بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 سبتمبر 2013

عن الجامعات الفلسطينية وأزمتها راسم المدهون





تأخذ أزمة الجامعات الفلسطينية الراهنة بتلابيب الجميع، لكنها تخنق الطلاب والعملية التعليمية أكثر من أي طرف آخر. أزمة مالية، لكنها بقليل من التأمُل تختصر واقع الحال السياسي والإداري في مناطق السلطة وتعيد إلقاء الضوء على حجم الفساد والفوضى هناك، وفي الوقت نفسه تكشف هزال الحلول التي يجري تداولها للوصول إلى حالة تعليمية صحية وطبيعية.

لا يكفي أمام أزمة عاصفة بهذا الحجم إحالة السبب أو الأسباب للأزمات المالية الدائمة، وإلقاء اللوم كالعادة على الدول المانحة بتكرار الحديث عن تقصيرها في الوفاء بالتزاماتها للسلطة، وهي كلها صحيحة وحقيقية. لكن المنطق السليم يقتضي الموضوعية في مقاربة هذه الأزمة وغيرها من الأزمات.
في فلسطين اليوم أولوية لالتزامات الحكومة بمصروفات وتكاليف كل ما هو هامشي من وظائف لا مبرر لها سوى إشباع نهم البعض للسلطة والرفاهية. من يصدق أن في مناطق السلطة الفلسطينية اليوم 2600 وظيفة عمومية مدنية وعسكرية بدرجة مدير (A)، ناهيك عن جيش من المرافقين وأفراد التشريفات والحراسات الذين تصل نفقاتهم بالملايين في حين يستمر حديث البعض عن قصورات الدول المانحة. هي لوحة أقرب للسوريالية في واقع فلسطيني تثقله البطالة والفقر، وتعصف به أزمات دورية يجري كل مرة وضع حلول موقتة لها، لا تلبث أن تذوب لتعود الأزمات من جديد ولكن في صورة أشد فداحة. ليس المأزق في المال (على رغم حيويته وأهميته)، ولكنه بالذات في العقلية الرسمية التي تدير الشأن العام، والتي تنطلق في معالجاتها للأزمات من قناعة مركزية بأن الأولوية هي دائماً لاحتياجات السلطة وقادتها وأفرادها النافذين وليس للقطاعات الإنتاجية والخدمية التي يعيش منها المواطنون الفلسطينيون.
فخلال السنوات الماضية ومنذ تأسيس السلطة تكرَرت وفي صورة روتينية سياسة اللامبالاة بكل ما يتصل بحياة المواطنين، فأخذت اهتمامات ثانوية في حين ظلَت الوظائف الكبرى والعليا في منأى عن الأزمات، بما لا يسمح بوضع حلول جذرية للأزمات إذ كيف يعقل أن يجترح «المدراء العامون» حلولاً على حساب امتيازاتهم ورفاهيتهم؟
لا أميل هنا لمناقشة أزمة الجامعات الفلسطينية بحد ذاتها على رغم فداحة تلك الأزمة لسبب بسيط وبديهي هو أنها اليوم أقرب إلى «وسيلة إيضاح» تختصر الأزمة الفلسطينية العامة والشاملة، وتشير بوضوح محرج إلى الذهنية التي تعالج الأزمات أكثر من إشارتها للأزمات ذاتها، وهي حقيقة لا نعتقد أن الالتفاف عليها ممكن أو قادر على تحقيق نجاحات تذكر، بل هي تشير مرَة أخرى للفارق الهائل بين عقليتين تبحث أولاهما عن الاهتمام بحياة المواطنين، فيما تنشغل الثانية بتأسيس ورعاية دولة بروتوكولات وتشريفات تغرق في الشكلية لكنها تظلُ بلا مضمون حقيقي.
لا يستقيم المنطق بالبحث عن حلول لأزمة الجامعات الفلسطينية في سطور الأزمة ذاتها، فذلك ترف لا طائل منه، بل في البحث في الأزمة العامة، وبالذات في أولويات السلطة: ما هي أولويات السلطة في هذه المرحلة والمراحل القادمة؟
من هنا يبدأ النقاش الحقيقي، ويستقيم جدل البحث الجدي عن حلول، فالوصول بالجميع ومع الجميع إلى توافق على هذه الأولويات يمكنه وحده أن يضع الحصان أمام العربة، وليس العكس كما نرى ونسمع اليوم من وقائع تجعلنا نعتقد لوهلة أننا أمام مؤسسات دولة كبرى وذات موارد مالية غزيرة وليس أمام مؤسسات سلطة تحت الاحتلال تأتي من تبرعات الدول المانحة ولا تحتمل الهدر والتبذير والامتيازات
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق