بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 يوليو 2013

مشكلة الكويت أن ليست لديها مشكلة؟ - جورج سمعان


تكرار العملية الانتخابية في الكويت بقدر ما كان مظهراً من مظاهر عدم الاستقرار السياسي، كان دافعاً إلى الإحباط والملل من هذه اللعبة التي تكررت أربع مرات في خمس سنوات ، وكادت أن تشل عجلات الدولة. وزاد في هذا الشعور ما تردده أوساط كثيرة أن المجلس الجديد الذي اختاره الكويتيون يوم السبت الماضي لن يكون حظه أفضل من سابقيه اللذين حلهما الأمير بمرسوم بعد اشتداد الصراع بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية. فبعض المراقبين اعتبر أن ثمة شوائب أو ثغرات أشارت إليها اجتهادات قانونيين قد تشكل مستقبلاً سبباً لإبطال المجلس الجديد. لكن مراجع سياسية استبعدت ذلك. ورأت أن وجود كتلة من النواب الفاعلين قد تحرك اللعبة السياسية بعيداً من الصدام الذي طبع المرحلة السابقة وأدى إلى تعميق الأزمة.
الجديد في الاستحقاق الأخير أن المعارضة التي قاطعت انتخابات المجلس الذي قضت المحمكة الدستورية بعدم شرعيته وحله لاحقاً، لم تنجح في دفع الناخبين إلى العزوف كما فعلت نهاية العام الماضي. صحيح أن النواب السابقين الذين قادوا المعارضة منذ حوالى عشرين شهراً قاطعوا هذه المرة أيضاً كما فعلوا العام الماضي، إلا أن القوى التي ناصرتهم توجهت إلى الصناديق السبت. كسرت زيارات أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح القبائل، حدة مقاطعتها. وكانت قياداتها بالتأكيد وجدت أن خروجها من المجلس الأخير الذي لم يعمر طويلاً ألحق أضراراً بمصالحها سواء الوطنية أو الخاصة. ولا يستبعد مراقبون يتوقعون هم أيضاً ألا يكمل المجلس الجديد ولايته، قيام تفاهم بين قيادة البلاد على تحريك المجلس الجديد من أجل تعديل قانون الصوت الواحد ليصبح بمقدور الناخب أن يختار مرشحين بدلاً من واحد إرضاء للبقية الباقية من المعترضين.
الشعارات والمواقف التصعيدية التي لجأ إليها بعض أقطاب المعارضة استفزت شرائح واسعة من المجتمع الكويتي الذي يرفض مثلاً الدعوة إلى تغيير الدستور، وإن رأى بعضهم أن ثمة حاجة إلى ذلك. لكن ذلك ليس طريقه إعلاء الصوت في تجمع هنا أو هناك. كما أن تعطيل عجلة الحكم أدى إلى تآكل في مؤسسات الدولة وتوقف كثير من المشاريع الحيوية والتنموية في البلاد... على رغم أن المجلس المنحل والحكومة التي واكبته أصدرا كثيراً من القوانين في فترة وجيزة فاقت ما كان تشهده عهود سابقة. في النهاية ارتضى الجميع حكم المحكمة الدستورية التي منحت الشرعية لمرسوم الضرورة الذي كان الأمير أصدره العام الماضي وقضى بمنح الناخب صوتاً واحداً بدلاً من أربعة أصوات في دائرة من عشرة مقاعد. وهو ما كان أثار المعارضة.
نسبة مشاركة أكثرية القوى التي قاطعت سابقاً، من القبائل إلى تكتلات ليبرالية وقوى حضرية من المنبر الديموقراطي إلى التحالف الوطني وقوى سلفية وإسلامية وعدد من المستقلين، كانت واضحة. وتؤشر إلى أن شرائح واسعة من الناخبين طوت صفحة المقاطعة. وتجلى ذلك في خلو «ساحة الإرادة» من الحراك الذي ضجت به الكويت أواخر العام الماضي. وتجلى أيضاً في ضعف الإقبال على ندوات وديوانيات المقاطعين وحتى لقاءات المرشحين أيضاً. لكن ذلك لا يعني أن الأزمة التي شلت البلاد طوال حوالى عشرين شهراً قد حلت. القوى التي دخلت مجلس الأمة والحكومة الجديدة المقبلة ستوضح مستقبل الوضع السياسي والاجتماعي. لكن توافق الكويتيين في النهاية على العودة إلى المؤسسات الديموقراطية هو المدخل الطبيعي والوحيد لمعالجة الأسباب التي فاقمت الأوضاع في السنتين أو الثلاث الماضية.
كانت الكويت في العقود الماضية، السابقة على الغزو العراقي، نموذجاً يتطلع إليه باقي أهل دول الخليج، إن لناحية التجربة الديموقراطية، أو لناحية الحيوية الثقافية والاقتصادية وحتى السياسة الخارجية. لكن هذا النوذج بدأ بالتراجع. حتى أن الجيران الذين كانوا يتطلعون إلى التمثل بالكويتيين باتوا في السنوات الأخيرة يتأففون من هذا «المثال». بل باتوا ينظرون إلى الأزمات المتتالية تهديداً لأمن البلاد والإقليم كله، خصوصاً أن دولة الكويت تجاور ثلاث قوى إقليمية كبرى لا يخفى الصراع الواضح بينها على قيادة النظام في منطقة الخليج وحتى المنطقة العربية كلها. وتفاقم الصراع مع هبوب عواصف الحراك في أكثر من بلد عربي، وأخذ أشكالاً عدة، خصوصاً في غياب الأطر الحزبية التي لم ينص الدستور على عدم قيامها لكنها لم تشرع إلى اليوم، وفي ضوء ضعف القوى التقليدية والليبرالية والقومية التي تفككت وضعفت في العقدين الأخيرين.
من هنا، يجب أن تشكل عودة الكويتيين إلى ممارسة اللعبة الديموقراطية، أو العودة إلى قبة البرلمان، مناسبة للبحث في صيغة توافق جديدة تفكك بالتدريج عناصر الأزمة من أجل الحفاظ على الدولة وتدعيم بنائها، فلا يبقى التنافس على الحكم عاملاً من العوامل المساهمة في اهتزاز العلاقات بين السلطات الدستورية، وسبباً في تصعيد الاستقطاب بين القوى المختلفة. وهنا، تبرز مسؤولية الحكم في ضبط إيقاع هذا التنافس، لأنه يشكل مدخلاً لإعادة التوازن في علاقة الحكم بمراكز القوى الأخرى، لاستجابة تطلعاتها وتبديد مخاوفها أو شعورها بالتهميش والإبعاد عن مراكز القرار السياسي والمالي والاقتصادي.
لقد طرأت على الثنائية التي أدارت البلاد منذ مطلع القرن الماضي وترسخت بدستور 1962 متغيرات كثيرة. اقتصرت الثنائية في البداية على عقد توافقي بين الأسرة الحاكمة وأهل العاصمة من الحضر والتجار. وكان الحكم يتوكأ غالباً على المؤسسة القبلية والدينية، لمواجهة ما يطرأ من تباينات أو خلافات بينه وبين شركائه للحفاظ على التوازن والندية. لكن تنامي الكتلة البشرية للقبائل التي ترافقت مع طفرة مالية وفرتها عائدات النفط وأفادت منها أفواج شابة في التعليم والتأهيل طرحت تحدياً أمام طرفي الثنائية التقليدية. في حين وجدت القوى الدينية والأحزاب الإسلامية في التغييرات في تونس وليبيا ومصر فرصة للاستقواء والخروج من عباءة الحكم والانضمام إلى التململ القبلي. إلى ذلك تضاعفت أعداد الشباب الخريجين والمؤهلين الساعين إلى إيجاد فرص العمل المناسبة. علماً أن الحكومة لم تقصر في تقديم المساعدات للعاطلين من العمل وتوفير الوظائف التي بات بعضها يشكل بطالة مقنعة. ولم يفت الحكم استنباط حلول جذرية للمعضلات الاجتماعية، لكن مشروعه لاستعادة الدولة دورها الريادي في المنطقة ظل يتعثر ويتخبط في حمأة الصراع السياسي. ولم تستطع الكويت خوض المنافسة مع مدن خليجية كثيرة سبقتها إلى قفزات اقتصادية ومالية وتعليمية وإعلامية...
استطاع الأمير الشيخ صباح الأحمد حتى الآن أن يحيد الكويت عن التأثيرات الكثيرة التي طرحتها المتغيرات من إيران إلى العراق إلى رياح التغيير من تونس إلى سورية التي كانت حاضرة أزمتها على أبواب بعض المرشحين من صور السيد حسن نصرالله إلى أعلام «الثورة السورية». وأعطى دفعاً للعلاقات مع القبائل التي لم تتردد في ملاقاته إلى منتصف الطريق. يبقى أن يستكمل المجلس الجديد ملاقاة الحكومة المقبلة من أجل تصفية سلبيات المرحلة الماضية. الأمر الذي يتطلب تضافر الجميع لإعادة اللحمة بين كل المكونات. أي إدماج كل الشرائح التي طرأت على التركيبة الاجتماعية، من دون حساسيات أو شعور بالغبن أو شعور بأن مزيداً من المشاركة في القرارات السياسية والاقتصادية يتم على حساب هذا الطرف أو ذاك من شركاء الأمس في الثنائية التقليدية. ثم العمل على توزيع عادل للثروة، وتوفير الحد الأدنى من المساواة في مشاريع التنمية.
أمام الكويت فرصة نادرة لاستكمال المصالحة التي بدأها أمير البلاد. لأنها وحدها تعمق الاندماج المطلوب لمجتمع أصاب التصدع معظم مكوناته القبلية والحضرية، وهزّ التكامل المطلوب بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية لتسيير عجلة الحكم والمؤسسات، وعمق الفساد المستشري. وأمام المعارضة التي لا تزال على قرار المقاطعة أن تلحق بالركب. فهي ستواجه قيام طبقة سياسية جديدة سواء أكمل المجلس الجديد ولايته أو بكر في الرحيل. كيلت لها اتهامات ليس أقلها أنها بالغت في «الترف». مسؤوليتها أن تعود إلى قواعد اللعبة الديموقراطية وحصر الصراع بساحة البرلمان. ومسؤولية الحكم أيضاً في الإصغاء إليها لا صم الآذان عن هواجسها ومطالبها، وإن بالغ بعضها في رفع الصوت.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق