بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 يوليو 2013

الفضيلة الغائبة في الفضائيات العربية - د. علي محمد فخرو


بصراحة تامة هناك قلق مبرَّر يتزايد عند الكثيرين من أن الإعلام العربي، المقروء والمشاهد والمسموع، قد أصبح مصدراً رئيسَّياً من مصادر خلق وإشاعة ثقافة اللاَّ تسامح في مجتمعات بلاد العرب. ولعلً التسابق في الحصول على اكبر حصًّة من الإعلانات التجارية، والتًّزاحم على إجتذاب إنتباه وولاء أكبر عدد ممكن من القرًاء والمستمعين والمشاهدين، من اجل التباهي من جهة ومن أجل ممارسة غطرسة القوة المعنوية المجتمعية من جهة ثانية، قد قادا بعض المؤسسات الإعلامية إلى غضَ الطرف عن ظاهرة ممارسة الفهلوة الكلامية والنكتة الجارحة السًمجة والمبالغات المثيرة لغرائز الحقد والكراهية والعمى الإدراكي والتطرُّف والتعصُّب في الفكر واللغة.
إنُّ المحصلة النهائية للتعامل بتلك الصورة مع الإعلام السياسي العربي على الأخص، ستقود إلى إضافة ثقافة اللاتسامح إلى ثقافة التخلف لينتهي الأمر بنا إلى خطابات سياسية لا ديموقراطية ومضادة لحريات الآخرين.
وإذا كان لابًّد من ذكر أمثلة لتلك الممارسات الخاطئة فان الإنسان يشاهدها يومياً على شاشات الفضائيات العربية.
أفجع الأمثلة هي تلك الحوارات السياسية حول قضايا الساعة والتي تتصف أجواؤها بغياب الموضوعية والتوازن المنهجي والإنصاف في مناقشات الأخذ والعطاء.
تلك الملاحظات تبدو مثلاً أكثر ما تبدو في أيامنا الحالية في الكثير من حلقات النقاش التلفزيونيه عند تناول أخطاء وشخصيات الإسلام السياسي الذي يمرُ في محنة التراجع في السلطة وفي القبول الجماهيري.
في كثير منها تمارس أساليب الإستعداء والاستخفاف والإقصاء والتعميم غير المنضبط.
الأمر نفسه ينطبق على مبارزات الفضائيات الدينية المذهبية الكلامية والتشهيرية ضدًّ بعضها البعض، حيث تسود المماحكات وتشويه صورة الآخر لتصل أحياناً للتكفير والإخراج من الملًّة ورحمة الرحمان.
ويصل الإسفاف إلى قمًّته عند المرجفين اللاًّعنين الذين يملؤون بعض شاشات الفضائيات العربية الرسمية عندما يمارسون وظيفة النًّيل من شرف ونوايا وتاريخ كل معارض مطالب بالإصلاح.
نحن لا نعترض على شدًّة الإختلافات في الرأي ولا على الفضح المدويٍّ للممارسات الخاطئة بحقًّ المواطنين والوطن والأمُّة. إنُّما نعترض على أن يتمً ذلك بمستوى مهني أو مناقبي غير مقبول وبروح التشفٍّي واللاتسامح.
إن القضية تكمن في حقيقة من حقائق العصر الذي نعيش، وهي صعود المؤسسة الإعلامية إلى مكانة لا تقل عن مكانة البيت أو المدرسة، وذلك بالنسبة لغرس القيم والسلوكيات الإنسانية الفاضلة في نفوس وعقول الأجيال الشابًّة على الأخص. لذلك فان ممارساتها الخاطئة ستنعكس سلباً على مستقبل الثقافة العربية.
في قلب القيم والسلوكيات الفاضلة موضوع التسامح. إنه مدخل لقلب المساجلات والمبارزات الإيديولوجية المتشنجة إلى مناظرات وحوارات فكرية متفاهمة ويحترم بعضها البعض.
دعنا هنا نذكًر أنفسنا بأن ثقافة التسامح تشير إلى التعامل والتعايش مع آراء وعقائد ومواقف الآخرين بالصًّبر والمجادلة الحسنة، بتجنُّب الإنقسام والتعصُّب الإعتباطي، بالبحث عن المشترك، بالرفَّض التام للعنف الكلامي، بالإحتكام للمعايير الأخلاقية ومبادئ حقوق الإنسان الأساسية وخصوصاً ما يتعلق بالحرية والكرامة الإنسانية .
دعنا نذكًرأنفسنا بأن روح ونهج التسامح، ممثًّلاً في حوالي مائة آية قرآنية عن حريُّة الاعتقاد الديني، قد نادى بها الإسلام، ثم تمثلت في أقوال شهيرة من مثل قول الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب) أو قول الإمام أبوحنيفة (كلامنا هذا رأي، فمن كان عنده خير منه فليأت به).
أما حقل الفلسفة فقد قام وانتعش من خلال فضيلة الحوار المتسامح. وكان الفيلسوف الفرنسي فولتير يردًّد: كلنا ضعاف ميَّالون للخطأ فليسامح بعضنا البعض بشكل متبادل ‘وللقائد الروحي الهندي غاندي دعابة مؤداها: ‘لا أحب النسامح ولكني لا أجد أفضل منه للتعبير عما أسعى إليه’.
ثمًّ إنً ممارسة فضيلة التسامح الفكري واللًّفظي تحتاج إلى شخصية متوازنة ومؤمنة بالمسؤولية الاجتماعية. وهذا لا يتوفر في الكثير من الشخصيات الهامشية في الحياة السياسية والثقافية التي تدعى إلى حلقات النقاش التلفزيونية. بعض تلك الشخصيات تمارس مع الأسف أسوأ أنواع أدب الحوار والمناظرات.
أخيراً هل يمكن لأيً نظام ديمقراطي أن يوجد إن لم تقم العلاقة فيما بين اطرافه الفاعلة على أسس الأخذ والعطاء في المصالح والتسامح في الخطاب؟ فاذا كانت مجتمعات ثورات الربيع العربي تريد الإنتقال إلى النظم الديموقراطية، فهل تبدأ ذلك الإنتقال بتجاهل أحد أهم وسائل ممارسة الديموقراطية: التسامح في الخطاب؟
أملنا كبير في ان لا يسكر بعض القائمين على الإعلام العربي بنشوة انتصار هذه الفئة أو تلك، فالسياسة، كما هي الأرض، تداول بين الناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق