ ويدرك أن السلطان - الخليفة فشل في ذلك قبله فتفككت سلطنته على الأسس القومية.
النهوض القومي الكردي يقابله تفكك عربي، وكل الخوف أن تحذو باقي الطوائف والأعراق في العالم العربي حذو الأكراد فنعود إلى عصر الدولة - المدينة، أو الدولة - الطائفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق