بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 11 يوليو 2013

الغيوم في القاهرة والمطر في تونس محمد صالح مجيد - تونس



هل يصح القول إن دول ما أصبح يعرف بالربيع العربي كالجسد الواحد إذا اعتل منه عضو تداعت له بقية الأعضاء بالسهر والحمى والفوضى؟ وأنى لتونس التي انطلقت منها شرارة الانتفاضات الشعبية أن تكون بمنأى عما يحدث في مصر الآن؟
تتعدد الأسئلة وتتباين ردود الأفعال الحينية عند مواكبة المشهد المصري وهو يتعاظم ويتراكم ككرة ثلج حطها القدر من عَل. ولئن سارعت ‘الترويكا’ في رد فعل طبيعي، بإنكار أي صلة بين ما يدور في القاهرة، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور في تونس، فإن المسؤولية التاريخية تحتم أخذ العبرة والاتعاظ بالدرس المصري، الذي يمكن أن يكون في تونس منطلقا للتفكير في خارطة طريق سياسية كفيلة بالحد من منسوب التشنج والصراع الذي عم كل الضفاف السياسية يمينا ويسارا. 
إن ما يجري في مصر خطير، لأنه يضع المتابع في حيرة. فمرسي من جهة ضاعف بقراراته المرتجلة، من احتقان الأوضاع ، وتعامل مع خصومه السياسيين بصلف جعله يظهر في صورة ‘فرعون’ جديد يلبس عباءة دينية. ومن جهة أخرى لا يمكن لأي متفائل بقيام دولة مدنية ديمقراطية أن يبرر الانقلاب حتى إن جاء ضد حاكم مستبد. وعلى هذا النحو تحول المشهد المصري إلى ما يشبه الورطة، فلا مرسي حاكم عادل.. ولا الانقلاب مقبول. فما العمل إذن؟ وكيف السبيل إلى الخلاص من هذا المأزق؟
لئن يصعب تحليل المشهد المتحرك الذي يتغير على مدار الساعة، فإن أول ما يجب التنبه إليه هو أن حركة التصحيح هذه التي قادتها أغلب الأحزاب المعارضة بدعم شعبي كبير، إذا لم تذهب إلى رأس الداء، وهو الاستبداد لتقتلع جذوره، وتمنع ظهوره بأي شكل من الأشكال، فإنها تدخل كغيرها من حركات التمرد في خانة الانقلابات المرفوضة التي لا تقيم العدل ولا تغلب القانون بقدر ما تنذر بشر قادم.
ويعنينا في تونس أن نطرح السؤال الآتي، هل يحتاج التونسي إلى أن يضع يده في النار كي يتأكد من أنها تحرق؟ والحال أن في تجارب الشعوب الأخرى ما يمكن البلاد من اختزال الوقت والاتعاظ وأخذ العبرة.
في هذا الوقت العصيب تتعاظم مهمة السياسيين وتنكشف أقنعة الذين يريدون للبلاد الخير والذين يريدون أن يحكموا ولو جلسوا على كرسي من خراب. لذلك على السياسيين في تونس أن يتوقفوا عن ‘الهرطقة’، وأن يتعظوا من الدرس المصري ويستخلصوا منه العبر التي تجنب البلاد شر فتنة قادمة.
فالطرف الحاكم مدعو إلى اعتماد المرونة وتغليب الحكمة في التعاطي مع الدستور الذي يجب أن ينال أكبر درجة ممكنة من التوافق، إذ من المفيد للجميع ألا يُكتَب الدستور بعقلية الهيمنة وبروح الانتصار والعزة بالكثرة والعدد، كي لا يتحول الدستور الموحد إلى عامل من عوامل الفرقة مستقبلا. ألم يتضح من الدرس المصري أن الطرف الذي بالغ في استغلال شرعيته ومشروعيته وجد نفسه أمام سيول بشرية غاضبة لم يتوقع عددها؟
ولعل أهم عامل من عوامل التوتر في تونس هو ازدواجية الخطاب السياسي، إذ لم يعد مقبولا أن يصدر عن سياسي خطاب لا يكاد المتابع يتبين فيه الدعوي الفقهي من السياسي التشريعي. فالمطلوب اليوم أن يختار الإنسان الذي يريد أن يتصدى للشأن العام بين أن يكون سياسيا يدافع عن أفكاره بما يقره القانون المدني العام، وأن يكون إماما خطيبا في مسجد يعلم الناس شؤون دينهم بعيدا عن نيران السياسة.
وعلى المعارضة أيضا وزرُ البحث عن التوافق، والسعي إلى تجنيب البلاد مآسي لا أحد يمكن أن يتنبأ بمآلها في ظل ظرف إقليمي ودولي صعب يحتم تغليب الحكمة وتجفيف بؤر التوتر.
لا أسلم، اليوم وغدا، من الحوار وإن طغى الطرف المقابل وبغى، إذ لن يستفيد أحد من حكم تونس بعد أن تلتهمها النيران ويسرع إليها الخــــراب. وبأيديـــــنا الآن في حدود المتاح أن نتجنب المحرقة والفوضى إذا توفرت العزائم الصادقة وذابت الرغبة في اعتلاء الكرسي بأي ثمن. لكن مَنْ اعتقد واهما أن حركة الربيع العربي هي حركة منفلتة في الزمان والمكان غير مسيطرعليها، عليه أن يقرأ جيدا الدرس المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق