لندن ـ ‘القدس العربي’ ‘عدد الجثث حسب ارقامنا يقول ان عدد الذين قتلهم الجيش المصري في خلال اسبوعين من الاضطرابات هو اكبر من عدد من قتلوا خلال عام من حكم مرسي’. فايا كان المسؤول عن مقتل 51 متظاهرا امام الحرس الجمهوري في القاهرة، قوات الامن كما يقول الاخوان المسلمون ام ‘الارهابيون’ كما يقول الجيش المصري، يعتبر ما حدث هو اكبر مواجهة دموية منذ سقوط الرئيس حسني مبارك’.
هذا ما تقوله صحيفة ‘الغارديان’ في افتتاحيتها ‘اضطرابات وموت وجنرالات’ والتي قالت فيها ان قوات الامن اصبحت ‘خلال العشرة ايام الاخيرة المحرض الاكبر على العنف والاضطرابات’، مشيرة ان لا احد يشتري ما يقوله الجيش انه كان عليه التحرك لاعادة النظام عندما نظم الانقلاب.
حكومة بدون غطاء اسلامي
وترى الصحيفة ان المقاطعة التي اعلنتها القوى الاسلامية التي دعمت الانقلاب تعني انه لم تبق واحدة منها من اجل دعم محاولات الجيش تشكيل حكومة انتقالية. وتضيف انه ان كان المزاج في القاهرة والمدن المحيطة بها معاديا لعودة مرسي المعزول الا ان ما نعرفه الان ان التحالف السياسي وراء جبهة الانقاذ الوطني، والداعمين للانقلاب العسكري قد تفتت. واضافت الصحيفة ان استبعاد الاسلاميين الذين يشكلون جزءا لا يستهان به منه الناخبين له ثمنه العالي. صحيح ان مرسي فشل في الحكم نيابة عن المصريين لكن الانهيار السياسي الحالي يؤشر الى ان مهمة توحيد المصريين اصبحت وخلال الثماني والاربعين ساعة الماضية مهمة اكثر من صعوبة. مما يجعل مصر تتأرجح مثل حافلة اصطدمت امام حاجز للسلامة، وتوقفت اي الحافلة تاركة عجلاتها الامامية عالقة على حافة واد عميق. وتقول ان الاخوان المسلمين الذين دعوا للانتفاضة ويأملون بزيادة اعداد المتظاهرين باستمرار الانشقاقات من الجانب الاخر لم تكن راغبة في جعل حياة العسكر سهلة، فانها بعد احداث صباح الاثنين ستكون اكثر تصميما على مواجهة الجيش حيث يتوقع ان تستمر الاحتجاجات والتظاهرات والعصيان المدني خاصة ان شهر رمضان سيبدأ اليوم. فالتجمع اليومي لصلاة التراويح يعطي المعارضة الاسلامية مساحة للتجمع اليومي، فوصول رمضان يقدم سببا لافشال الانقلاب الذي عول فيه جنرالاته على اقامة وقائع على الارض قبل ان تستطيع المعارضة الاسلامية تجميع نفسها.
وتختم بالقول ان الجيش قامر على قبول الاخوان بالامر الواقع ويستسلمون ويذهبون بهدوء الى السجون ولكنهم فشلوا، وامامهم الان معركة من اجل السيطرة على البلاد. فزعم الجيش بانه يحمي كل المصريين يتداعى امام اعيننا، ويجب عليه ان يتراجع عن فعلته قبل ان يخسر تماسكه خاصة ان هناك تقارير تتحدث عن اضطرابات في الصفوف الدنيا منه.
خيارات الجيش
وترى ‘ديلي تلغراف’ في تقرير كتبه داميان ماك ايل روي مراسل الشؤون الاجنبية ان الجنرال قد يتخلى عن خطة الطريق التي حدد معالمها عند عزله مرسي. فقد كان يعتقد انه قادر على تصحيح الاخطاء التي ارتكبها الاخوان في عام من الحكم، واعتقد انه من اجل حماية الثورة لا بد من تدمير مكتسباتها الاولية، لكن يبدو انه من الصعب الان تجنب صراع طويل ومرحلة من عدم الاستقرار. فقد عاد الاخوان بعد عام من الحكم الى منطقتهم التي يتقنونها وهي الاحتجاج والمعارضة، فهم اصحاب خبرة طويلة تمتد لعقود في الحشد، وبعد دعوة قادتهم للانتفاضة فعلينا ان نتوقع اضطرابات يومية خاصة بعد الصلوات اليومية. ويقول الكاتب ان الاخوان يعرفون ان لديهم المصادر والثقة للمواصلة ومواجهة محاولات الجيش لقمعها، والسؤال الحالي هو الى اي حد ستتحول فيه التظاهرات الى حركة تمرد متشددة؟ ويختم الكاتب بالقول ان الجيش في مواجهته لاكبر تنظيم سياسي واجتماعي في البلاد يخاطر في دفع الحركة الاسلامية نحو العنف.
ايام خطيرة في مصر
فمصر حسب ‘ديلي تلغراف’ اتخذت خطوة نحو الانزلاق للحرب الاهلية، وهو السيناريو الذي كان يخشاه الجميع، حيث اشارت الى مقتل 51 متظاهرا منهم خمس نساء واطفال وجرح المئات. وتشير الى رواية الجيش المصري عن وجود ‘ارهابيين’ بين الذين كانوا متجمعين امام الحرس الجمهوري. وحتى لو سلمنا بصحة اللقطات التلفازية عن وجود مقنعين بين المتظاهرين الا ان القتل وبهذا العدد لن يؤدي الا لرفع درجة التوتر في البلاد التي تسير نحو الانهيار. وتشير الصحيفة الى دعوة الجناح السياسي للاخوان المسلمين، حزب الحرية والعدالة للانتفاضة ضد من سرقوا الشرعية، فيما يقول الجانب المؤيد للانقلاب انه كان ضرورة لمنع الاخوان المسلمين من السيطرة على البلاد. وفي هذا الجو المشحون لا بد من فعل يمنع انحداراكبر بلد عربي من ناحية التعداد السكاني للانحدار ومواجهة مصير يشبه مصير سورية. وتقول الصحيفة ان ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني دعا الى’ الهدوء وضبط النفس′ لكن الدولة المهيأة للمساعدة والتأثير هي الولايات المتحدة التي تقدم معونات سنوية لمصر تصل الى 1.5 مليار دولار امريكي للجيش وعلى شكل مساعدات انسانية. فادارة اوباما التي دعمت اول حكومة مصرية منتخبة ربما اصابها الفزع من تصرف الجيش المصري، ومع ذلك تدعو الصحيفة ادارة اوباما التخلي عن تحفظاتها هذه ودعم الحكومة الانتقالية لعدلي منصور، وتحقيق اهدافها المعلنة وهي اعادة مصر لطريق الديمقراطية مرة اخرى. ولكن هل صحيح ان امريكا لها ذلك التأثير الذي تراه الصحيفة في مصر.
متهمة من الطرفين
واشنطن تقف متهمة من طرفي النزاع، فهي متهمة من الاخوان وحلفائهم بدعم الانقلاب او تشريعه، ومن المعارضة بدعم الاخوان، ولهذا يرى جيفري داير من ‘الفايننشال تايمز′ ان الولايات المتحدة تملك خيوطا قليلة كي تمسك بها في الازمة المصرية الحالية. ويعتقد الكاتب ان ما يجري في مصر يعتبر مؤشرا عن تراجع التأثير الامريكي خاصة في مصر. ويتحدث الكاتب عن واشنطن الحاضرة في كل مكان والعاجزة في الوقت نفسه. فبحسب ما يدور في الشارع المصري، فواشنطن تقف خلف كل شيء جرى. محمد مرسي اتهم الولايات المتحدة بانها اعطت الجيش الاشارة للتحرك قبل عزله، فيما تقول المعارضة ان السفيرة الامريكية آن باترسون شجعت النزاعات الديكتاتورية لدى الاخوان اثناء حكمهم. واشار الكاتب الى ان ‘فيسبوك’ يحظى بشعبية واسمه ‘دعم اوباما للارهاب في مصر’، حيث يظهر اوباما وهو بزي الاسلاميين، وموقف الليبراليين هذا لا يختلف عن موقف اليمين الامريكي المتطرف الذي نشر صورا لاوباما بزي مسلم، بل على انه صورة اخرى عن زعيم القاعدة المقتول اسامة بن لادن. وبين الاتجاهين يرى نقاد الادارة الامريكية في مصر ان ادارة اوباما فشلت في تعاملها مع الازمة فمن جهة قالت لاعداء مرسي ان مظاهرات الشوارع ليست الطريقة لمعارضة مرسي، وطلبت من الاخير تقديم تنازلات، وفي اتجاه ثالث طلبت من الجيش عدم التدخل بدون اي نتيجة. ويقول الكاتب ان واشنطن لا تملك التأثير على الاحداث او التكهن بنتائجها، فعلاقتها الوحيدة هي مع الجيش ولهذا فلا خيار امامها الا العمل معه، على المدى القريب. مع انها قادرة على المدى البعيد استخدام تأثيرها على صندوق النقد الدولي والتأثير على السياسات الاقتصادية في مصر. ويشير الكاتب الى المعاهدة المصرية- الاسرائيلية عام 1979 والتي جعلت من مصر ثاني اكبر دولة تتلقى الدعم الامريكي، وادت الى تدريب اجيال من الضباط المصريين في امريكا. وعلى الرغم من الاتهامات الموجهة الى الادارة باغماض عينها على مظاهر القصور في الجيش الا ان الاخير يظل الورقة الاخيرة التي يمكن لواشنطن لعبها. وعلى الرغم من ان القانون الامريكي يقضي بوقف المساعدات لبلد قام الجيش فيه بالتخلص من حكومة منتخبة الا ان اوباما لديه ‘مرونة’ في قراءة ما جرى على انه ليس انقلابا مع ان نوابا جمهوريين على رأسهم جون ماكين دعوا لتعليق المساعدات الامريكية لمصر. فموقف امريكا الحالي هو ان الجيش يظل القوة الوحيدة على تحقيق الاستقرار في البلاد ويجب دعمه.
ساعدوا مصر
ويعتقد ديفيد اغناطيوس في ‘واشنطن بوست’ ان مرسي بدد الكثير من الفرص وارتكب اخطاء فادحة، ورفض محاولات قطرية وامريكية للتوسط. فتدخل الجيش وان بدأ دوامة من العنف لن تتوقف لان وضع البلاد كان بدرجة لا يمكن تركه وهو في حالته الصعبة، فقد كانت مصر بحاجة الى بداية جديدة. وقال ان تراجيديا مرسي تكمن في انه كان شخصية عاجزة ومتخشبة مما قد يفسر دعم الشعب لتدخل الجيش. ويعتقد ان ثورة مصر الثانية- نظريا- تمنح المصريين العودة الى المسار الديمقراطي مرة اخرى. وهذا يعني انتخابات رئاسية في غضون ستة الى تسعة اشهر، وكتابة دستور، ودعم مالي من دول الخليج من اجل اعادة الثقة بالاقتصاد المصري. وعن دور واشنطن في الوضع المصري يقول ان ادارة اوباما تركت مصر معلقة خلال حكم مرسي الكارثي، حيث تركت السياسة بيد السفيرة آن باترسون في القاهرة، ومع انها من احسن الدبلوماسيين الا انها ركزت العمل مع الحكومة المنتخبة مما قاد الكثير من المصريين لاتهام واشنطن بدعم مرسي وهاجموا باترسون شخصيا.
على مفترق طريق
ونقلت صحيفة ‘واشنطن بوست’ عن احد قيادي الاخوان قوله انهم الان يواجهون خيارا قاتما وهو العودة الى سنوات القمع والسجن. فالحركة التي عاشت في فترات اتسمت بالقمع او التعايش السلمي، فقد تركت مجزرة الاثنين اعضاءها يشعرون بالسخط والغضب ويخشى المحللون ان تتحول الحركة الى خيار العنف بعد ان دخلت في العملية السياسية ونقلت عن احد مسؤولي الاخوان وهو يحيى حامد قوله ان ‘النظام الجديد يريد ارسال رسالة واضحة انه مصر على القتل والاعتقال واغلاق مؤسسات الحركة الاعلامية’. ومع ان حامد الذي عمل وزيرا ومتحدثا باسم الرئيس وغيره من قادة الحركة يؤكدون على المواصلة الا ان الحركة تعيش على مفترق طرق، فلا يزال الرئيس وعدد من مساعديه معتقلين في الحرس الجمهوري فيما اعتقل اخرون من قادة الاخوان واغلقت مؤسساتهم الاعلامية، وسربت السلطات الامنية اخبارا ان مؤسسات الاخوان التي اغلقت كانت تحتوي على كميات كبيرة من الاسلحة مخبأة فيها. وقد اصبح مسألة عودة الاخوان للعملية السياسية سؤالا يحتاج الاجابة عليه، وبحسب سمير شحاتة من جامعة اوكلاهوما ففي حالة اخراجهم من المعترك السياسي فقد يلجأ الاخوان للعنف. ولم يستبعد شحاتة عودة البلاد الى دوامة من العنف مثل تلك التي شهدتها اثناء عقد التسعينات والتي شنت فيها جماعة الجهاد حملة ضد الدولة والسياحة.
انقلاب وليس تصحيح مسار
وفي هذا السياق يرى يوجين روبنسون في’واشنطن بوست’ ان ما يجري في مصر ليس تصحيحا لمسار الثورة بل انقلابا عسكريا يعيد الجيش للسلطة كما كان في عهد مبارك. ويقول ان احدا يجب ان لا يكون محبا لمرسي والاخوان المسلمين كي يعرف ما فعله الجيش عندما خرج حشد هائل ممن نصبوا انفسهم ‘معتدلين’ للاحتجاج على حكم مرسي. فقد كان بامكان الجنرالات دعم النظام الديمقراطي الجديد في مصر وبدلا من ذلك اختاروا التصرف لحماية مصالحهم. وبالمقابل حاول مرسي حماية النظام المدني لكنه كان ساذجا في فهمه ان الجنرالات سيتنازلون بسهولة. واشار الكاتب الى قرار مرسي الدستوري الذي اجبر تحت الضغط الشعبي للتنازل عنه، ومع ان الدستور كتب بلغة اسلامية الا ان الاستفتاء عليه كان نزيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق