بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 30 يوليو 2013

تونس: الاستقطابات الخطيرة والسؤال الصعب

ابتداء ‘الربيع العربي’ في تونس حمّل هذا البلد ونخبه السياسية عبئاً سياسياً كبيراً، فرغم صغر حجمه جغرافياً، مقارنة بالدول العربية الأخرى القريبة منه فقد كان عملياً العتلة الدافعة التي ابتدأت زلزالاً سياسيا كبيرا خلخل العالم العربي وغيّر الستاتيكو السياسي الذي كان قائماً،
تغييراً ترك آثاره الهائلة على التاريخين العربي والعالمي.
ما كان يمكن لثورات المصريين والليبيين واليمنيين والسوريين وغيرها أن تبدأ لو لم تمسّها شعلة الحرية المقدسة التي ابتدأها بائع متجوّل بسيط في مدينة صغيرة وسط تونس، وكانت عودة المعارضين المنفيين والانتخابات الديمقراطية وصولا الى فوز ‘النهضة’، الحزب الاسلامي الذي كان مطاردا لعقود، وانتخاب المنصف المرزوقي، الناشط الحقوقي المعروف، رئيساً لها، علامات سياسية بارزة لن يستطيع العرب ان ينسوها.
كل ذلك جعل من تونس مرجعاً يمكن التأسيس عليه والاستفادة من نجاحاته وتجنّب اخفاقاته.
توقع التونسيون، اضافة الى الحرية التي ضحّوا لأجلها، استقراراً سياسياً واقتصادياً وانخراطاً حكومياً أكبر في الدفاع عن المناطق والفئات الاجتماعية المهمشة، كما توقعوا استمراراً لما اشتهرت به تونس من حماية لحقوق المرأة ومستويات مرتفعة في التنمية والتعليم والصحة.
ولأن اسقاط نظام دكتاتوري سابق لا يضمن صعود واستمرار نظام ديمقراطي مدني فقد بدأت المؤسسات المدنية التونسية وأهمها الأحزاب واتحادات الشغل والنقابات بمراقبة الحكم الجديد وانتقاد ممارساته بقسوة، ولعبت وسائل الاعلام في ذلك دوراً كبيراً.
ما لبثت التجربة التونسية الطموحة والمبشّرة أن بدأت تتعرّض للتآكل تحت وطأة هجمات أعدائها من السلفيين المتشددين الى اليساريين والعلمانيين الراديكاليين، المختلفين فيما بينهم ايديولوجيا والمتفقين موضوعيا على التخلص من الحكومة القائمة.
تشهد تونس حالياً أزمة سياسية صعبة ودعوة الاتحاد العام التونسي للشغل لحلّ الحكومة كونها ‘غير قادرة على الاستمرار في عملها’ معطوفة على دعوة حزب ‘التكتل’ العلماني وحليف ‘النهضة’ للأمر نفسه يضيّق كثيرا الخيارات امام الائتلاف الحاكم.
لجوء المتشددين الى اساليب العنف والاغتيال ضد خصومهم مثل شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والهجمات ضد الجنود التونسيين التي أدى آخرها الى مقتل ثمانية منهم، يحاول ان يفجر الأوضاع الصعبة في تونس ويدفع نحو استقطاب خطير.
لا تكتفي المعارضة التونسية بطلب حلّ الحكومة بل تطالب أيضا بحل المجلس التأسيسي وكل السلطات المنبثقة عنه، وقد استمدّت دعواتها قوّة وتعزيزاً لها بعد قيام الجيش المصري بخلع الرئيس محمد مرسي واعتقاله. غير ان هذه المطالب، مثلها مثل الاغتيالات التي تنفذها الجماعات السلفية المتشددة، تزيد أكثر فأكثر في الاستقطاب السياسي الحاصل في تونس وتدفع الأوضاع في البلاد نحو أفق مجهول ومخيف.
بانفتاح حزب ‘النهضة’ على شركاء سياسيين غير اسلاميين، كان الحزب أكثر حكمة من شقيقته الكبرى في مصر ‘جماعة الاخوان المسلمين’، فقد استطاع بذلك ان يحافظ على مصداقية ديمقراطية اكبر أهلته للاحتفاظ بلقب ‘الاعتدال’ الذي تصفه به وكالات الأنباء العالمية.
هل يستطيع حزب النهضة أن يكون أكثر انفتاحاً وديمقراطية بحيث يستطيع الاجابة لا عن سؤال الديمقراطية الملتبس فحسب بل عن اسئلة الحداثة والتنمية والاستقرار، وهي أسئلة فشلت فيها أغلب الاحزاب الاسلامية في المشرق العربي وأخذت بذلك بلدانها نحو حائط مسدود وهل تستطيع تونس أن تفاجئ العرب باعطاء معنى جديد للربيع العربي وبالحفاظ على سلمية وديمقراطية العلاقات بين احزابها ومؤسساتها؟
سؤال مطروح على النخبة السياسية التونسية كلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق