بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 4 يوليو 2013

اختزال الأوطان مستحيل -احمد الجمال -مصر


سيذكر التاريخ للمشير محمد حسين طنطاوي ليس فقط تخليه السلمي عن الحكم مثلما فعل من قبله‏,

في سابقة أولي المشير السوداني سوار الذهب, ولكن تسليمه الإخوان للشعب المصري!
فالذي حدث عقب يناير2011 كان الإخوان المسلمون في أوج غرور القوة, وهو غرور أعمي بصيرتهم عن تدبر السنن الكونية, وعن الإيمان بالغيب ودوره في حركة التاريخ, وهو الدور الذي يسميه بعض الفلاسفة والمؤرخين دور الصدفة. وكان الإخوان المسلمون
قد اعتقدوا اعتقادا جازما أن السلطة قد أصبحت ملك يمينهم, وأن عصمة الحكم وعصمة مصر كلها قد أصبحت في أيديهم بدون أي تفكير أن لكل عصمة أجلا.. إما الطلاق أو الموت! وكان الإخوان المسلمون قد اطمأنوا لغلبتهم, ففتحوا الأبواب للموالي في كل مجال, وبوجه خاص مجال الصحافة والإعلام, لأنهم باتوا يدركون أن خلق شبكة من أصحاب المصالح ومن المنتفعين, قد تكون بالفائدة نفسها لشبكات الأعضاء الأصليين, وقد شاهدنا بالفعل هؤلاء الموالي وهم ينفذون أكثر بكثير مما طلب ويطلب إليهم.. ولا أريد أن أذكر تفاصيل أكثر وأوسع حتي لا يبدو الأمر وكأنه تشف وشماتة!
وعندما أقول: إن المشير محمد حسين طنطاوي قد سلم الإخوان للشعب المصري فإنني أعني ما أقول, لأن مسيرة الإخوان منذ أن ساهم البريطانيون في تأسيس جماعتهم عام1928 وإلي اللحظة التي تولوا فيها الحكم, كانوا يعتمدون علي وسائل عديدة في علاقاتهم بالمجتمع وبالسلطة, وأهم هذه الوسائل هو قاعدة الانتصار بالرعب, بمعني تجسيد الوهم لدي الآخر المجتمعي والسلطوي أن الإخوان لديهم قدرات تفوق طاقة أي بشر, وأنهم قادرون علي التنظيم والتحريك والمواجهة والقتال, وعلي جميع الأصعدة الدينية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية بل والعسكرية أيضا, وظلوا في كر وفر مع السلطة منذ ثلاثينيات القرن العشرين, وحتي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين, ولم تستطع سلطة أن تستأصل وجودهم في الواقع السياسي المصري, بل ورغم قوة وقدرة جمال عبدالناصر, ورغم أنه نفي وجود الإخوان فعليا, ليس بالإجراءات الأمنية وحدها, وإنما بإنجازاته الهائلة في كل المجالات, وبمشروعه الوطني القومي التحرري الإنساني, إلا أنه لم يستطع أن يستأصل وجودهم في بعض الأوساط الشعبية والنخبوية, وظلوا في موقع المجني عليهم المظلومين, الذين لم يأخذوا فرصتهم, والذين يضطهدون لأنهم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله, ويسعون لتطبيق شرع الله وإعلاء كلمته!
لقد ترتب علي تسليم الحكم للإخوان أن تم تسليمهم هم بشحمهم ولحمهم ودمهم وأفكارهم وممارساتهم وأطماعهم وتركيبتهم الفريدة, التي تصلح حالة دراسة لأكثر من باحث إلي الشعب المصري ليعرفهم مباشرة, ويختبر بنفسه وجودهم وقدراتهم وتصوراتهم وبرامجهم ومسلكياتهم, وأن يصدر حكمه عليهم مباشرة وبغير وساطة ولا تأثير ولا تعبئة ولا خوف من سلطة معادية لهم.
ثم إن الحالة الإخوانية ـ وهي رمز لكل من ادعي لنفسه امتلاك تمثيل دين الله وشرعه دون بقية خلق الله ـ تمثل عندي وربما عند آخرين مجالا لتأكيد الفهم العلمي لحركة التاريخ.
حركة التاريخ هي علاقة الإنسان بالمكان والزمان, فالجغرافيا ـ كما يقولون ـ تاريخ ثابت, والتاريخ ـ كما يقولون أيضا ـ جغرافيا متحركة! وفي هذه العلاقة مسارات تتحول عند فلاسفة التاريخ إلي دروس وقوانين للحركة التاريخية!
ولست بالطبع من فلاسفة التاريخ, ولا من المؤرخين, ولكنني مازلت تلميذا تعلمت من أساتذة أجلاء, ومازلت أحاول التعلم, وربما أتجاوز قدري إذا قلت: إن أول درس مستفاد من حالة الإخوان المسلمين هو أن اختزال الأوطان في عقيدة أيا ما كانت دينية أو وضعية, وفي مجموعة أيا ما كانت حزبا أو تنظيما, هو أمر مستحيل, خاصة في مصر التي أهدت البشرية التوحيد والخلود.
الدرس الثاني: هو استحالة الربط بالتعسف بين المطلق الديني, والأديان لها سموها ومكانتها الرفيعة وبين النسبي الوضعي, الذي يتصل بحياة المجتمعات وتقلبات الأزمان.
الدرس الثالث: هو أن فترات التحول السياسي والاجتماعي والفكري في حياة المجتمع لا يمكن أن تحتمل احتكارا من أي طرف لمصائر الأوطان, لأن التحول مرتبط بحالات من السيولة الاجتماعية, التي لا تتيح وجود ملامح طبقية محددة للمجتمع, والمتاح عندئذ هو الجبهات الوطنية العريضة التي تتحدد من خلالها خطط المستقبل.
الدرس الرابع: هو أن المنظومة الأخلاقية للشعوب لا تنفصل عن بعضها البعض, فلا يمكن أن أكون صادقا أمينا ورعا في صلواتي ونسكي, وأن أكون كاذبا خائنا متلونا في حياتي اليومية, وأن معيار التقييم عند الناس هو التعامل اليومي في مفردات الحياة, ولذلك قيل وبحق إن الدين هو المعاملة, أما الدرس الأهم في نظري فهو صدق العبارة القائلة: لا تقل لي شيئا ولكن دعني أري.
ومرحبا بالإخوان في مقاعد المواطنين, الذين يصيبون ويخطئون ويمارسون العمل العام كبشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق