بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 سبتمبر 2013

30 /6 النكسة الثانية - حسين شبكشي


التاريخ الإنساني هو حصاد تراكمي لأحداث ومواقف ومنها أيام بذاتها تصنع حقبة كاملة منه بشكل باهر. وإذا روجع التاريخ العربي المعاصر فسنجد أن يوم 5 يونيو (حزيران) من عام 1967، والمعروف الآن بيوم النكسة، كان فعليا نهاية المد القومجي الذي كان سيد الساحة السياسية آنذاك، وهي الهزيمة التي قضت على زعيمه جمال عبد الناصر بشكل متكامل. وما ذكر سيقال أيضا على تاريخ 30 من شهر يونيو لهذا العام الذي سقط فيه حكم محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في مصر إثر ثورة شعبية جارفة لم تعرف مصر مثلها قط. سقط محمد مرسي وحزبه وجماعته لأنهم لم يقرأوا واقع الشارع السياسي في مصر ولم يفهموا واقع مصر التي للتو كانت أسقطت نظاما انفرد وحده بالسلطة ولن ترضى بأن يأتي أحد آخر ليقوم بنفس الأمر ولكن هذا الأمر تحت عباءة الدين. الإخوان المسلمون كانوا منغمسين في أدبيات مؤسسهم حسن البنا وتلميذه سيد قطب كمرجعية وحيدة للحكم، وخصوصا فقرات «التمكين» الذي كانوا يخططون له منذ ثمانية عقود، بمعنى أن كل شيء «سيمَكَّن» لهم حينما يصلون إلى الحكم، وهذا طبعا هراء عظيم كما ظهر لاحقا.

أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية وزعيمة أوروبا الفعلية وصاحبة ثالث أقوى اقتصاد في العالم والتي لا تزال تقود الاقتصاد الألماني بنجاح وتفوق، فازت بالانتخابات الألمانية الأخيرة، وحينما سئلت عن النتيجة أجابت: «إننا بالكاد فزنا»، وعلق خصومها أن ميركل بإمكانها أن تحكم البلاد ولكن ليس بإمكانها أن تقود She can govern but she can’t lead، لأن الشعب لم يمنحها التوكيل اللازم الـMandate. وهذه هي المسألة التي لم يفهمها مرسي وأنصاره وظلوا يرددون بسذاجة ساخرة كلمات «الشرعية والصندوق»، وهم الذين خونوا البلد ونعتوهم بالفلول التابعين للنظام السابق، وبالتالي كان بحسب رأيهم أن كل من ليس «معهم ومن ضمنهم» يجب أن تطهر مصر منه و«استبدال» واحد «منا» به. هذا كان الواقع العملي لفكرة التمكين التي كانت هي الغاية والهدف الأهم لفكر الجماعة في حكم مصر. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن سقوط محمد مرسي وفشله المدوي أنقذ نظامي الحكم في كل من الكويت والأردن، لأنه بحسب أكثر من محلل ومطلع «حكم مرسي لا يمكن أن يأتي أحد بمثل رعونته وجهله».

وهناك رأي شرعي استند إليه رجال دين في مصر خرجوا مع الشعب في مصر مطالبين بإسقاط محمد مرسي، حيث اعتمدوا على تأصيل فقهي شرعي عظيم، وهو: «الوجوب مشروط بالقدرة، فإذا انتفت القدرة ارتفع الواجب»، بمعنى أن الرئيس المعزول محمد مرسي لم يعد قادرا على إدارة شؤون البلاد لفقدانه القدرة على عمل ذلك، وتخبط إدارته وقراراته باتت تهديدا للسلم الأهلي والصالح العام، فسقط وجوب إبقائه حاكما. وبالمناسبة هذا التأصيل الشرعي هو نفسه الذي أخذ به الشيخ الجليل الراحل محمد الباقوري حينما قرر وأعلن خروجه عن جماعة الإخوان المسلمين ومن تحت عباءة حاكمها المرشد.

«النكسة» التي حدثت في الثلاثين من شهر يونيو هذا العام كانت بمثابة الضربة القاضية للجماعة السياسية التي كانت تدعو لبرنامجها السياسي بالسرية والدين حتى سقطت الأقنعة وكان الفشل الذريع ودخلوا التاريخ من بوابة الفشل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق