
ويؤكد سلام أمام زواره أنه يرفض التشكيك بهذه الأفكار أو يسمح لنفسه بإطلاق رصاصة الرحمة عليها، خصوصاً أن الافتراض بأن صاحب هذه الأفكار ينطلق في طرحها للتداول من نيات مبيتة ليس في محله، لكن لا بد من جلاء بعض الجوانب فيها بغية توضيح الأمور لإعادة بناء جسر الثقة الذي يتيح له تكثيف مشاوراته في اتجاه الأطراف الآخرين.
وعلى رغم أن قيادياً بارزاً في 14 آذار يفضل التعامل معها بتحفظ وحذر خشية أن يؤدي فتح الباب أمام الرئيس المكلف للقيام بجولة جديدة من المشاورات إلى «ابتداع» المزيد من العقد، فإنه في المقابل يسأل هل أن الظروف السياسية باتت مواتية للإسراع في ولادة الحكومة العتيدة، وكيف يمكن «صرف» ما طرحه الرئيس بري في عملية التأليف؟
كما يسأل القيادي نفسه عن رد فعل «حزب الله» على إقرار بري بعدم وجود الثلث الضامن في الحكومة وهل يترك للرئيس المكلف أن يتدبر أمره مع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الذي لن يقبل تحت أي اعتبار أن يمثل بأقل من 5 وزراء في حكومة من 24 وزيراً؟ وبالتالي عودة المفاوضات إلى نقطة البداية في حال رفض الحزب أن يفك ارتباطه بحليفه «التيار الوطني الحر».
ويتابع أنه لأمر طبيعي أن يترك لكل طرف أن يفاوض وحده مع الرئيس المكلف، لكن عندما يرفض عون المشاركة في الحكومة، فهل ينسحب رفضه على «حزب الله»، خصوصاً في ضوء قول عضو تكتل التغيير النائب إبراهيم كنعان في أول رد فعل على الأفكار التي طرحها بري: «سنحصل على الثلث الضامن بالمفرق إذا ما تعذر علينا ضمانه بالجملة».
ويؤكد القيادي عينه أن بري يحسن التشاطر ويحاول من خلال حصر اختيار الوزراء الشيعة بـ «حزب الله» وحركة «أمل» أن يوحي بأن المشكلة في تأليف الحكومة لم تعد قائمة بين الشيعة والسنة وإنما في مكان آخر وعلى الرئيس المكلف أن يقلع شوكه بيده. ناهيك بأن في الأفكار التي طرحها بري أكثر من قطبة لا بد من معرفة كيف يمكن الوصول من خلالها إلى تفاهم، وأولها هل يعني قوله إسقاط الثلث الضامن أن لديه قراراً يتناغم فيه مع حليفه «حزب الله» ويقضي بأن يشارك التحالف الشيعي في حكومة يرفض عون المشاركة فيها احتجاجاً على أن حصة التمثيل الخاصة بتكتل التغيير ليست وازنة؟
ومع كل ذلك، فإن الرئيس المكلف قرر من اللحظة الأولى التعامل بواقعية مع أفكار بري ولا يريد أن يستبق الحكم عليها قبل أن يستكشف أبعادها ومفاعيلها في تأليف الحكومة، لا سيما أن بعض ما ورد في أفكاره لم يكن جديداً على سلام الذي سمع منه كلاماً في هذا الخصوص عندما التقيا على هامش مأدبة العشاء التي أقامها رئيس الجمهورية ميشال سليمان على شرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته لبنان.
وفي هذا السياق، ينقل عن بري قوله لسلام إنه لم يعد هناك من تحالف اسمه قوى 8 آذار «بعدما قررنا أن يتولى كل طرف التفاوض بنفسه، ونحن من جانبنا، أي أمل وحزب الله، نمثل بـ 5 وزراء في حكومة من 24 وزيراً وبـ 6 وزراء إذا كانت من 30 وزيراً».
لكن ما لم يقله بري لسلام في هذا اللقاء السريع، بادر إلى قوله أمام زواره ملمحاً إلى تفاهمه مع رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط «الذي ننسق معه في كل شاردة وواردة».
ويتابع أن «البلد أصبح مكشوفاً أمنياً ولم يعد من الجائز الوقوف بلا حراك أمام الأخطار التي تهددنا والتي يمكن أن تدفع به إلى حافة الهاوية، خصوصاً إذا لم نسارع إلى سد الفراغ في المؤسسة العسكرية بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ولرئيس الأركان اللواء وليد سلمان، وهناك حاجة ماسة إلى التمديد لضمان وجود مرجعية على رأس هذه المؤسسة».
ويؤكد بري كما نقل عنه زواره: «نحن وعون على اختلاف يتعلق بمعظم القضايا الداخلية في مقابل توافقنا على الأمور الاستراتيجية وعلى رأسها حماية المقاومة في لبنان وتوفير الغطاء السياسي لها، والموقف المؤيد للنظام في سورية ضد الحملات التي تستهدفه والتي بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة وهذا ما برز من خلال احتدام المواجهات العسكرية لمناوئي النظام في أكثر من منطقة».
ويضيف: «نحن أعطينا لعون أكثر من الذي أعطانا إياه، وهناك مساحة واسعة من الاختلاف معه، وربما هي أضيق بكثير بينه وبين «حزب الله»، وإنما هذا التباين قائم سواء بالنسبة إلى التمديد للبرلمان أم لقادة الأجهزة الأمنية وأولهم قهوجي».
ويقول بري: «كنا راعينا عون في كثير من الأمور وكدنا «نصطدم بالزجاج» عندما طحشنا في تأييدنا مشروع اللقاء الأرثوذكسي بخلاف قناعاتنا السياسية ومآخذنا الكثيرة عليه ووقعنا في اختلاف مع أطراف آخرين منهم جنبلاط الذي نحرص على تحالفنا معه ونتفهم مخاوفه وهواجسه المشروعة من مشروع انتخابي كهذا».
ويرى بري أن الاتفاق مع عون حول الأمور الاستراتيجية ثابت «ولا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يزحزحه، لكن لكل منا وجهة نظره في القضايا الداخلية التي ما زالت عالقة وأخذت تتراكم في الآونة الأخيرة وبالتالي لم يعد ممكناً بقاء البلد في فراغ بسبب هذا الاختلاف».
ويعتبر أيضاً أن التفاهم على القضايا الاستراتيجية هو في مأمن الآن، «ولا أظن أن هناك حاجة إلى الثلث الضامن، أما في حال تكون لدينا شعور بأن هناك من يود استهدافنا فلن نتردد في الطلب من الوزراء الشيعة الاستقالة من الحكومة وأظن أن هذه الاستقالة ستكون كفيلة بوضع علامة استفهام حول مصير الحكومة. لأن استقالتنا منها ستجعلها ناقصة وفاقدة للميثاقية فور استقالة الوزراء».
ويؤكد بري أنه ينصح سلام بضرورة إجراء جولة جديدة من المشاورات لأن السابقة كانت تدور حول تشكيل حكومة للإشراف على الانتخابات أما اليوم وبعد التمديد للبرلمان فلا بد من وجود حكومة سياسية.
وعليه ينتظر سلام ما سيحمله إليه الوزير خليل موفداً من بري، ولم يعرف ما إذا كان سينضم إليه المعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» حسين خليل ليبني على الشيء مقتضاه، على رغم أن مصادر في 8 آذار تعتقد بأن انفصال التحالف الشيعي عن عون لا يعني المضي قدماً فيه لتسريع إنجاز معاملات الطلاق السياسي أو التمهيد لقيام تحالفات سياسية من نوع آخر من شأنها أن تقلل من حدة الانقسام السياسي العمودي أو من الاصطفاف القائم حالياً بين جبهتين متناحرتين لا يروق لرئيس المجلس استمرارهما - بحسب ما نقل عنه زواره - وهو يراهن على تحالفه مع جنبلاط لعله يفتح الباب أمام إيجاد مخارج لتسهيل مهمة الرئيس المكلف ما زالت غير مرئية حتى الساعة.
إلا أن هناك من يستبعد إيفاد بري على وجه السرعة الوزير خليل للقاء سلام، باعتبار أنه أطلق مبادرته ويفضل التريث إلى حين صدور ردود الفعل عليها ليقرر في ضوئها الخطوة اللاحقة.
لكن هل يلقى طموح بري إلى خلق الظروف لإحداث صدمة تخرج البلد من الاصطفاف السياسي تجاوباً من حليفه «حزب الله» الذي يبدو أنه ليس في وارد التفريط بتحالفه الاستراتيجي مع عون في غياب البديل، و «الثمن» المعنوي الذي يؤمن له الغطاء طالما أنه في حرب سياسية مع قوى 14 آذار مفتوحة على الاحتمالات كافة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق