شاء العزيز القدير وفي يوم 30 حزيران (يونيو) من عام 2013، أن تعود مصر إلى احتلال مكانها الطبيعي المعهود في قلوب غالبية أبناء العرب والمسلمين.
وكما قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز باسمه شخصياً وباسم الشعب السعودي في برقية التهنئة التي بعثها إلى المستشار (حينئذٍ) والرئيس الموقت (حالياً) عدلي منصور، «ولكنها الحكمة والتعقل التي حفظت لكل الأطراف حقها في العملية السياسية».
ومهما يمر على مصر من ظروف سياسية بما فيها الاحتلال الأجنبي أو استبداد حزب أو فرد، فإن إرثها الحضاري وموقعها الجغرافي في ملتقى القارات يحصّنان غالبية أبنائها ضد التطرف.
ومن المعروف، منذ ما يزيد على ألف عام، أن المصريين أكثر شعوب العالم تديناً، ولكنهم في الوقت ذاته أكثر شعوب العالم تسامحاً.
وفي نهاية المطاف وبعد أن تهدأ النفوس ويتأكد غالبية الناس من حفظ حقوق الجميع، فإن الذي يحدد درجة رضا الناس أو درجة سخطهم بعد استتباب الأمن، هو تطلعات الناس إلى مستقبلهم المعيشي. أما الشعارات ومهما كانت درجة جاذبيتها وأياً كان الكساء الذي اكتست به، فلا تسمن ولا تغني من جوع إذا لم ينجح من يرفعها في تحقيق فوائد اقتصادية ملموسة.
ويخطئ من يتوهم أن الذي أدى إلى نجاح حكم إسلامي في تركيا يعود إلى «فهلوة» سياسية، أو إلى الشعارات الإسلامية المحببة إلى النفوس التي لا تختلف معها غالبية الشعب التركي. فمن شبه المتفق عليه بين المتابعين من مسلمين وغير مسلمين أن نجاح حكم حزب تركي ذي صبغة إسلامية، يعود في الدرجة الأولى إلى نجاحه في رفع نسبة نمو اقتصاد تركيا وتناقص نسبة البطالة وتوفير فرص أكثر، وتطلع عامة الناس إلى مستوى معيشة أفضل لهم ولأبنائهم وأحفادهم.
والسؤال: كيف ستكون عليه حال مصر الاقتصادية في المستقبل؟
بدأ تدهور الاقتصاد المصري في أوائل الستينات الميلادية من القرن الماضي حينما استوردت مصر «الاشتراكية» التي أدى تطبيقها إلى إفقار الأغنياء من دون تحسين وضع الفقراء. كانت مصر تصدر الحبوب فصارت تستوردها بعد أن تم تقسيم الأراضي الزراعية إلى قطع صغيرة، ليس من المجدي استخدام الميكنة ووسائل الزراعة الحديثة الأخرى لرفع كفاءتها الإنتاجية.
كانت المنتجات الصناعية القليلة عالية الجودة. زاد الإنتاج الصناعي بصورة مصطنعة على الأسس نفسها المتبعة في الدول الاشتراكية فتدهورت الجودة.
ورافق تطبيق الاشتراكية إهمال لمحاور الإنتاج الأساسية من طرق برية وحديدية وموانئ بحرية وجوية وشبكات الكهرباء ومياه الشرب.
ثم أتى من حاول توظيف الدوافع الذاتية ليس لتحقيق زيادة الإنتاج القومي الكلي، وإنما اقتصر على زيادة الثروات الفردية مع إهمال كلي لمحاور الإنتاج العامة الأساسية.
ومع ذلك كله، فإن مستقبل مصر الاقتصادي يبقى واعداً، لأسباب سيأتي ذكرها، إذا استتب الأمن واحتوى النظام الذي سيحكم جميع الأطراف السياسية كما فعل مانديلا، الذي لم يمنعه ما تعرض له من سجن وذل، من أن يتسامح ويقول: جنوب أفريقيا للجميع من سكانها الأفارقة الأصليين ومن سكانها الوافدين من أوروبيين وآسيويين.
وأسباب إمكانية انتعاش الاقتصاد المصري في المستقبل كثيرة، يمكن إجمالها في ما يأتي:
1- وجود الآلاف من المفكرين والقانونيين والأطباء والمهندسين والعلماء والفنيين، جنباً إلى جنب مع وجود مئات المستثمرين من مصريين داخل مصر وخارجها ومن عرب وأجانب يبحثون عن فرص استثمار مواتية في بلد يحبونه. ووجود قطاع سياحي متمرس، ولمصر كما هو معروف جاذبية سياحية تتمناها البلدان الأخرى.
2- النظام القضائي في مصر نظام نزيه مميز إذا حمته الدولة من تدخلات الأحزاب السياسية، ووجود وضوح أنظمة وإجراءات التقاضي السليمة تحمي جميع الأطراف وتشجع على تدفق أموال المستثمرين.
3- ربما أنه يوجد في مصر أخبر الناس في أنظمة الري، وفي مصر مساحات واسعة من الأراضي يمكن زراعتها، ولكن لا بد من إصلاح البنية التحتية التي تحتاج إلى بلايين الجنيهات لإعدادها لنمو سكاني، ترافقه زيادة في الإنتاج الكلي حتى لا تتحول المرافق العامة إلى عنق الزجاجة الضيق الذي يخنق القدرة على الإنتاج والتصدير ويرفع تكاليف المستثمرين. ومن أين ستأتي هذه البلايين؟
قد يأتي الجزء الأكبر منها من الاقتراض من المؤسسات الدولية والعربية، فالاقتراض للإنفاق في إصلاح وسائل الإنتاج العامة استثمار مربح على المستوى العام على المدى الطويل.
وفي البضعة عشر شهراً المقبلة، فإن أهم الأخطار الاقتصادية البحتة هو تزايد التظاهرات الفئوية لزيادة دخول منسوبيها وقبل أن تتحقق زيادة إنتاجهم.
ويحسن بوسائل الإعلام المصرية أن توضح لعامة الناس وللنقابات العمالية على وجه الخصوص أنه لا بد من الصبر والتعاون حتى لا تنفر اضطراباتهم وتظاهراتهم المستثمرين فيؤذون أنفسهم قبل غيرهم من دون قصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق