بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

ما الجديد الذي أراد نصرالله أن يرسّخه في خطابه الأخير؟ -ابراهيم بيرم

من بوابة الأمن في الضاحية الجنوبية ولج الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في كلمته أول من أمس، عتبة مرحلة عناوين جديدة في الوضع السياسي الداخلي، والإقليمي عموماً.
لم يثبت سيد الحزب نفسه كلاعب اساسي في الملعب الاقليمي، فهذا صار ثابتاً لا يمكن ضرب الصفح عنه أو نكرانه، وبالتحديد منذ أفصح عن تدخله المباشر في مواجهات الميدان العسكري السوري، محققاً انجازات مهمة تقلب الموازين والمعادلات الميدانية في كل معركة يبرز فيها عناصر النخبة في الحزب، بل ان نصرالله، بحسب اقرار مقربين من دوائر القرار في الحزب، يرسم فعلاً آفاق مرحلة جديدة في السياسة والعسكر والشعار لافتته العريضة انقضاء الكلام على ضربة عسكرية غربية لسوريا، وبالتالي تكشّف الميدانين السياسي والعسكري عن قواعد لعبة مختلفة صار فيها بقاء نظام الرئيس بشار الاسد في دمشق ثابتة، وصارت فيها روسيا – بوتين، ومن سار في ركبها السياسي نجمة المرحلة التي لا يمكن الاستغناء عنها أو اقصاء دورها واعتبارها كأنها نسياً منسياً على غرار ما حصل منذ السقوط المدوي للكتلة الاشتراكية في مطالع عقد التسعينات من القرن المنصرم.
وأكثر من ذلك، ثمة مرحلة جديدة ايضاً في العلاقة بين طهران والغرب قوامها مسارعة هذا الغرب الى تلقف فرصة لاحت مع انتخاب حسن روحاني رئيساً جديداً للجمهورية الاسلامية في محاولة دؤوبة لفتح قنوات الاتصال معها، توطئة لبناء جسور علاقة راسخة. انها محاولة ما زالت في بدايات تكوّنها لكنها تنم ضمناً عن رغبتين مشتركتين تعتمل بهما نفوس المسؤولين في العاصمة الايرانية واذهان المسؤولين في واشنطن لطي صفحة من القطيعة والعداوة استمرت عقوداً. وفي ميدان يوميات المواجهات العسكرية في سوريا لا شك في ان أمام السيد نصرالله صورة باتت أجلى من أي وقت مضى، وهي أن عامين ونصف عام من "حرب كونية" شنت على النظام الحليف بغية اسقاطه وهز جذوره قد صارت في طور الانتهاء، بعدما اصبح عنوان المرحلة عسكرياً أن تلتهم المجموعات المعارضة نفسها بعدما انتهت المهمة - الوظيفة التي أوكلت اليها وزج بها وقوداً في معركة شديدة الضراوة.
لذا لم يكن غريباً أن يبدأ السيد نصرالله خطابه من الحدث الأمني في الضاحية الجنوبية، ليدخل عبر هذه البوابة الى الفناءات والمواضيع الاوسع مساحة، فحدث الضاحية هو تكثيف رمزي للاداء المرتقب للحزب في المرحلة الجديدة.
رُبَّ قائل ان دوائر القرار العسكرية والأمنية في الحزب قد اصابها التعب من جراء هذا الدور الكبير الذي تنكبته مدى أكثر من ثلاثة أشهر وبالتحديد قبل نحو شهرين من حدوث انفجار الرويس وصولاً الى الامس، فالحزب اضطر في هاتيك الحالة الى أن يزج بأكثر من ثلثي جهازه الأمني في مسألة ترصّد الوضع الأمني في منطقة مكتظة بأكثر من 600 ألف نسمة، انبرى خلالها الى اداء ادوار وممارسة وظائف لم يألفها من قبل، خصوصاً لجهة التعامل المباشر على الحواجز مع العابرين والمارين عدا ما جرّته هذه المهمة من حملات اعلامية عليه. لكن الاكيد ايضاً، بحسب المعلومات الاولية، ان الحزب ما كان ليترك هذه المهمة الشاقة والحساسة طائعاً مختاراً، إلا بعدما حقق مكاسب وانجازات مضمرة من عناوينها العريضة:
- ان ثمة اطمئناناً نسبياً على أن تجربة السيارات المفخخة ليست أمراً يمكن تكراره بسهولة خصوصاً بعد ما حصل في طرابلس، إذ رست "معادلة رعب" حقيقية يمكن أن تبدأ، ولكن لا يمكن أحداً أن يتكهن بنهاياتها وتداعياتها.
- ان الحزب صار يملك منظومة معلومات موثوقاً بها تتصل بالمجموعات التي خططت ونفذت لانفجاري بئر العبد والرويس واماكن وجودها ومدى تحركاتها إلى درجة ان ثمة من يؤكد انها صارت بين يديه وان مرحلة تصفية الحساب معها قد بدأت.
- ان الحزب صار له بحكم التجربة مساحة مشتركة من التعامل مع اجهزة الدولة الأمنية، وصار يأمن لها ولديه القدرة على التكيّف مع حضورها. وبناءً على هذه المعطيات والوقائع فان الحزب يتصرف على اساس أن ثمة مخاطر قد زالت الى حد بعيد، وان ثمة محاولة جادة جرت لتكريس واقع شبيه بالواقع العراقي ثبت بالدليل العملي لأصحابها انه يستحيل تكرارها وتطبيقها في مناطق معينة من الساحة اللبنانية، وجعلها مادة اساسية في اللعبة الداخلية اللبنانية المتداخلة والمعقدة.
وهذا الواقع الأمني – الميداني الذي نجح الحزب مدى اكثر من سبعة اشهر في تفكيكه واستنفاد اغراضه انتقل ايضاً الى حيز المعادلة السياسية الداخلية.
فالسيد نصرالله أوحى في خطابه أول من امس، ولا سيما الجزء المتصل بهذا الموضوع، انه بالامكان الانطلاق الآن نحو مراحل اخرى جديدة خلافاً للمرحلة السابقة التي كانت عبارة عن تجميد للأمور ومنها ولا شك أمر التشكيلة الحكومية.
فمن الواضح ان نصرالله تعمد رسم خطوط عامة وتفصيلية في الشأن الحكومي ووضع شروطاً وسقوفاً وضعت حداً لكثير من التكهنات التي راجت سابقاً. فهو أعاد التمسك بالتفويض المعطى للرئيس المكلف تمام سلام لكنه وضع حداً نهائياً امام محاولاته لتقديم نفسه على اساس انه خارج دائرة قوى 14 آذار وانه في دائرة الوسطيين، وأعطى هذه الصفة للرئيس ميشال سليمان وللنائب وليد جنبلاط، محدداً ضمنا مستقبل العلاقة معهما.
واذا كانت ظروف العلاقة مع جنبلاط فقط، قد صارت معروفة المعالم والأبعاد، فالجديد ان يقبل الحزب بالرئيس سليمان وسطياً ويكرسه في هذا الموقع وهو ما يمكن ان يبنى عليه لاحقاً خصوصاً بعد مرحلة من الالتباس والتوتر سادت علاقة الحزب بالرئيس سليمان في اعقاب "هجماته" الثلاث المتكررة على سلاح المقاومة وعلى تدخل الحزب في سوريا.
ولم يعد خافياً أنه راج في الاوساط السياسية والاعلامية اخيرا اقتناع أولي مفاده ان ثمة تطبيعاً خفياً لحدود العلاقة بين الرئاسة الاولى والحزب.
وفي كل الأحوال سد نصرالله بكلامه أفق اي تفكير في حكومة الثلاث ثمانيات ووضع حداً لما قيل ان امرها صار ناجزاً فور عودة سليمان من نيويورك. وعليه فان ثمة من يرى ان نصرالله رسم معالم المرحلة المقبلة داخلياً في ضوء الجديد الذي انطوت عليه مرحلة ما بعد التفاهم الاميركي – الروسي وما يمكن ان يندرج تحته من عناوين تفصيلية ستظهر تدريجاً في قابل الأيام.
أما على المستوى الاقليمي، فالواضح ان نصرالله افصح كثيرا وتوسع في هذا المجال خلافاً للمرات السابقة، ولا سيما وقد سمّى الاشياء بأسمائها منطلقاً من ثابتة اساسية وهي سقوط كل الرهانات السابقة، السياسية منها والعسكرية في سوريا، وبالتالي فتح نصرالله ابواب الدعوة الى مرحلة جديدة في علاقة الآخرين معه او في رهاناتهم السابقة على اقصائه داخلياً ومحاصرته على مستوى المنطقة، خصوصاً أنه جعل في طيات كلامه المعركة واحدة بدءاً من العراق مروراً بسوريا وصولا الى لبنان.
وثمة من يرى ان في طيات كلام نصرالله ايضاً جملة شروط وسقوف لمن يعنيهم الامر وبالتحديد السعوديين اذا كانوا راغبين فعلاً في الانفتاح على ايران، وفي مقدمها الكف عن السعي الى اسقاط النظام في سوريا ومن ثم العزوف عن محاولات محاصرة الحزب على المستوى اللبناني.
ومهما يكن من امر فما كان لنصرالله ان يطل اعلامياً ويتحدث على نحو ما تحدث به لو لم يكن يملك معطيات جديدة تظهر له على الأقل ان حساباته وخياراته هي التي نجحت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق