بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 يوليو 2013

لأن كلّ طرف يراهن على نتائج الحرب في سوريا لا حوار لتأكيد الحياد ولا تنازلات لتأليف الحكومة -اميل خوري



اميل خوري
يقول سياسي مخضرم ان لا خروج للبنان من الازمات التي يتخبط فيها الا بأحد حلين: إما أن تفك القيادات فيه ارتباطاتها بأي جهة خارجية وتجلس الى الطاولة للاتفاق على اي لبنان تريد وأي نظام، وإما أن تنتظر نتائج صراعات المحاور في المنطقة ما دامت كل منها تراهن عليها، فإما تربح رهانها فيكون لها موقف او تخسر فيكون لها موقف آخر.

هذا هو في اختصار العلاج لمرض لبنان من دون قتل المريض كما يرى السياسي نفسه.
والسؤال المطروح: هل في استطاعة القيادات المرتهنة للخارج فك ارتهانها ليصبح قرارها حرا إذا ما اتفقت على تخليص لبنان من ازماته؟ لقد تبين من تجارب الماضي والحاضر ان لا مستقبل للبنان الا اذا اتفقت القيادات فيه على تحييده عن سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية لتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والازمات الاقليمية، حرصا على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الاهلي، وبعدما جر عليه انحيازه لسياسة المحاور والصراعات الاقليمية منذ العام 1943 ويلات الانقسامات الداخلية والحروب العبثية. ولم تتوقف الحروب والصراعات الا بعد تسوية او بعد انتصار طرف خارجي على طرف آخر.
لقد دعا ميثاق 1943 الى ان لا يكون لبنان لا "مع شرق ولا مع غرب"، وكان المقصود من هذا الشعار ان لا لوحدة مع سوريا ولا لحماية من فرنسا. الا انه ظل شعارا ولم يطبق على ارض الواقع، خصوصا ان نقيضه كان دخول لبنان في جامعة الدول العربية مما جعله يخرج عن حياده ويصوت في اجتماعات الجامعة مع هذا الطرف العربي او ذاك ويدفع ثمن مواقفه توترات سياسية وامنية في الداخل، واصبحت الساحة اللبنانية مفتوحة لصراعات محاور عربية ودولية لا يرتاح لبنان من تداعياتها الا بعد توقفها سواء بتسوية يتم التوصل اليها او بانتصار طرف على آخر.
لذلك اراد الرئيس ميشال سليمان العودة الى شعار "لا شرق ولا غرب"، وترجمته اجماع اقطاب هيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري على ما عرف بـ"إعلان بعبدا" لكن عدم تطبيق هذا الشعار بعد العام 1943 تكرر بعد "اعلان بعبدا" اذ انقسم اللبنانيون وقادتهم بين من هم مع المحور الايراني ومن هم ضده، ومن هم مع النظام في سوريا ومن هم ضده بتدخل مباشر او غير مباشر، لتصبح الساحة اللبنانية احدى ساعات صراعات المحاور. وراح كل طرف لبناني يراهن على انتصار رهانه ليكون له موقف. فمؤيدو نظام الرئيس الاسد راهنوا على انتصاره خلال اشهر ومعارضوه راهنوا على سقوطه خلال اشهر، واذ بالطرفين المراهنين يخسران الرهان حتى الآن وينتظران انتهاء الحرب في سوريا من سينتصر فيها لبناء مواقفهما واذ بهذه الحرب تطول ويطول انتظار المراهنين على نتائجها التي قد تنتهي كما انتهت حروب أخرى الى تسوية لمصلحة الكبار على حساب الصغار.
لذلك على القيادات اللبنانية ان تقرر اذا كان في استطاعتها، بمعزل عن اي خارج، العودة الى طاولة الحوار لتأكيد التزام "اعلان بعبدا" فلا خلاص للبنان سياسيا وامنيا واقتصاديا ولا استقرار ولا ازدهار حتى ولا استقلال تاما ناجزا وسيادة مطلقة الا بتطبيق بنوده تطبيقا دقيقا وكاملا، تكون هذه القيادات قد حققت للبنان ما لم تحققه قيادات سابقة، أي حيادا للبنان يوازي بأهميته الاستقلال الذي ناله عام 43 بعدما اثبتت التجارب ان لا حماية لهذا الاستقلال الا بالحياد.
اما اذا كانت القيادات مرتهنة للخارج والقرار الحر ليس في يدها وان عليها ان تنتظر نتائج صراع المحاور على الساحة السورية وربما على ساحات عربية اخرى، فعلى هذه القيادات ان تتحمل امام الوطن والمواطن وامام الله والتاريخ مسؤولية انتظار هذه النتائج، وما للانتظار من مضاعفات وتداعيات. واذا كان لا بد من انتظار نتائج صراع المحاور في سوريا والمنطقة، فلتعمل القيادات اللبنانية اقله على ان يكون هذا الانتظار هادئا وبعيدا عن الخضات الامنية والازمات السياسية والاقتصادية، والتي لم يعد في إمكان لبنان واللبنانيين تحمل عواقبها بعدما تحملوا الكثير من الحروب المفتوحة على هدنات قصيرة، بحيث بات اللبنانيون يرضون بكحل "الستاتيكو" خوفا من العمى...
والانتظار الهادئ لنتائج صراع المحاور في سوريا والمنطقة يتطلب الاتفاق على حكومة من غير السياسيين اذا ظلوا مختلفين ومتخاصمين، حكومة قادرة على الحد من خسائر ما يجري حول لبنان وتصب اهتمامها على اولويات الناس، فهذا هو المطلوب بالحاح في الظرف الراهن، ولا بديل من حكومة كهذه عندما لا تتوصل القيادات الى اتفاق على تشكيل حكومة من كل القوى السياسية الاساسية في البلاد، لأن هذه القوى تراهن على نتائج الحرب في سوريا وغير مستعدة لتقديم التنازلات المتبادلة، وإن من أجل لبنان قبل ان تظهر هذه النتائج. والشعب يعرف من يعرقل تشكيل الحكومة بشروطه التعجيزية ويفترض ان يحاسب في اقلام الاقتراع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق