بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 1 يوليو 2013

حوارات حول مستقبل مصر -ديفيد بولوك

"فيما يلي نص المقابلة التي أجرتها مراسلة بوابة "الوفد" الألكترونية هند سليم مع الدكتور ديفيد بولوك حول انعدام الأمن في سيناء والفتنة الطائفية والخلافات المتعلقة بالتنمية في السويس وغيرها من القضايا التي تجري مناقشتها حالياً في مصر."

هل يمكن لـ «الإخوان المسلمين» أن يقيموا دولة الخلافة في مصر في ظل حالة السخط الشعبي التي تشهدها البلاد؟
أنا لا اعتقد بإمكانية أو ضرورة إقامة دولة الخلافة في مصر، حتى إن كان هذا هو ما قد تقترحه التفسيرات الأكثر تشدداً لأيديولوجية «الإخوان»،  فالخلافة عادة ما تعتمد على وجود درجة من الوحدة أو على الأقل شرعية مشتركة بين الدول والمجتمعات ذات الغالبية المسلمة. ومن المستبعد تحقيق ذلك، اليوم أو في المستقبل المنظور. كما أن حالة الاستياء الشعبي المتزايد تجاه حكم «الإخوان» تمثل عقبة حاسمة أمام إنشاء دولة الخلافة. وكما يبدو لي فإن الاستياء لا يهدد بإسقاط نظام الإخوان قريباً، لكنه يشكل ضغوطاً عليهم للتحرك تدريجياً، ليعلنوا على الأقل تأييدهم لمعايير ديمقراطية حقيقية بدلاً من معايير الحكم الديني الخالصة. واعتقد أن سجل الإخوان في السلطة حتى الآن يثبت أنهم ليسوا ديمقراطيين حقاً، باسثناء الأمور المصطنعة التي تقبل حكم الأغلبية طالما يمكنهم ادعاء أنهم أغلبية، فهم يحاولون التوصل إلى سيطرة حصرية على المؤسسات الرئيسية في الدولة والمجتمع. وفي الوقت نفسه، هم لا يتحركون فعلياً للحكم من خلال الشريعة، وهم يعلنون بأن البلاد ستشهد انتخابات حرة جديدة في المستقبل. وهذا يشير إلى أنه حتى «الإخوان» أنفسهم يدركون أنه من غير المحتمل إقامة دولة خلافة حقيقية في مصر.
تسرب مستند حول اتفاقية بين الحكومة التي تقودها «الإخوان» وقطر تسمح للدوحة بإنشاء منطقة صناعية في السويس والاستثمار بقوة في مشروع القناة. كذلك علاقات قطر قوية مع «الإخوان» في العالم العربي، فعلى سبيل المثال، قطر دعمت«الإخوان» خلال الانتخابات في مصر وتونس . كيف تتوقع دور قطر في تشكيل العالم العربي، هل ستقود العالم العربي؟
قطر أصبحت مصدر تمويل مهم للحكومة الجديدة في مصر منذ ثورة 25 كانون الثاني/يناير قبل أكثر من عامين. وبدون المنح والقروض وودائع البنوك والمدفوعات السرية تحت الطاولة والتعهدات الحالية بشحنات الغاز الطبيعي، كان «الإخوان» ومصر سيواجهون أزمة اقتصادية طاحنة.  ومن الغريب والمثير للسخرية أن يكون لملكية بعيدة لا يتجاوزعدد سكانها ربع مليون نسمة هذا النفوذ على مصر التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، وهو الأمر الذي جعلها أكبر دولة عربية، ويفترض أنها دولة ديمقراطية حديثة.
ولكن قطر لا يمكن أبداً أن تكون قائد حقيقي للعرب. فهي مجرد دولة صغيرة جداً وغير ديمقراطية على الإطلاق وضعيفة للغاية رغم ثروتها الضخمة. ولديها الكثير من المنافسين، وهم كل دولة عربية بدءاً من السعودية المجاورة لها، التي من الطبيعي أن تشعر بالغيرة على سيادتها.
ويعد تدخل قطر بالوكالة في سوريا -- والذي أصبح غير مؤثر -- مثالاً جيداً على قدراتها المحدودة، وحتى قناة الجزيرة الفضائية فقدت جمهورها وتأثيرها لصالح وسائل الإعلام المحلية!
الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قال"العرب جربوا قيادة مصر للمنطقة على مدى 50 عاماً، لذلك عليهم أن يجربوا قيادة إسرائيل". فهل تقود إسرائيل الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة في ضوء التحديات التي تواجه مصر؟
يجب أن أقول أنني اعتقد أن هذا التصريح غير دقيق. ربما بيريز كان يتحدث عن الديمقراطية وليس عن إسرائيل باعتبارها نموذج للمستقبل في الشرق الأوسط. فإسرائيل لديها ديمقراطية والكثير من الإشادات التي تضاف إلى رصيدها، فهي إحدى القوى المهمة في المنطقة، ومستعدة للتعاون مع الآخرين لإيجاد مصالح مشتركة. ولكن من المستحيل أن يكون بإمكانها قيادة الشرق الأوسط بأكمله وحدها. فإسرائيل صغيرة للغاية، ومختلفة جداً وتركز بشكل أكبر على وضعها الخاص الذي يشمل المشكلة الفلسطينية العنيدة، من أن تفكر على قيادة المنطقة.
كانت لدي فرصة لأن التقي شخصياً مع شمعون بيريز مؤخراً، ويمكنني أن أقول أنه يأمل إلى قيادة أمريكية للمنطقة أكثر من تطلعه لقيادة إسرائيلية. وبالفعل فإن ادعاء مصر للقيادة الإقليمية أصبح موضعاً للكثير من الجدل، نظراً للتحديات الداخلية الجديدة الصعبة. ولكن إن تمكن المصريون من التركيز لفترة قصيرة على الديمقراطية والتنمية الاقتصادية ولاحقاً على دبلوماسية البناء، فسيكون لديهم فرصة مقبولة لاستئناف دورهم كقادة حقيقيين للمنطقة على الأقل خلال المستقبل متوسط الأجل. وأنا شخصياً أتطلع لأن أرى ذلك يحدث ولكن يظل الخيار بيد مصر.
بعض المحللين يعتقدون أن الأحداث في مصر ستؤدي إلى إنجاز مشروع الشرق الأوسط الكبير..فما رأيك؟
إن كنت تقصدين نوع من الخطة الأمريكية للمنطقة التي دار حديث  مختصر بشأنها خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش والمعروفة باسم مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، فإنني أصر على أنه لا يوجد شيء مثله مناسب اليوم بأي حال من الأحوال، فـ "الربيع العربي" في مصر على الأقل يعني حقيقة أن الشعب أخذ مصيره بيده. وعلاوة على ذلك، اعتقد أن ذلك سيستمر بصورة أكبر. فالولايات المتحدة حالياً ليس لديها الرغبة أو الوسائل للتأثير على مصر، وتركت المنطقة وحدها لما تريده. وأي فكرة مخالفة تدفعني للتفكير باعتبارها مجرد نظرية مؤامرة أخرى لا أساس لها، ويوجد الكثير من هذه النظريات حول مشروع الشرق الأوسط، وتقريباً جميعها خاطيء.  
تقول بعض التقارير أن مرسي يعتزم إعطاء شبه جزيرة سيناء إلى الفلسطينيين خاصة أنه سمح لهم بزيارة سيناء دون الحصول على تأشيرة دخول، بالإضافة إلى أن الحكومة فقدت سيطرتها على سيناء، فكيف تتوقع مستقبل سيناء؟
لا اعتقد أن مرسي يريد أو يخطط للتخلي عن السيطرة على سيناء لمنحها للفلسطينيين، بل على العكس، اعتقد أنه يعمل مع الجيش لإعادة فرض سيطرة أكبر، وتجنب استفزازات ضد إسرائيل، وبوجه عام، فإن نظام «الإخوان» يتبنى منهجاً واقعياً نسبياً. ولا اعتقد أن مرسي يريد التورط في صراع كبير آخر بين «حماس» وإسرائيل أو التنازل عن سيناء كلية للمهربين والمسلحين. فالنتائج في هذه الحالة ستكون خطورتها على مصر أكبر من إسرائيل أو أي طرف آخر. واعتقد أن إسرائيل أظهرت بعض المرونة والصبر من خلال تشجيع مصر على حراسة المناطق الحدودية بصورة أكثر فعالية. ويمكن لمصر أن تفعل أكثر للسيطرة على سيناء وتسيير دوريات فيها وتطويرها  بصورة مسؤولة، وتبدو أوجه العجز في إدارة سيناء بالنسبة لي بأنها مسألة قدرة وكفاءة وضغوط الأولويات الداخلية بصورة أكبر من الرغبة في دعم الفلسطينيين أو نوايا عدائية تجاه إسرائيل.
يدور جدل حول مشروع تطوير قناة السويس، معظم الخبراء المصريين يقولون أن المشروع سيؤدي إلى احتلال المنطقة بينما تقول حكومة مرسي أن المشروع سيزيد من عائدات القناة ويخفف الأزمة الاقتصادية. كيف ترى المشروع؟
أرى أن أحد القضايا الرئيسية مؤخراً هي حالة الغضب القوية في القاهرة ومدن القناة، والتي أدت إلى قيام مظاهرات ضخمة متتالية، وفقدان عام للأمن. ونتيجة لذلك، فإن جزء كبير من هذه المنطقة يخضع لنوع قريب من الحكم العسكري، وافترض أن الكثير من المواطنين أيضاً يرون مشروع القناة باعتباره سيجلب منافع لعائدات الحكومة المركزية، بدلاً من التوظيف المحلي ومستوى المعيشة وجودة الحياة. والقناة أصبحت أكثر مركزية لاحتياجات الحكومة من العملة الأجنبية، ولوضع مصر الاستراتجي، في ظل ركود السياحة والاستثمار، بينما الاستقرار السياسي لا يزال موضع شك. وكل ذلك يعقد الموقف أكثر، ويضع أي مشروع تحت دائرة الاشتباه.
هناك تصاعد في العنف الطائفي في مصر وبعض المشاكل في النوبة في الجنوب، وهناك مخاوف من تقسيم مصر بين المسلمين والأقباط أو انفصال النوبة، كيف تتوقع المستقبل؟
التوترات بين الأقباط والمسلمين مشكلة رئيسية في مصر حقاً، وتصاعدت في ظل حكم مرسي أكثر من ذي قبل. ولسوء الحظ اعتقد أن ذلك نتيجة إضافية حتمية لوصول حكومة إسلامية أصولية للسلطة، ومرسي جعل المشكلة أصعب بإظهار حساسية أو دعم قليل للغاية لحصول المصريين على حقوق متساوية. والانشقاقات والأوضاع الاجتماعية تفاقم المشكلة، ولكن يجب أن تكون المسؤولية الأولى للحكومة هي حماية جميع شعبها.
ولا أرى أي علامة على تقسيم مصر إلى جيوب طائفية.  والأقباط ببساطة مختلطين مع المصريين الآخرين بصورة كبيرة وعددهم كبير، ومتكاملين مع المجتمع والاقتصاد المصريين، وحتى الآن، حكومة مصر وقوات الأمن قويان ومصممان على منع تقسيم البلاد.
وفيما يتعلق بالنوبة في الجنوب، أرى أنهم قليلون للغاية وغير منظمين ليشكلوا تهديداً بالانفصال أو شيء ما كهذا، رغم تصاعد استيائهم تجاه النظام الجديد وانتشار مناخ من عدم الاستقرار والاحتجاجات الشعبية.  التهديد العاجل لمصر من الجنوب قد يكون استخدام مياه النيل وليس الصراع العرقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق