بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

العرب أمام تحدي التقارب الإيراني ـ الأميركي - إياد أبو شقرا

واضح جدا على أصدقائي ومعارفي الإيرانيين هذه الأيام فرحهم الغامر باحتمال نجاح رئيسهم الجديد حسن روحاني في تحسين علاقات طهران بواشنطن.
هذا من حقهم بعد ثماني سنوات عجاف تولى فيها رئاسة الجمهورية شخص «دوغماتيكي» متشدد، يفهم الدنيا على مزاجه ووفق قناعاته الضيقة، اسمه محمود أحمدي نجاد. وحقا، لا يجوز لنا كعرب، بصرف النظر عن مقاربتنا ديناميكيات العلاقات الأميركية - الإيرانية المتغيرة هذه الأيام، أن نخطئ القراءة.
أي شعب في العالم يود أن تكون علاقاته السياسية والاقتصادية والثقافية جيدة جدا مع القوة العالمية الكبرى الوحيدة - لتاريخه - بدلا من أن يشعر بأنه محاصر (بفتح الصاد) ومغضوبا عليه ومشككا في مفاهيمه وثقافاته. وهذا، بالضبط، حال إيران وشعبها، في عهد «البراغماتيكي» حسن روحاني وتحت دبلوماسية اللبق محمد جواد ظريف الذي درس في أميركا ويفهم ما لها وما عليها... وما له وما عليه معها.
ثم إن من الطبيعي جدا أن تراهن القيادة الإيرانية على تراخي عداء واشنطن إزاءها وإزاء طموحاتها الإقليمية في عهد رئيس أميركي سلبي وضعيف المبادئ والقناعات من نوعية باراك أوباما. ولقد كان جليا من أسلوب تعاطي البيت الأبيض مع المحنة السورية وتداعيات «الربيع العربي» أن آخر ما تريده واشنطن تطورات تخرجها من «شرنقة» الانكفاء إلى الداخل... وانشغالها بالتعافي من أزمتها الاقتصادية المتطاولة.
هذا ما نحن بصدده الآن، غير أن ثمة أمورا لا بد من عرضها بصدق، أولا لنفسنا كي لا نضيع البوصلة، وثانيا لإخواننا الإيرانيين الراغبين في التعايش معنا كجيران وأهل، وثالثا للمجتمع الدولي الذي لا نستطيع ولا يفيدنا أن ندير ظهورنا له.
بالنسبة لأوضاعنا الداخلية، علينا الإقرار بأننا في أزمة. نحن في أزمة صعبة، بعض مسبباتها مزمن والبعض الآخر طارئ، ثم جاء «الربيع العربي» ليهز ما يمكن وصفه بـ«حيز الراحة» (أو حيز الاسترخاء) الذي حال دون وعينا مدى خطورتها. لقد عشنا في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن ـ بعد طول إنكار وعجز ـ ثورات تغيير لم تنجز بالكامل... إذ خلخلت أنظمة، لكنها كشفت عن أن تلك الأنظمة، التي هزها أو أسقطها إفلاسها الفكري وسوء ممارستها السياسية، أطلقت ردود فعل قاصرة وغاضبة وعاجزة عن استيعاب معاني «دولة المؤسسات».
أما بالنسبة لعلاقتنا بإيران، فهي علاقة أقل ما يقال فيها هذه الأيام إنها «إشكالية».. كي لا نقول عدائية. وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء.. إلى أواخر عقد السبعينات من القرن الماضي، أيام «تصدير الثورة»، نجد أن رد الفعل الطبيعي كان التصدي الدفاعي لذلك النهج «التوسعي». وكان خط الدفاع الأول في تلك الحقبة عراق صدام حسين الذي خاض حربا مكلفة بشريا واقتصاديا وسياسيا ومذهبيا... ما زلنا جميعا ندفع فواتيرها حتى اليوم.
ونتذكر أيضا مع تلك التجربة السقوط العملي لشعارات عداء الثورة الإسلامية لإسرائيل مع صفقة «إيران كونترا»، واستمرارها وتصاعدها خطابة وترويجا. وبالنتيجة، بعدما تجرع آية الله الخميني «كأس السم» - وفق تعبيره - لدى توقيعه اتفاق السلام مع العراق عام 1988، عكفت القيادة الإيرانية على اعتماد سياسة أكثر حصافة وذكاء مع محيطها «السني» المستنفر، في العالم العربي وكذلك في أفغانستان وباكستان.
وكانت قمة نجاحات القيادة الإيرانية إبان عهد الرئيس «الإصلاحي» محمد خاتمي (1997 - 2005) عندما كفلت إيران «المعتدلة» وضع العراق في قلب عاصفة انتقام واشنطن من اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ثم السكوت الراضي عن غزو العراق عام 2003، ومن ثم إعدام عدوها اللدود صدام حسين. وكذلك نجاحها في تسريع إيقاع برنامجها النووي بينما كانت واشنطن منشغلة بـ«تجفيف منابع الإرهاب» في أفغانستان و«اجتثاث البعث» في العراق.
تولي المحافظ المتشدد أحمدي نجاد الرئاسة، برضا المرشد علي خامنئي ورعايته ودعم «الحرس الثوري» (الباسدران)، وخطابه السياسي الاستفزازي، أعادا إيران إلى دائرة العداء الأميركي، لكنهما مكنا موقعها الجيو - سياسي في ما سمته، ولا تزال، مشروع «المقاومة» الذي شمل وضعها كلا من لبنان وسوريا والعراق تحت المظلة الإيرانية. وغدا قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري»، من أهم شخصيات المنطقة.
واليوم، بعد ثماني سنوات من التيه و«الانتفاضة الخضراء»، تعود إيران المرشد الأعلى - الذي لم يتغير - بوجه رئاسي جديد معتدل يبيع الغرب سلعة الاعتدال الرائجة بعد فرض أمر واقع على المنطقة العربية بالتعاون مع موسكو، وبصمت مدو من إسرائيل.
أخيرا، ماذا عن المجتمع الدولي؟
اليوم، يقف حسن روحاني في نيويورك ليخاطب مجتمعا دوليا ميالا جدا إلى حسن الظن به، وتبني منظوره لطي الصفحة، وبناء حقبة جديدة من التعاون البناء. اليوم جاء الدور على العالم العربي لأن «يتجرّع السُّم» من إدارة أميركية خذلت الشعب السوري، ومن قبله الشعب الفلسطيني، وأرسلت الإشارات الخاطئة إلى كل اللاعبين الإقليميين في الشرق الأوسط.
أهل السياسة في العالم العربي والمجتمع الدولي يعلمون جيدا أن صاحب القرار السياسي الحقيقي في طهران ما زال المرشد الأعلى علي خامنئي. وما زال مشروع «دولة الولي الفقيه» ماضيا قدما تحت شعارات «المقاومة» التي فقدت عند كثيرين معناها. أما التغيير في موقع الرئاسة، فإنه مجرد مرحلة انتقالية شكلية لالتقاط الأنفاس وانتهاز الفرصة.
أما لإخواننا وجيراننا في إيران، فأقول إن قدرنا ليس بالضرورة العداوة الدائمة... بل التفهم الدائم. والعالم العربي يرتاح أكثر إذا كان الشعب الإيراني مرتاحا، ويقلق أكثر إذا حكم إيران متطرفون مغامرون معادون لكل من حولهم.
نحن العرب، إذا كنا متخوّفين اليوم من التقارب الإيراني - الأميركي، فلأنه يأتي على حساب الشعب السوري الذي يقتله بشار الأسد، والشعبين العراقي واللبناني اللذين يصادر قرارهما الحر نظام نوري المالكي وحزب الله... المقاوم سابقا. في حين أنه إذا ما تفهّمت طهران مخاوفنا لتمكن الجميع من الانطلاق في بداية جديدة خالية من التوتر والشك والاحقاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق