تؤرّخ قمة غورباتشوف- ريغان في عام 1987 التي انتهت بتنازل سوفييتي
أدى إلى القبول بتفكيك الصواريخ المتوسطة السوفييتية من أوروبا دون أن يترافق ذلك
التفكيك مع تخل للأميركان عن مشروع حرب النجوم وهو ما نجم عنه انفراد أميركي
بالسيطرة العالمية لم
يتح للغرب تحقيقه منذ معركة اكيتوم (71 ق.م)، كانت تلك القمة
تعني انهيار نظام القطبية الثنائي الذي ساد بين عامي 1947-1990 وقيام نظام القطبية
الأوحد بزعامة أميركية مطلقة.
في حين كانت الحرب الروسية- الجورجية
آب 2008 تعطي مؤشراً إلى حالة نهوض روسي من حالة الضعف التي كانت تعتري كيان
الاتحاد والذي لم يكن قد تعافى بعد من جرح السقوط السوفييتي الحديث العهد
(بالمقياس التاريخي) آنذاك.
كانت تلك الحرب نهاية لمرحلة وليس
بداية لها، فالبدايات التي كانت متعثرة كانت تعود إلى النصف الثاني من العقد
الأخير للقرن المنصرم الذي شهد ولادة منظمة شنغهاي في عام 1996 والتي لم تأخذ
شكلها الفاعل إلا في عام 2001 الذي توج فيه الروس تقاربهم مع الصين بتوقيع معاهدة
الصداقة والتعاون في 15 حزيران 2001.
كانت الاسقاطات العملية التي حققتها
الاتفاقية السابقة على الأرض قد أغرت أقطاباً أخرى هاربة من النشاز الأميركي
للانضمام وخلق أطر أخرى أكثر فاعلية تتسع للقادمين الجدد وهو ما ظهر في مجموعة
بريكس (16 حزيران 2009) التي شكل نشوءها إرهاصاً بنشوء تكتل دولي جديد سيقارع
واشنطن في الساحة العالمية.
أطلقت مجموعة البريكس في بيانها
التأسيسي دعوة إلى قيام «عالم متعدد الأقطاب» في رسالة واضحة المرامي للغرب
(ولواشنطن) ولا يمكن لأي منهما أن يخطئ قراءتها.
ما بعد الحرب الروسية- الجورجية 8 آب
2008 التي لم يكن يفصلها عن بدء الأزمة المالية
- الاقتصادية في سوق نيويورك بأميركا
سوى خمسة أسابيع فقط تتالت مؤشرات النهوض الروسي بدءاً من استعادة النفوذ في
الجمهوريات السوفييتية السابقة الذي ظهر في النجاح بتغيير الأطقم الحاكمة في
أوكرانيا 2009 وقيرغيزيا 2010 وكلا الأمرين كان له انعكاساته في ابتعادات نسبية
لكل من تركمنستان وأذربيجان عن الغرب (وعن أنقرة أيضاً) لمصلحة موسكو ما بين
العامين 2010-2011.
عندما اقترن هذا النهوض الروسي الوليد
مع الصين التي كانت بعيدة عن الهزات التي عمت بلدان المعسكر الاشتراكي كما كان
يطلق عليها استطاع المحور الناجم عن ذلك الاقتران تشكيل حائط عرقلة كبير بوجه
واشنطن كانت له بصمات واضحة بإفشال أي خطوة كانت هذه الأخيرة (واشنطن) تحاول
الاستفراد بها على الساحة الدولية، ظهر ذلك في تداعيات الملف النووي الإيراني وفي
التعاطي مع الأزمة السورية التي اختيرت كما يبدو لأن تكون المنبر الذي سيعلن منه
النظام الدولي الجديد.
سبق أن توجه الرئيس الروسي إلى
اينكلين في إيرلندا الشمالية لحضور قمة الثماني الكبار في العالم لقاء صحفي موسع
أجراه مع تجمع يضم مختلف القيادات الإعلامية في الاتحاد الروسي 10/6/2013 وقد جاء
على لسان بوتين في ذلك اللقاء أهم تصريح له (ربما أي زعيم عالمي آخر) منذ مطلع عام
2011
قال بوتين في معرض تشخيصه لتفاعل
الأزمات في المنطقة: «إن تصدير الديمقراطيات الغربية إلى الشرق الأوسط سبب أساسي
لكل هذه الفوضى القائمة فيه».
في هذا التفكير الروسي (ودائماً الصين
أيضاً) هناك استعادة للنتائج التي نجمت عن الانسحاب السوفييتي من أفغانستان 1989
والذي أدى في نهايته إلى تفكك المنظومة السوفييتية التي كانت قائمة في أوروبا
الشرقية، تلاها بزمن قصير في نهاية العام 1991 تفكك الاتحاد السوفييتي نفسه.
هناك خشية تكمن في عمق التفكير الروسي
بأن يكون التوجه الغربي (والأميركي تحديداً) سائراً باتجاه تحويل (الشرق الأوسط
الكبير) الذي أعلنت عنه كوندليزا رايس بعد أيام قليلة من بدء حرب تموز 2006 إلى
امتداد سياسي لحلف الناتو يهدد المحيط الجغرافي الذي يشكل الحلقة الأقرب للاتحاد
الروسي، ذلك المحيط الذي يتقاطع في تركيبته (وفي بعض مكوناته) مع التركيبة الروسية،
بل يذهب التفكير الروسي إلى أبعد من ذلك بكثير حيث ترى موسكو أن اللعب الغربي (عبر
المكون الإسلامي) إنما يشكل مقدمة لبدء تفكيك الاتحاد الروسي نفسه (والصين أيضاً).
في اينكلين 18 حزيران 2013 كان
المطلوب أن تكون موسكو بوزن يعادل (إن لم يرجح) على العواصم الغربية السبع الأخرى
التي جاءت لمنازلة كبرى ومصيرية ستكون هي الأهم في المسار الذي ستأخذه الأزمات
التي يفيض بها العالم بأسره.
اجتمعت للرئيس بوتين من الأسباب ما لم
يجتمع لزعيم آخر من بين الثمانية المجتمعين في اينكلين والتي كانت كافية لأن يكون
في الموقف الذي كان فيه، هو الذي عاصر الأزمة الشيشانية ولم تزل آثارها ماثلة في
رؤياها السياسية، يضاف إلى ذلك الكاريزما الشخصية لرجل لم يأمن جانب أحد في صعوده
نحو السلطة بحكم مجيئة من الجهاز الأكثر سرية –والأكثر حذراً من بين أجهزة
المخابرات في العالم، وجميع ما سبق كان يبرز في بيئة هي الأصعب بين البيئات التي
قطنها الإنسان وبقدر ما تزداد علاقة الإنسان بالطبيعة صعوبة بقدر ما يرتفع الحذر
في الذات الجماعية للأمة ليعود ذلك الحذر ويظهر في بنيان أفرادها.
كانت المعركة في اينكلين أشبه بمعركة
لي الأذرع التي تناوب فيها السبعة الكبار على تبديل أياديهم لـ«لي» الذراع الروسية
التي بقيت صامدة على ما أظهره البيان الختامي للقمة الذي جاء في محتواه أقرب إلى
التصور الروسي في رؤياه منه إلى رؤيا الأطراف الباقية.
كان «إنذار» كاميرون يشير إلى أن
أمراً كبيراً يلعب دوراً مهماً في العلاقات الدولية هو «الهيبة» لم تعد
الدبلوماسية الأميركية توليه الاهتمام الذي يستحقه وهي (الدبلوماسية الأميركية)
على ما تشير إليه السلوكية في إيرلندا الشمالية لا يبدو أنها مدركة تماماً لعمق
وخلفية الموقف الروسي وإلا لما كانت المغامرة بإطلاق إنذار كاميرون قد قامت، ونقول
مغامرة لأن فرص نجاحها كانت تعادل في الميزان صفراً على حين أن فشلها كان سيؤدي
(وقد أدى) إلى انحسار في المجابهة الروسية والأميركية لمصلحة الأولى لطالما سعت
واشنطن مراراً إلى عدم الوصول إلى تلك النقطة على مدى عامين من النزاع السوري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق