بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 يوليو 2013

لن تكون للعربية حياة... إلا إذا غدت «لغة الحياة» محمد جابر الأنصاري *




اللغة العربية من محددات القومية. وفي الحالة العربية احتلت اللغة العربية مكانة بارزة في تحديد «من هو العربي؟»، والعضوية في جامعة الدول العربية من أبرز شروطها كون العربية لغتها الرسمية.

ويدخل الأصل، مع اللغة، في تحديد القومية، ولكن ذلك ينطبق على بعض العرب في آسيا.
أما عرب أفريقيا، فاللغة العربية هي العامل الأول في تحديد عروبتهم. ويشكو الناس في المرحلة الراهنة من ضعف تدريس اللغة العربية. وهناك أكثر من سبب لهذا الضعف.
من هذه الأسباب: ضعف التدريس، وكون أساتذة اللغة العربية غير ملمين إلماماً كافياً بمادة تدريسهم.
وإذا أراد مدرس العربية «تقوية» مادته بكتاب مقرر، اتضح أن الكتب المقررة في المواد الأخرى، وبلغات أخرى، تفوق مادته.
ونظراً لذلك، فقد أصبح مدرس العربية «Mr. No.» بين مدرسي المدرسة، وموضع التندر من الأساتذة والطلبة!
وعلينا أن نعترف أن العربية لغة صعبة، وقد بُذلت جهود لا تنكر في التبسيط. ولكن هذا التبسيط لم يحقق أهدافه بعد، وهناك مواضع في النحو العربي تثير الضحك والسخرية. من أمثلة ذلك: «نائب الفاعل».
فنائب الفاعل يُرفع ضماً، كالفاعل نفسه، فاذا قلنا: «قُتل الخروفُ» فمعنى ذلك أن الخروف قتل نفسه! أي انتحر! فأي مدرس عاقل على استعداد لتدريس هذا المثال؟
ونظراً لصعوبات كهذه، فان عزوف الطلبة عن اللغة العربية والقراءة بلغات أجنبية له ما يبرره... ومن خبرتي في العمل الجامعي، فإن جامعات محترمة تنص لائحة تدريسها على أن العربية «هي لغتها الرسمية» تجنح للتدريس بلغة أجنبية نظراً لعاملين:
أولاً: الكتب المقررة لمادة التخصص.
ثانيا: الأساتذة الذين يتحدثون الأجنبية ولا يحسنون العربية.
وقد ظل هذا العذر يتكرر في تلك الجامعات من دون أن يفعلوا شيئاً بشأنه.
كما يميل الطلبة للتحدث بلغة أخرى غير العربية... وهناك نقاط ضعف كثيرة أخرى، ولكن هذا يكفي. والإيجابية الوحيدة التي أراها هي انتشار الروح الدينية في مجتمعاتنا العربية واهتمام الشباب بالقرآن الكريم، باعتباره معبراً عن هذه الروح.
والبلد الوحيد الذي أراه قادراً على التصدي لضعف العربية هو السعودية، ولم تتخلّ الشخصيات السعودية عن هذه المهمة.
فالملك عبد الله بن عبد العزيز وضع جائزة للترجمة سنوياً، والأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله، قام بعدة مبادرات في اليونسكو وغيرها نحو اللغة العربية، والأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، من خلال اهتمامه بتاريخ الجزيرة العربية، حثّ على التأليف في هذا الموضوع.
والأمير خالد الفيصل، مؤسس وراعي مؤسسة الفكر العربي، جعل من «حوار العرب» مجالاً خصباً للبحث في قضايا الأمة، هذا بالإضافة إلى مقررات التدريس، بالعربية، في المعاهد والجامعات السعودية ما يثلج قلب المرء الذي يريد للعربية البقاء والازدهار. وفي المنابر السعودية تسمع الناس يتحدثون العربية فلا تجد ضعفاً أو تردداً.
وأعتقد أن دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال جوائز الكتاب السنوية، قد ساهمت في خدمة اللغة العربية أيضاً.
وينبغي ألا ننسى دولة الكويت التي أصدرت مجلة «العربي» وخصصت ميزانية مستقلة لذلك. وما زالت تصدر منذ عام 1958 إلى يومنا هذا.

كما أن الكويت أصدرت في المسرح والرواية ما نشأ جيل عربي جديد -في المشرق والمغرب- على قراءته والاستفادة منه. وفي سلطنة عمان يتحدث الناس بلهجة هي الأقرب إلى الفصحى، كما أن السلطان قابوس بن سعيد لا ينطق في خطبه إلا من خلال تشكيل قريب من الفصحى، وإذا اتحدت دول مجلس التعاون، كما دعا إلى ذلك الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأيده في هذه الدعوة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، فإن دول المجلس، في ظل الاتحاد، تستطيع بالتنسيق في ما بينها أن تقدم خدمات للغة العربية التي هي في حاجة لمثل هذه الخدمات.
وفي الأردن، بلد الدعوة الهاشمية، وكذلك في المملكة المغربية، التي قاومت ببسالة الإضعاف الأجنبي للعربية، تسمع عربية فصحى، هي من أثر الشعور بضعف اللغة العربية. كما أن مقاومة أقطار المغرب العربي للفرنسية، كما في الجزائر وتونس، من الأمور التي تذكر باعتزاز.
ولا يمثل التحول إلى عربية حية مسألة صعبة. فلا بد من تأليف لجنة للتصدي لهذه المهمة، يكون أعضاؤها:
1- ممن تمكنوا من العربية شعراً ونثراً وقرأوا فكراً نثرياً عربياً بالذات.
2- اطلعوا على ما كتب باللغات الأجنبية.
3- أن يكونوا من المؤمنين بالعروبة والعربية.
وإذا ما وضع هؤلاء منهجاً فانه لن يعكس ضعفاً للغة العربية كالضعف الذي نعاني منه الآن، وستكون العربية «لغة الحياة».





 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق