بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 يوليو 2013

ذكرى "ثورة يوليو" «ناصرية» عبد الناصر و«أنصار» سيف الدولة II حبيب عيسى


يتساءل الكاتب حبيب عيسى في القسم الأول من نصه، عن السمة الأساسية التي ميزت جمال عبد الناصر في ثورته، والدور الذي لعبه والعوائق الموضوعية التي حالت دون التغيير الكبير. وهنا يستكمل الأسباب التي دفعت «الناصريين» إلى التبعثر والتشتت:

هكذا، فإن المسألة لا تتعلق بسيرة ذاتية، ولا بترف فكري، ولا بالمباهاة بإنتاج فلسفي منهجي، وإنما يتعلق الأمر كله، بأمة عربية ممنوع عليها أن تتطور، ممنوع عليها أن تعيش بما تملك، ممنوع عليها أن تعبّر عن وجودها، ممنوع عليها أن تشهر هويتها، ممنوع عليها أن تقرر مصيرها، ممنوع عليها أن تسخّر طاقاتها وثرواتها وإمكانياتها البشرية والمادية لمشاريع التطور والعمران في وطنها، بينما يتم ضخها للخارج خدمة لمصالح عصابات الهيمنة الدولية، ممنوع عليها ذلك كله.. فإن قلتم إن هذا المنع جار بقرار دولي... فهو صحيح، وإن قلتم إنه جار بتبعية حكام طغاة أعمت بصيرتهم السلطة والنفوذ فباتوا خدماً لأجندات خارجية ووحوشاً ضارية تفتك بالمجتمع العربي وتمزق نسيجه وتنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين وتفسد وتنهب بفجور لا مثيل له في التاريخ، فهذا صحيح أيضاً، وإن قلتم إنه نتيجة عجز أبناء الأمة المخلصين، فهذا صحيح كذلك.
ما يعنينا، هنا، هو معالجة هذا العجز، هو الانتقال، من هذه السلبية التي تضع الكتلة الكبيرة من جماهير الأمة في موقع الفرجة على ذبح الأمة، وتقطيع أوصالها، إلى حالة يتحمل كلٌ مسؤوليته.
وكان الأمل أن يكون «الناصريون» الذين ادّعوا أنهم الحامل لراية جمال عبد الناصر في الثورة، و«الأنصار» الذين ادعوا أنهم ختموا النظرية، وأنهم يملكون مفاتيح التنظيم القومي، أن يكونوا معاً، أو أن يفرزوا من بين صفوفهم نواة صلبة تتمثل الغائية النـبيلة للرمزين النبيلين، تتجاوز التفاصيل ومطبات الفشل والإحباط، وتهجر الأساليب والأدوات الفاشلة، وتبني مؤسسات الثورة والعمران والتطور في سياق المنهج والنظرية... لكن، للأسف الشديد، تحولت تلك الجماعات والشلل من حل إلى مشكلة ...، تحولوا من مشروع مؤسسة أو مؤسسات تحمل هوية أمة وبرنامج تحريرها وحريتها وتطورها، إلى الفردية والشخصانية المنتفخة بالأورام الخبيثة، التي أنتجتها عقود من التخلف الاجتماعي، وقرون من الفتن الداخلية، والهيمنة الخارجية.
منذ عقد من الزمان اعترفت بالفشل والعجز ... لكن الحلم لم يغادرني، فألقيته على كاهل جيل عربي قادم لا يحمل الأمراض والرضوض النفسية التي تعرض لها جيلنا، وقلت يومها بالحرف الواحد: «التاريخ؟ الأبطال؟ متى؟ لا أعرف متى؟ لا أعرف الأسماء، لا أعرف من أين سينطلقون؟ لكنني أعرف أنهم قادمـون، قادمون حتماً، إن الإنسان هو الذي يصنع التاريخ، والإنسان العربي على موعد مع التاريخ، وتغيير واقعه إيجاباً، فقد آن لهذه المحنــة أن تمضــي، ونحــن، الآن، في مرحلة حاسمة، تراكمت فيها إرهاصات الثورة العربية القومية، التقدمية، بالمعنى الشامل اجتماعياً، وسياسياَ، واقتصادياً، وعلى صعيد الحقوق الأساسية للإنسان العربي، وحقه في التعبير، والمشاركة الديموقراطية في القرار فالاستبداد والديكتاتورية والتفرّد والطغيان وعصابات الفساد والإفساد وأجهزة القمع والتعذيب والطغيان. ذلك كله لا يؤدي إلا إلى الانحطاط، وتدمير النسيج الاجتماعي، وفتح الأبواب للغزاة. إن للنهوض أساليبه، وأدواته المتمـثلة أولاً وثانياً وأخيراً بالإنسان الحر، العارف، الواعي. فالمعرفة شرط الحرية، والحرية شرط الإرادة الواعية، والإرادة الواعية شرط القرار الصحيح، والقرار الصحيح شرط التقدم على طريق النهوض والتنوير والتحرير، فلتتخلص جماهير الجيل العربي الجديد، من الأساليب، والأدوات التي تؤدي إلى تفاقم المشكلات في الوطن العربي».
كان ذلك هروباً إلى الأمام، أو إقراراً بالعجز، إلى أن بدأت إرهاصات الربيع العربي على يد جيل عربي لم يعد يطيق الخنوع والشكوى والثرثرة، لكنه في الوقت ذاته مجرد من الخبرة السياسية ومن المؤسسات السياسية التي تضبط الحركة، وبالتالي فهو قادرعلى إبداع وسائل لإنجاز مهمة آنية، لكنه سرعان ما يرتبك أمام الخطوة التالية، وهذا ما يفسح المجال لقوى أخرى كي تحصد النتائج، أو كما يقولون: «تسرق الثورة». وهنا تبرز أهمية تدخل القوى السياسية الحاملة لمشروع الثورة كي تلتحم بالثوار وتضع خبراتها في الميدان، هكذا توقعت أن «الناصريين» و«الأنصار» سيستعيدون ثقتهم بأنفسهم، ويتواصلون مع جيل شاب طالما اتهموه بشتى التهم، ها هو هذا الجيل الشاب يفتح لهم ثغرة في جدار مسدود طالما كانوا يشيعون استحالة اختراقه، وها هو هذا الجيل الشاب يجتاز حاجز الخوف، ويهزم أجهزة كانت تثير الرعب في النفوس، ها هو هذا الجيل الشاب يطلق ألسنة طال صمتها، ها هو هذا الجيل الجديد الذي لم يكن يثير اهتمام أحد، بل كان مجالاً للتندر بأنه جيل الموضة والصرعات يُسقط لكم الطغاة، ويطلق ألسنتكم، ويقدم لكم واقعاً جديداً.
لم يعد لكم عذر أيها المناضلون، من أن الأجهزة الأمنية تتربص بكم وتحصي أنفاسكم وتخترقكم بالمخبرين وتمنعكم من تنفيذ مشاريعكم في التحرر والحرية والتقدم. لقد سقط الطغاة. لكن لا حياة لمن تنادي. لقد انطلقت ألسنة البعض، لكن ليس لتحقيق الحلم العربي، ولكن للتهجم والتشكيك بالربيع العربي الذي حررهم وأطلق ألسنتهم، فهو: «مؤامرة تنفذها الإمبريالية والصهيونية والرجعية» مؤامرة على من؟ وهل كنا قبل الربيع العربي في حالة ثورة ونهوض وتحرر؟ أم أن المؤامرة هي التي كانت تحكمنا من المحيط إلى الخليج؟ هل كان هناك نظام حكم واحد في الوطن العربي لا يستجدي تنفيذ «مبادرة السلام العربية» مع الصهاينة؟ هل اطلعتم على مضمون تلك المبادرة التي تتجاوز في خطورتها اتفاقية «كامب ديفيد» بعشرات المرات، لأنها ستفتح الوطن العربي من المحيط إلى الخليج أمام النفوذ الصهيوني؟ هل كان هناك نظام حكم عربي واحد لا يمارس الفساد والطغيان والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان العربي والنهب؟ هل كان هناك نظام عربي واحد هدد مصالح دول الهيمنة؟ وإذا كان هذا هو واقع الأمر في الوطن العربي قبل الربيع العربي، فهل هناك من مؤامرة على الأمة أكثر مما كنا فيه؟ نعم لم تتوقف المؤامرة على الأمة بعد الربيع العربي، بل ستطوّر من أساليبها وتستغل الثغرات، خاصة الفراغ الذي خلّفهّ غياب قوى التحرر والنهوض عن ميادين التحرير، وبالتالي فإن هذا الغياب هو المؤامرة، أو أنه على الأقل يفسح المجال للمؤامرة كي تمر لكن ليس على الأنظمة وإنما على الربيع العربي ...لإجهاضه وإعادة الحال إلى ما كانت عليه، وإن كان بصيغ جديدة.
عذراً جمال عبد الناصر، لقد توقعت أن غيابك العام 1970 سيكون ميلاداً موضوعياً لمشروعك الاستراتيجي، مطهراً من المنافقين والأفاقين حيث لا أنور السادات ولا حسني مبارك ولا الكثير ممن كانوا حولك، لكن هذا لم يتحقق ربما لقصور فينا.
عذراً جمال عبد الناصر، عذراً عصمت سيف الدولة، إنني أبحث عن «الناصريين» و«الأنصار» في عيون الصبايا والشباب الذين يحتشدون في ميادين التحرير العربية يتحدّون الطغاة في قمة السلطات، وطواغيت التخلف في قاع المجتمع ... يهتفون للحرية والتحرير والديموقراطية، وهم لا يعرفون شيئاً عن «الناصرية»، ولا عن «الأنصار»... لكن من بين صفوفهم سُيفرز «ناصريون» حقاً، و«أنصار» حقاً، يُحيون ميلاد مشروع نهوض وتحرر وتقدم، كان ميلاده الأداة الاستراتيجية لكل من جمال عبد الناصر وعصمت سيف الدولة... لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للأمة...
أما ناصريوك التقليديون يا جمال عبد الناصر، وأما أنصارك الذين عاصروك يا عصمت سيف الدولة ... «فمنه العوض وعليه العوض».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق