بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

ماذا يفعل الفقر بدماغ الفقير؟-مجلة أتلانتك الأميركية


إن قدرة العقل البشري على أداء عدة أعمال في وقت واحد محدودة. ربما تكون قد خبرت هذا من قبل، فمثلا عندما تكون مستغرقا في التركيز لحل مشكلة جهاز مكسور تهمل على الأرجح مهمات أخرى مثل جلب ابنك من المدرسة، ولهذا السبب أيضا يكون السائقون في أسوأ أدائهم وهم يستخدمون الهواتف النقالة، وكذلك يركز مراقبو النقل الجوي على تجنب اصطدام محتمل في الجو اكثر مما يولون اهتماما للطائرات المحلقة الأخرى. 

هذا الفهم لقدرة الدماغ يمكن أن يغير بشكل جذري الطريقة التي نفكر فيها بخصوص الفقر. نشر عدد من العلماء بعض الاكتشافات الجديدة في مجلة ساينس تدفع الى الاستنتاج بأن الفقر يسلط قدرا هائلا من الضغط على الفقراء بحيث لا يبقى لديهم سوى قدرة ذهنية ضئيلة لفعل عدة أشياء ترفعهم من وهدة الفقر، مثل الذهاب الى المدرسة، أو البحث عن وظيفة جديدة، أو دفع الفواتير في الوقت المناسب. 

خسارة 13 نقطة
وثبت في سلسلة من التجارب، أجراها باحثون من جامعات برنستون وهارفارد وواروك، أن ذوي الدخل الواطئ الذين يعطون الأولوية للتفكير في المشاكل المالية كان أداؤهم ضعيفا في سلسلة من الاختبارات، إذ يرهقهم عبء ذهني معادل لخسارة ليلة كاملة من النوم، وبعبارة أخرى يفرض الفقر عبئا ذهنيا مماثلا لفقدان 13 نقطة من معدل الذكاء، أو مقارب للفرق الإدراكي بين البالغين من المدمنين على شرب الخمر وغير المدمنين.
يضعف هذا الاكتشاف موقف النظرية القائلة بأن الفقراء مسؤولون عن فقرهم، لضعف موروث، أو يتوجب عليهم أن يعينوا أنفسهم للتخلص من الفقر ببذل جهد كاف. حيث يؤكد البحث أن واقع الفقر يجعل ممارسة مهارات حياتية أساسية أصعب من الناحية الفعلية، وكما يكتب الباحثون فإن كون الوسائل المتوفرة فقيرة "ليس في مواجهة نقص في المال فقط بل وفي نقص متزامن في الوسائل الادراكية أيضا". هذا يوضح مثلا لماذا الفقراء الذين لا يملكون المال الكافي قد يكافحون أيضا ليكونوا آباء صالحين، فالمشكلتان ليستا منفصلتين. 
يقول إيلدار شافير وهو أحد واضعي الدراسة، أن فقراء الناس يعيشون في حالة من الشحة دائمة (وفي هذه الحالة شحة في القدرة الذهنية على التصرف).
إن الذي عينه شافير وزملاؤه ليس هو الإجهاد بالضبط، بل أن الفقر يفرض على الناس شيئا آخر يعوقهم حتى عندما لا تكون موجودة علامات بايولوجية للإجهاد (مثل ارتفاع معدل ضربات القلب وضغط الدم). يمكن للإجهاد أيضا أن يؤثر فينا إيجابيا بكميات قليلة، فالرياضي مثلا قد يقدم أداء أفضل تحت الاجهاد. يتبع الاجهاد نوعا من منحنى كلاسيكي هو أن القليل منه يساعدنا ولكن إذا تعدى نقطة معينة فإنه يؤذينا. 

ارتباك الذهن
هذه الصورة للقدرة المعرفية العملية تبدو مختلفة، وقد نفذ الباحثون مجموعتين من الاختبارات. تضمنت سؤال 400 شخص تم اختيارهم عشوائيا في نيو جيرسي، وكان السؤال عن رد فعلهم إذا تطلب إصلاح سيارة مبلغا قدره 150 دولارا أو 1500 دولار، فهل سيدفعون المبلغ كله أو يحصلون على قرض أو يؤجلون التصليح؟ وكان الدخل السنوي للأشخاص بين 20 ألفا و70 ألف دولار. وقبل الاجابة أعطي الاشخاص سلسلة من الاختبارات العامة (التعرف على أشكال وأرقام مثلا) تقيس الوظيفة الادراكية وسرعة البديهة. ففي حالة التكلفة الواطئة كان أداء الفقراء والاغنياء على السواء جيدا ولكن في حالة التكلفة العالية كان أداء الفقراء سيئا، فمجرد وضعهم أمام موقف صعب مفترض أربك قدرتهم الذهنية، مع أنهم ليسوا في فقر شديد.
في اختبار ثان وجد الباحثون نتائج مماثلة عندما عملوا مع مزارعين في الهند يواجهون دورة سنوية من الفقر والرخاء، يستلمون 60 بالمئة من دخلهم السنوي دفعة واحدة بعد حصاد قصب السكر، هم فقراء أساسا ولكنهم ليسوا كذلك لفترة قصيرة، ومع ذلك فهم يبدون نفس النقص في القدرة على التصرف كالتي أبداها نظراؤهم في نيوجيرسي. ليست هذه الاختبارات جديدة ولكنها جعلتنا نفهم الارتباط بين الادراك والفقر، فعلماء النفس نادرا ما درسوا الفوارق بين قطاعات الناس الاجتماعية-الاقتصادية من الناحية الادراكية.
يقول شافير: "عندما تكون قدرتك على التصرف واقعة تحت ضغط ذهني، فمن المرجح ستفوتك ملاحظة أشياء، ولا تقاوم ما يتطلب مقاومته، وتكون أقل صبرا، وأقل انتباها لرعاية أطفالك". 
هذا يعني إجمالا أننا نفقد كمية كبيرة من قدرتنا الادراكية خلال الركود لدرجة إهمال أنفسنا بحيث لا نتناول دواءنا مثلا، وبالمقابل فإن هذا يعني أن برامج مكافحة الفقر تساعد الناس على أن يكونوا أكثر استقرارا ماليا، وتحرر بهذا مواردهم الادراكية لينجحوا في معالجة مشاكلهم.
من السهل علينا بالنتيجة تصور أن أنصار الحجج المبتذلة يمكن أن يلووا العلاقة الأساسية بين السبب والنتيجة هنا بقولهم: "إذا كان العيش في فقر معادل لخسارة 13 نقطة من معدل الذكاء ألا يعني هذا أن أناسا بمعدل ذكاء أقل ينتهي بهم الأمر تلقائيا الى الفقر؟". 
يقول شافير: "العلم كله يقف الى جانب التفسير المعاكس. كل المعطيات تظهر أن الأمر لا يتعلق بأناس فقراء بل بأناس في حالة فقر. كل المعطيات تؤكد أن السبب ليس الشخص بل السياق الذي وجد نفسه فيه". 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق