بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 4 يوليو 2013

هنا القاهرة - محمد الحربي -السعودية



مشهد مهيب، ذلك الذي رأيناه في شوارع مصر، وكان كذلك في اليوم الأول من نزول المظاهرات المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة والثائرة ضد حكم الإخوان المسلمين.كانت أمواج البشر تتدفق بعشرات الملايين تجوب العاصمة القاهرة، ليس في ميدان التحرير وحسب، بل في شارع الميرغني أمام قصر الاتحادية وفي كافة الشوارع المتفرعة من الميدان وغيرها، وفي مدن ومحافظات مصر كلها بلا استثناء، وبعد استثار هذه الملايين خطاب الرئيس محمد مرسي قبل الأخير، والذي حمل بين طياته الكثير من عبارات التهديد والوعيد والاتهامات التي لم ترق للمصريين الذين نزلوا إلى الشارع ليعبروا عن رفضهم لسياسات الرئيس الذي انتخبوه عبر الصناديق،
إلا أن عاما كاملا كان كافيا بالنسبة لهم ليقولوا له ولحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين كفى.
ولكن ما حدث بعد اليوم الأول من المظاهرات، أو بعد أن استشعر أنصار جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدي الرئيس، خطورة ما يحدث، وضخامة الحشود المضادة لهم، وقرارهم زيادة حشدهم في ميدان رابعة العدوية، ظهرت الكثير من العجائب والغرائب المضحكة المبكية في ميدان رابعة، وليس أول هذه الغرائبيات دعوة المهندس عاصم عبدالماجد القيادي في الجماعة الإسلامية، إلى الدفاع عن شرعية الرئيس مستخدما عبارات تحريضية على الجهاد والاستشهاد والموت في سبيل قضية سياسية لا علاقة لها بالدين، وجهاد ضد من؟! ليس جهادا ضد العدو الصهيوني، ولا ضد معتد على أرض مصر، يدعو لجهاد ضد مصريين من بني جلدته ولهم نفس ملامح سمرته وعروبته!! وهكذا كان يفعل غيره من مفتي الجماعة الذين كانوا يخطبون من ميدان رابعة ويظهرون على الفضائيات يحرضون أنصارهم على متظاهري الميادين الأخرى ويكفرونهم علنا ويتهمونهم بالنفاق ويحرضون على قتلهم!!.
وليست آخر غرائب ميدان رابعة ظهور أحد شيوخهم على الفضائيات وهو يخطب في المحتشدين بعلو صوته حالفا لهم أن جبريل عليه السلام صلى معهم ذلك اليوم في مسجد رابعة!!، والمصيبة أن المحتشدين كانوا يهللون ويكبرون احتفالا بذلك.. يعني صدقوه، وصدقوا أنه نزل عليه السلام لنصرتهم على إخوتهم!!
ما هذا؟! هل يمكن أن يبلغ الاستخفاف بالعقول إلى هذه الدرجة؟!
وهل يمكن أن تغيّب العقول إلى هذه الدرجة لتصدق هذا الهذيان؟!
ولم تقف الغرابة والمفارقات عند هذا الحد، فقبل خطاب الرئيس الأخير بأيام بدأت الداخلية المصرية تعلن في بيانات متتالية إلقاءها القبض على سيارات وأشخاص يحملون أسلحة ومتفجرات، ومداهمتها لمقرات تحوي مواد متفجرة لاستخدامها ضد الفريق الآخر!! متفجرات يجمعها مصريون لقتل مصريين من أجل ماذا؟!
وليس هذا أغرب ما في المشهد المصري خلال الأيام الماضية، فبعد الخطاب الأخير للرئيس البارحة الأولى، انفجر الوضع، وذهب ضحيته 27 مصريا من المتظاهرين ومن رجال الأمن الذين نزلوا الميادين لحماية الناس ومئات الجرحى والمصابين!!
ما الذي يفعله المصريون بأنفسهم من الطرفين؟!
ما الذي فعله الإخوان بشعب مصر؟!
كيف أصبح المصري يرى دم أخيه المصري رخيصا إلى هذه الدرجة، ويمكن له أن يهدره، ويقتل أخاه بدم بارد!! ومن أجل ماذا؟! من أجل دعم حزب ليحكم، أو الانتصار لتيار سياسي يريد أن يحكم!!
المصريون أعقل من ذلك بكثير، وكنا نراهم دائما منبعا للحكمة وللمعرفة وللثقافة وللتنوير، كيف يمكن لهم أن ينزلقوا هذا المنزلق الخطير؟!
كيف يسمحون لحفنة من الدجالين بأن يختطفوا عقولهم ويوهموهم بخرافات ما أنزل الله بها من سلطان؟! أو لسياسيين يحشدوهم لمصالح أحزاب؟!
كيف يسمحون لدعاة الإرهاب والقتل بأن يحرضوهم على قتل إخوتهم؟!
ما حدث في مصر لا يهز مصر لوحدها، ولا يؤثر على المنطقة العربية لوحدها، بل يمتد تأثيره إلى أبعد من ذلك بكثير.
مصر ليست بلدا عاديا؛ ليمر ما يحدث فيها من قتل للمتظاهرين، ومن تعثر اقتصادي، ومن توقف لمصالح الناس جراء ما يحدث، علينا مرور الكرام، ودون أن يترك أثرا مدويا.
ما يحدث في مصر، لا يتفاعل معه السياسيون وحدهم، ولا الاقتصاديون وحدهم، ولكن حتى عامة الناس؛ لأنهم يعرفون قيمة مصر، وكثير منهم تربطهم بالمصريين علاقات قربى وصداقات وذكريات.
والمتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي، سيعرف مدى تأثير ما يحصل في مصر على السعوديين مثلا من زوار هذه المواقع، وكأن لسان حالهم يقول: «هنا القاهرة»، تراهم يتحدثون باسمها وباسم شعبها، ويناقشون همومها ويتألمون لما يحدث فيها، وما يحدث في السعودية من تفاعل شعبي مع مصر وأهلها، أنا على ثقة أنه يحدث في بلدان عربية كثيرة، فهذه مصر «أم الدنيا»، إلا أنني على ثقة أنه يحدث هنا في المملكة ما هو أكثر من البقية، لأن ما بين مصر والسعودية، وبين المصريين والسعوديين لا يمكن اختزاله في مقالة أو في كتاب، ما بينهم تاريخ طويل من الود ومن التعاون ومن الإخاء لا يمكن أن يعكره شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق