بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 1 يونيو 2014

أبعاد الإختراق الإقتصادي المغربي لأفريقيا - سمير صبح

منذ عام 2008، وضع الملك محمد السادس القارة الأفريقية في طليعة الأولويات الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية لبلاده. وترجم هذا التوجه عبر الانفتاح التدريجي والمستمر نحو كثير من بلدان هذه القارة التي يعتبر المغرب جزءاً لا يتجزأ منها. وبناءً على ذلك تتالت زيارات الوفود الرسمية الحكومية، وكذلك مسؤولي الشركات الكبرى بما
فيها المصارف المغربية، وجرى توقيع عدد كبير من الاتفاقات، من بينها شراء حصص في شركات طيران افريقية وفتح فروع لمصارفها على غرار «البنك المغربي للتجارة الخارجية»، ناهيك عن تنفيذ برامج تدريب وتأهيل الكوادر في المؤسسات العامة في الدول الافريقية التي تتمتع بعلاقات مميزة وتاريخية مع المغرب منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

بغض النظر عن أن العاهل المغربي محمد السادس قام بزيارات عدة لجيرانه الأفارقة منذ اعتلائه العرش عام 1999، إلا أن جولته الأخيرة، التي استمرت ثلاثة أسابيع لأفريقيا الغربية من 18 شباط (فبراير) إلى الثامن من آذار (مارس)، كان لها طابع خاص. أولاً لناحية المدة الاستثنائية التي استغرقتها والتي تشكل بحد ذاتها أهمية لمدى الالتزام. وثانياً، كونها تسلط الضوء على الاستراتيجية المغربية الجديدة الهادفة، عبر الديبلوماسية النشطة، إلى تعزيز نفوذ المملكة اقتصادياً وجيوسياسياً في القارة، إضافة إلى ترسيخ العلاقات الدينية وعلى مستوى الحكومة.
وإذا كانت أوروبا تعتبر المغرب خامس قوة اقتصادية في افريقيا والتي تبدو بلداً متواضعاً نسبياً يصل ناتجه القومي الاجمالي الى 105 بلايين دولار فقط (عام 2013)، في حين أن جارته الجزائر يبلغ ناتجها 240 بليون دولار، لكن المغرب يسجل سنوياً اختراقاً ملموساً على كل الصعد في الدول الإفريقية. ولقد لعبت عوامل عدة دوراً إيجابياً في هذا التقدم مثل قدرة المغرب على اصلاح بنياته، تحسين إدارته ومناخ الأعمال، والنجاح في إعطاء الثقة للمستثمرين، وانجاز بنيات تحتية ذات مستوى، والقبول بإصلاحات اجتماعية ترافقت بشكلٍ واسع مع التوافق الكافي للحفاظ على السلم الاجتماعي والاستقرار الأمني.
ومن أبرز المؤشرات الى نجاح التوجه المغربي للقارة الافريقية، خصوصاً الزيارة الأخيرة للملك محمد السادس لمالي وغينيا والغابون وساحل العاج، هو توقيع نحو ثمانين اتفاقاً خلال ثلاثة أسابيع. فأكثر ما فاجأ بعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي تصريحات لعدد من الرؤساء والوزراء الأفارقة، اعتبرت أن المغرب بات يشكل قوة اقليمية افريقية كبيرة. فالخبرات التي يملكها المغرب، إضافة إلى المعرفة التي راكمها هذا البلد منذ سنوات، نتيجة تعاونه مع الدول الغربية الأوروبية والولايات المتحدة، وبالدعم الكبير من دول الخليج العربي في طليعتها المملكة العربية السعودية وإمارة أبو ظبي، عززت موقع الرباط، وبالتالي لعبت دوراً في التوصل إلى توقيع هذه الاتفاقات بالعشرات خلال جولة العاهل المغربي. وكان للخطاب الذي ألقاه في افتتاح «الملتقى الاقتصادي» في أبيدجان، الذي اعتبر فيه أن الصدقية تحتم أن تفيد ثروات قارتنا، بالدرجة الأولى، الشعوب الإفريقية. فذلك يفترض، بحسب قوله، أن تكون علاقات الجنوب - جنوب في قلب الشراكات الاقتصادية لدى الأفارقة. وإن كانت التجارة الخارجية مع افريقيا لا تتجاوز 2.5 في المئة إلا أن 85 في المئة من الاستثمارات الخارجية المغربية تتركز على القارة الافريقية حالياً، حيث يأتي المغرب في المرتبة الثانية بعد دولة جنوب افريقيا.
وما يجب التذكير به تفصيلياً أكثر للتأكيد على أهمية الاختراق الاقتصادي المغربي في افريقيا، توقيع 26 اتفاقاً للشراكة بين القطاعين العام والخاص مع ساحل العاج والاستثمار الذي يغطي كثيراً من القطاعات المنتجة. فعلى سبيل المثال، تم توقيع اتفاقات تقضي بالترويج والحماية المتبادلة للاستثمارات، كذلك التعاون في المجال المصرفي والضمانات المصرفية للشركات الصغيرة والمتوسطة، والصيد البحري، والسياحة، والصادرات، وبناء المساكن الشعبية، وانتاج الأدوية والتعليم العالي، وانشاء المناطق الصناعية. والتزام المغرب من جهةٍ أخرى، عبر توقيع معاهدتين تنصان على تقديم تمويلات بقيمة 50 بليون دولار خلال السنوات المقبلة لكل الدول التي زارها الملك محمد السادس بأشكال مختلفة.
وفي الغابــون، وقـــع المغرب 24 اتفاقاً حكومياً تشمل قطاعات من بينها الزراعة والصحة والإسكان والتأهيل المهني والقطاع المصرفي والمالي، والمناجم وتقنية المعلومات والنقل والسياحة. ولم يغب التعاون لتأمين الأمن الغذائي عن المفاوضات للتوصل إلى اتفاق شراكة استراتيجية في هذا المجال. وفي مالي تم التوقيع على 17 اتفاق تعاون، في غينيا كوناكري 20 معاهدة واتفاقاً تتعلق بقطاعات الموارد المائية والطاقة والمناجم، والسياحة والصيد البحري والتربية والتعليم.
وفي إطار تعزيز وضع المسلمين في القارة، أعلن الملك محمد السادس عن بدء أشغال التجديد في مسجد الملك فيصل، بكلفة بلغت 400 ألف يورو. وفي باماكو، حيث كان برفقة الرئيس المالي ابراهيم بوبكركيتا، وضع العاهل المغربي الحجر الأساس لبناء مستشفى للأطفال. كذلك في ساحل العاج لمشروع سكن أكوابا، إضافة الى الإعلان عن برنامج لبناء عشرة آلاف مسكن اجتماعي تنفذه المجموعة المغربية «أليانس».
وفي التوجهات المستقبلية باتجاه القارة الافريقية والتوسع المخطط له، تفيد معلومات واردة من الرباط أخيراً بأن الشركات والمؤسسات المغربية الكبرى تسعى إلى الحصول على شراكات في مجال النفط والغاز في الكونغو، وتهتم أيضاً بشراء حصص في مجموعات الاتصالات في موزمبيق، وكذلك الاستحواذ على تراخيص لانشاء فروع معرفية لتوسيع شبكاتها في القارة. وتفيد هذه المعلومات بأن المغرب ينتظر انتهاء الانتخابات والقوانين الجديدة في غينيا بيساو، كونه مهتماً بالاستثمارات في مجال الصيد البحري والغاز والنفط والفوسفات والبوكسيت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق