يليق تشبيه "الإخوان المسلمين" في مصر بـ"حزب الله" في لبنان على رغم الاختلافات الشاسعة بين التنظيمين والبلدين. كلاهما انبثق من الفكر الديني ولا تتضمن تركيبته تنوعاً، خلافاً لخصومه المتعددي المشارب والاتجاهات، وكلاهما انتصر وعجز عن السيطرة واعتمد سياسة برغماتية لم تحمل برنامجاً للحكم ولم تفضِ إلى حلول لا للبلاد ولا لأوضاعه. راكم من حوله مشكلات ضخمة انفجرت في الشارع المصري تظاهرات هائلة ضد حكم "الإخوان"، واحتقنت في الشارع اللبناني على الجانبين معبرة عن نفسها بحوادث أمنية على نمط شبه يومي.
تفيد الذاكرة ومعها إعادة التركيب ذهنياً لما جرى. في البدء كان الأميركيون وسياساتهم. عندما اطمأنوا إلى أن "الإخوان" لن ينقلبوا على اتفاقات "كامب ديفيد" وسيضمنون هدوء "حماس" لم يعترضوا على تسلمهم السلطة في مصر وعبّر عن ذلك موقف الجيش. بعد سنة من حكمهم المتخبط عاد المصريون إلى الشارع يصحّحون صورة "الربيع العربي". يبدو الجيش اليوم أقرب بكثير إلى خصوم "الإخوان" إن لم يكن متحالفاً معهم.
الشعوب تصحح انطباعات الدول وسياساتها أحيانا. حصل ما يشبه ذلك في لبنان. بعد 8 آذار 2005 كان رأي سفراء دول الغرب في لبنان لا سيما الأميركي جيفري فيلتمان أن هناك أكثرية تؤيد "حزب الله" الذي حشد أنصاره في تظاهرة لم يكن ثمة سابقة لها في وسط بيروت، ساحة رياض الصلح تحديداً، حيث أطلق الأمين العام للحزب حسن نصرالله عبارته الشهيرة "شكراً سوريا" وامتدح الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد قائلاً إنه أعاد إعمار بيروت. كانت دماء الرئيس رفيق الحريري ورفاقه لا تزال على الأرض والكلام استفزازيا. لم يصدق سفراء أميركا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا الذين اجتمعوا إلى عشاء في منزل سفير الاتحاد الأوروبي باتريك رينو في اليرزة أن تغيير الصورة ممكن. كانوا يدعون إلى التعامل مع أمر واقع فرضه الحزب المسلح بالسلاح والجمهور الحديد المتراص خلفه. لم يصدقوا سمير فرنجية والياس عطاالله اللذين كانا مشاركين في العشاء أن الرهان على إرادة الشعوب التي تريد التغيير هو رهان رابح دائماً.
الفرز في مصر بدأ بعد سقوط حكم الرئيس حسني مبارك وانتصار الانتفاضة الشعبية التي حملت تسمية "ثورة 25 يونيو" 2011. في لبنان بدأ الفرز فور اغتيال الرئيس الشهيد الحريري ورفاقه وتكرّس بعد شهر بالضبط. فريق 14 آذار سيسمي لاحقاً حلفاء النظام السوري الذين تحلقوا حول "حزب الله" بقوى 8 آذار. سيلتحق قسم ممن شاركوا في تظاهرة "انتفاضة الاستقلال الثاني اللبناني" في 14 آذار بالتحالف الذي يقوده "حزب الله" ويظل يُذكر بأنه ساهم في التظاهرات التي أطلق عليها الأميركيون تسميتهم "ثورة الأرز" وليس من "8 آذار".
صار اسم ساحة الشهداء "ساحة الحرية". مقابلها في القاهرة بعد ست سنوات "ميدان التحرير". المقارنات لا تنتهي.
في لبنان سادت خشية في البيئات المذهبية التي اعتبرت نفسها أقليات من تشدد ديني عبّر عن نفسه في صناديق الاقتراع في مصر وتونس وليبيا وبعض أنحاء سوريا الغارقة في الدم والعنف الطائفي مكررة المشهد اللبناني بعد العام 1975. ترتاح هذه البيئات المسيحية خصوصاً إلى رؤية مصر تصحح الصورة والمسار والانطباع عن "الربيع العربي". لا عودة نهائية إلى الوراء، بل أن حركة التاريخ والثورات مدّ وجزر أحياناً لكنها تتقدم.
ولكم كان جميلاً أن يتسلم "الإخوان" الحكم سنة في مصر، و"حزب الله" الحكومة سنتين وأكثر في لبنان. رأينا النتيجة، ماذا عن المستقبل؟

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق