بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 يوليو 2013

آه وآه وآه! - جمال لعلامي -تونس


imageعندما يتحوّل ما يسمى "الربيع العربي" إلى مواجهة بين جزء من الشعب ضد جزء آخر من الشعب في البلد الواحد، فهذا ليس سوى دليلا آخر على أن عرّابي هذا "التسونامي"، لم يكن هدفهم "التغيير" وإنقاذ الشعوب من الديكتاتوريات، وإنـّما من بين الأهداف تكسير البلدان المستهدفة وضرب أركانها وأمنها ووحدتها.
لقد أفرزت رياح "الربيع العربي" مشاهد متناقضة لسيناريو واحد، فسيكتب التاريخ في يوم من الأيام، أن هذا "الربيع" أفضى إلى رئيس هارب من تونس، ورئيس مقتول في ليبيا، ورئيس مخلوع وآخر مسجون مع سابقه في مصر، ورئيس يدمّر بلده في سوريا، فهل هذا "ربيع؟"
المصيبة أن كلّ جزء من المتناحرين من الأشقاء الفرقاء يصرّ أنه صاحب "حقّ إلاهي"، ولذلك يتنافس المتحاربون على تخريب بناهم التحتية وضرب أمن بلدانهم، وأخطر ما في حكاية الربيع، تقسيم الشعب إلى شعبين متناحرين ومتقاتلين بالحجارة والسلاح والفتاوى والعياذ بالله!
 .."الربيع" الذي أشرقت شمسه الحارقة قبل أكثر من سنتين، لم يعقبه لا صيف ولا خريف ولا شتاء، فقد ألغى المخطط المشبوه تعاقب الفصول الأربعة، وأصبحت السماء تمطر دموعا وحزنا وأسى وفتنة، وبلغ الحال في مشهد خطير لا ينبغي استنساخه، مواجهة بين الشعب!
هذا هو المقصود من الربيع: اغتيالات وعدم استقرار في تونس، مليشيات واقتتال في ليبيا، دمار وتدمير في سوريا، وجزء من الشعب ضد الجزء الآخر من الشعب في مصر.
المصيبة أن الاختلاف الذي فيه رحمة، لم يعد محصورا في صناديق الاقتراع و"هوشة" الحملات الانتخابية والمواجهات السياسية بين الأحزاب والنواب وبين السلطة والمعارضة، ولكن الخلاف أصبح ممارسا بالسلاح والعنف والدمّ وأتون الحرب الأهلية!
هروب زين العابدين بن علي، لم يعد لتونس الخضراء بريقها، ومقتل معمر القذافي، لم يطوّر ليبيا، وخلع حسني مبارك ومحاكمته وسجنه لم تنصف الغلابى في مصر، وإعلان الحرب على بشار الأسد، لم يجنّب سوريا كارثة الدمار الشامل!
نعم، مصيبة المصائب أنه لم يعد هناك وجود لأصوات الحكمة والعقل والبصيرة والتريّث، ويكاد تركب كلّ هؤلاء وجميع أولئك موجة التأليب على الآخر والدعوة إلى التصفية والمطاردة والتخريب، وأخطر المخاطر أن علماء ومشايخ انخرطوا في الفتنة النائمة بل أصبحوا جزءا منها!
بعيدا عن الأسباب ومعادلات الضحية والجلاد، وبعيدا عن نظريات الغالب والمغلوب والرابح والخاسر، اتضح الآن مثلما كان واضحا منذ البداية للمتفطنين والمخضرمين، أن "الربيع" ما هو في الحقيقة سوى حقّ يُراد به باطل، وأنه في أحسن الأحوال سمّ مدسوس في عسل!
إن ما يحدث من تطورات قاتلة في تونس وليبيا ومصر وسوريا، يؤكد إلى ما لا نهاية، أن المقصود في "حروب" ما سمي بـ"الربيع العربي" هو إسقاط آخر البلدان "الواقفة"، أو آخر الدول التي تريد أن تقف على رجليها، أو التي لا يُراد لها أن تقف أبدا على رجليها، ولذلك قال المشككون أن "الربيع" هو تلك الشجرة التي تغطي الغابة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق