بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

المعادلة السياسية في كردستان -شيرزاد شيخاني

إتفقت آراء معظم القيادات السياسية في كردستان على أن الانتخابات البرلمانية التي انتهت عصر السبت الماضي ستكون مصيرية وحاسمة بالنسبة لجميع القوى السياسية بما فيها الأحزاب التقليدية التي ساهم بعضها في مسيرة الكفاح القومي بجبال كردستان. وصدقت التوقعات حين أفرزت النتائج الأولية للانتخابات حقائق جديدة بالمعادلة السياسية القائمة منذ أكثر من ستة عقود في كردستان، التي كانت تقوم على أساس تقاسم النفوذ والسلطة بين الحزبين الرئيسن الإتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني منذ انتفاضة عام 1991.

فقد عززت حركة التغيير المعارضة وجودها على الساحة السياسية، وكانت المفاجأة الكبرى في الانتخابات هي احتلال حركة التغيير المرتبة الثانية في أربيل التي تعتبر معقلا تقليديا للحزبين، ولكن هذه المرة أزاحت الحركة خصمها التقليدي الإتحاد الوطني واحتلت موقعه في أربيل، مع تعزيز نفوذها بشكل أوسع في السليمانية، وهذا يعني ظهور قوة جديدة في كردستان تفوق الإتحاد الوطني بكل تاريخه النضالي الطويل، وتنافس أحد أعرق الأحزاب الكـردية وهو حزب بارزاني.
إن الدعم الشعبي لقائمة التغيير بهذه الانتخابات أكد حقيقة مفادها أن الشعب الكردي حاله حال الشعوب الأخرى في بلدان الربيع العربي التي حكمتها الدكتاتوريات المستبدة، بدأ يشعر بالحاجة الى التغيير، ولكنه تميز عنهم بإجراء التغيير بعيدا عن شرور القتال والمواجهة مع السلطة، فقد فعل ذلك بشكل حضاري عبر صناديق الاقتراع التي ينصاع لها الجميع وهم صاغرون، فلا أحد فوق إرادة الشعب، وعلى الكل أن يحترم رغبة شعبه، بعد أن ولى زمن الانقلابات البيضاء والحمراء وأصبحت صناديق الانتخابات هي المعيار والفيصل.
السؤال الآن، ماذا سيكون مصير عشرات الأحزاب التي فشلت في تحقيق أية نتائج مهمة أو حتى متواضعة في مجمل الانتخابات السابقة؟.
أولا لا بد من الاعتراف بأن القبول بمبدأ الديمقراطية يحتم علينا بالمقابل أن نحترم وجود التعددية السياسية. وفي كردستان حرية النشاط السياسي مكفولة بالقانون والدستور العراقي، لذلك لا أحد يستطيع أن يمنع أي حزب يفشل بالانتخابات من ممارسة نشاطه السياسي، ولكن بالمقابل ألا يفترض بجيش من الأحزاب المعارضة التي تخوض الانتخابات الحرة منذ عام 1991 في كردستان أن تراجع نفسها، وأن تعيد النظر بإيديولوجياتها لكي تستطيع أن تحظى ولو ببعض الشعبية التي تؤهلها لدخول مراكز القرار السياسي؟، وهل يفترض أن تنتظر هذه الأحزاب المعارضة لعقود أخرى حتى تنجح بدخول البرلمان؟.
أعتقد بأن أي حزب إذا لم يقرأ واقع شعبه ويتعرف على همومه واهتماماته ومطالبه لن يكون قادرا على تمثيله، فلو أخذنا – كمثال – الأحزاب الشيوعية التي فشلت بعد انهيار الإتحاد السوفيتي السابق من تحقيق أية مكاسب في معظم البلدان التي رزحت تحت الحكم الشيوعي لعقود طويلة، فاننا سنجد بأن هذه الأحزاب لا تزال أسيرة إيديولوجيا لفظتها الشعوب حتى في البلدان التي صنعت تلك الإيديولوجيا. وهكذا الأمر بالنسبة للأحزاب القومية والعنصرية بما فيها الأحزاب القومية الكردية. والبديل كما ظهر من خلال تجربة حركة التغيير التي لامست هموم المواطنين في كردستان خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهو الحزب المدني غير المسلح، ذو التوجهات الليبرالية والديمقراطية البعيدة عن بيع الشعارات الفارغة والتعصب القومي والفكري، فهذا هو التيار السائد حاليا في معظم بلدان الشرق الأوسط، حيث أن الأحزاب العنصرية والقومية المتطرفة التي ترفع شعار الوحدة العربية والأمة ذات الرسالة الخالدة قد سارت نحو المتاحف يلف الغبار أفكارها المتعفنة التي قدمت الشعوب أنهارا من الدماء للدفاع عنها من دون أن تجني شيئا منها سوى الخراب والدمار وآثار الحروب.
الإنتخابات الأخيرة في كردستان تستدعي جميع الأحزاب التي فشلت في الحصول على الدعم الشعبي لوقفة ومراجعة شاملة، لكي تستكشف الأسباب الحقيقية في نفور الجماهير منها، وعليها أن تتحلى بشيء من الشجاعة لحفظ ماء وجوهها، فأما التسليم بالهزيمة المرة التي تتكرر منذ أكثر من ثلاثين سنة، وأما تغيير نهجهم وفكرهم وإيديولوجياتهم، فلا مكان للأفكار القديمة عند جيل الموبايل والجات وفضائيات الغنوة والأغاني والميلودي بأشكالها وأنواعها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق