بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 سبتمبر 2013

عنف «الإخوان» يستدعي عسكرة الحكم في مصر صلاح سالم


محمد مرسي يتوسط سعد الكتاتني وعصام العريان (أ ب)
في عام 2011، كانت مصر تعيش فى ظل نظام حكم استبدادي بلغ من الهشاشة حد فقدان القدرة على التصور، يعيش زمانه كعامل أجير باليومية، استناداً إلى حزب من أصحاب المصالح، ضخم الحجم ولكن مفرغ من داخله، مثل جسد رجل سمين مليء بالشحوم وبلا عضلات، لذا فقد تناثر فى الهواء عندما ثار عليه الناس، إذ لم يكن لدى أي من أعضائه قيمة يعتنقها أو هدف يدافع عنه. وعبر مساومات ومراوغات بين الأطراف الرئيسية النازعة لوراثته: الجيش، والقوى الثورية، وجماعة الإخوان المسلمين، تمكنت الأخيرة من فرض أجندتها، فاستولت على الحكم في ظل تعثر الآخرين وارتباكهم.

كان ممكناً أن يكون صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم مصر تجربة ثرية ومفيدة، وأن يكون خروجها منه تجربة مؤلمة ولكن ملهمة، تمنح الخبرة وتؤسس للمستقبل، لكن جشعها المفرط ورغبتها العارمة فى الإستحواذ جعلا هبوطها كارثياً، محض صدام يثير الغبار ويفجر البراكين ويوقع الدماء على النحو المشهود، فالبادي أنها واجهت احتمالاً لم تفكر فيه أو تتحسب له، ناهيك عن مواجهته بهذه السرعة، على نحو أصابها بجنون سياسي ونزوع عدمي تبدى فى محاولة حرق مصر، بحسب الخيار الشمشونى المعروف.
كان أحد الأسباب المهمة لجنون الجماعة ويأسها هو عدم ثقتها بالدولة، خصوصاً الفريق عبدالفتاح السيسي، بعدما التبست صورته لديها بصورة جمال عبدالناصر، الذى حل الجماعة واعتقل قادتها فى موجتين كبريين عامي 1954 و1965، صارتا من تراث المظلومية لديها. لقد رأت الجماعة فى الرجل ملامح رجل صلب أثار مخاوفها، خصوصاً مع التفاف الناس حوله، وسفور نزعته الوطنية، فبدأت تخطط للخلاص منه قبل أن يتمكن هو من التصدي لها، ليس لأنه أراد ذلك بدئياً أو خطط له، ولكن لأنه رأى سلفاً ما رآه كثيرون وهو أن مشروع الجماعة الديني الأممي يتناقض مع مشروع الدولة المصرية، الوطني والتحرري.
عندما أعلن السيسي خريطة الطريق بعد الخروج الكبير، بدت الجماعة غير واثقة من أنه سينفذها، وسيطر عليها هاجس عميق اعترف لي به أحد قيادات الصف الثاني، بأن الرجل يسعى بالضرورة الى الحكم، وأن تلك الخريطة ليست إلا قناعاً أو قنابل دخان سرعان ما تزول وتبقى الحقيقة المؤكدة وهى أن الرجل هو رئيس مصر القادم، وأنه سيفتك بالجماعة ويقصيها من المشهد برمته. كانت تلك محض هواجس لا توجد عليها شواهد حقيقية يمكن الإرتكان إليها، لكنها كانت من القوة والعمق، في ما يبدو، إلى حد التحكم فى قيادات الجماعة كلها على نحو وشت به الأحداث. وفى اعتقادي الشخصي أن الرجل لم يكن متعجلاً الحكم، وأنه لم يزل حريصاً على إدارة رشيدة وعادلة لخريطة الطريق وتسليم الحكم إلى رئيس مدنى منتخب على نحو يجعل منه فى كل الأحوال (رجل الأمة) وزعيمها الحقيقي من دون أن تترجم تلك الزعامة، بالضرورة، في رئاسة سياسية (الآن)، فبعد العبور الناجح، كان الوقت ممتداً للتفكير والفرصة سانحة، إذا ما أراد، فى الوقت المناسب.

تعطيل الحياة
غير أن كل ما جرى بعد الثالث من تموز (يوليو) الماضي من مظاهر رفض الجماعة للواقع الجديد، وأشكال الاعتراض المتشنجة، وصولاً إلى اعتصامي رابعة والنهضة اللذين أرادت الجماعة بهما تعطيل حركة الحياة فى مصر، وشل قدرة الحكومة الإنتقالية عن تطبيق خريطة الطريق الموضوعة، انتهاء بممارسة العنف بعد فض الإعتصام، ربما تدفع بمصر نحو مسار آخر، ينتهى باعتلاء الرجل الحكم، باعتباره الرجل القوي القادر وحده على السيطرة على الأوضاع، وإعادة الأمور إلى نصابها سواء كان ذلك فى ظرف دراماتيكي ينجم عن تصاعد مفرط للعنف يجعل سيناريو الحكم العسكري المباشر وما يقتضيه من سوء السمعة الدولية أقل تكلفة من سيناريو تفكك الدولة، أو كان عبر طريق الإنتخاب الديموقراطي في الإستحقاق الرئاسي القادم، وهو المسار الذى صار كثيرون فى مصر يدفعون الرجل إليه.
وهنا نلمس لدى الجماعة ما يمكن تسميته بـ «الخوف المحقق لذاته»، على غرار التنبؤ المحقق لذاته، فالهدف الذي ربما كان مؤجلاً لدى الرجل يتم التسريع به، وما يدفع نحوه هو الطرف الخائف منه وليس الطرف الذي يريده، لأنه تصرف وكأنه حقيقة محسومة، فقادت تصرفاته إلى التشويش على الخريطة الموضوعة، وإلى تأزيم الموقف إلى الحد الذى يتطلب سياسات استثنائية، ويستدعي قيادة كارزمية، وإذا كانت تلك السياسة الاستثنائية تبدت حتى الأن فى استعادة العمل بقانون الطوارىء، فإن القيادة الكارزمية لا تجد تجسيداً سوى الجنرال القوي، الذي حاولت الجماعة التصدي له، فقدمت مبررات استدعائه على عجل، وهنا تكون الجماعة ارتكبت، من جديد، الخطأ التاريخي نفسه، وهو الدفع باتجاه الإنسداد السياسي فى الشارع المصري عبر صناعة أزمات وصوغ تحديات تجعل من حضور القيادات أولى من تنمية المؤسسات وتعميق الحريات، فالجنرال القوي سيأتي مكللاً بسحر الكاريزما الذي يضفي على السلطة رونقاً، ويمنحها قداسة تعفي صاحبها من المسؤولية، وتريحه من الحساب، فمن من الجماهير يحاسب محبوب الجماهير، ومن من الشعب يراقب روح الشعب، ومن من الأمة يراجع رجل الأمة!.
ولكن، هل ترتكب الدولة المصرية الخطأ نفسه، وهو الإستجابة للضغط الإخوانى بالتراجع إلى الخلف، والتكيف مع حال الإنسداد بتأجيل الإستحقاقات إلى وقت آخر قد يطول انتظاره، وظروف أخرى قد يتعثر نضوجها؟ إن فعلت ذلك تكون قد تعاضدت مع الجماعة ضد الوطن، وأجلت موجة تحرر تاريخية بفعل ضغوط وقتية، ما يعني الإستسلام للجمود، وتعاظم الأثمان المطلوبة لهذا التحرر نفسه مستقبلاً. ولذا، يتعين عليها إنفاذ إرادتها، والسير على خريطة الطريق بإصرار بل تسريعها إن أمكن بحيث تصبح الأولوية للإنتخابات الرئاسية طلباً لقيادة مدنية منتخبة تحسم الأمر قبل إجراء انتخابات برلمانية يشارك فيها الجميع، حتى أعضاء الجماعة وأنصارها غير المتهمين قانونياً، ليصيبوا من مقاعد البرلمان ما يستحقون، ومن الحكومة ما يستطيعون، تحت سلطة أجهزة الدولة المدنية وفى ظل هيبتها.
ففي هذه المشاركة الواقعية، وعبر تلك الممارسة التعددية، تكون الجماعة قد وقعت على صك استسلامها للدولة، أو بالأحرى تكيفت مع منطقها، الأمر الذى يقتضي تأجيل اللقاء المؤكد بين قيادة السيسي والدولة المصرية لزمن معقول، ليأتي على أرضية أكثر تحررية وأقل استبدادية فلا تعود مصر بعد ستة عقود الى الدوران فى الفلك نفسه الذي سارت فيه إبان الخمسينات، ولا يكرر التاريخ نفسه، ولا تقع مصر في أسر المأساة أو في غواية الملهاة.


 


في عام 2011، كانت مصر تعيش فى ظل نظام حكم استبدادي بلغ من الهشاشة حد فقدان القدرة على التصور، يعيش زمانه كعامل أجير باليومية، استناداً إلى حزب من أصحاب المصالح، ضخم الحجم ولكن مفرغ من داخله، مثل جسد رجل سمين مليء بالشحوم وبلا عضلات، لذا فقد تناثر فى الهواء عندما ثار عليه الناس، إذ لم يكن لدى أي من أعضائه قيمة يعتنقها أو هدف يدافع عنه. وعبر مساومات ومراوغات بين الأطراف الرئيسية النازعة لوراثته: الجيش، والقوى الثورية، وجماعة الإخوان المسلمين، تمكنت الأخيرة من فرض أجندتها، فاستولت على الحكم في ظل تعثر الآخرين وارتباكهم.

كان ممكناً أن يكون صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم مصر تجربة ثرية ومفيدة، وأن يكون خروجها منه تجربة مؤلمة ولكن ملهمة، تمنح الخبرة وتؤسس للمستقبل، لكن جشعها المفرط ورغبتها العارمة فى الإستحواذ جعلا هبوطها كارثياً، محض صدام يثير الغبار ويفجر البراكين ويوقع الدماء على النحو المشهود، فالبادي أنها واجهت احتمالاً لم تفكر فيه أو تتحسب له، ناهيك عن مواجهته بهذه السرعة، على نحو أصابها بجنون سياسي ونزوع عدمي تبدى فى محاولة حرق مصر، بحسب الخيار الشمشونى المعروف.
كان أحد الأسباب المهمة لجنون الجماعة ويأسها هو عدم ثقتها بالدولة، خصوصاً الفريق عبدالفتاح السيسي، بعدما التبست صورته لديها بصورة جمال عبدالناصر، الذى حل الجماعة واعتقل قادتها فى موجتين كبريين عامي 1954 و1965، صارتا من تراث المظلومية لديها. لقد رأت الجماعة فى الرجل ملامح رجل صلب أثار مخاوفها، خصوصاً مع التفاف الناس حوله، وسفور نزعته الوطنية، فبدأت تخطط للخلاص منه قبل أن يتمكن هو من التصدي لها، ليس لأنه أراد ذلك بدئياً أو خطط له، ولكن لأنه رأى سلفاً ما رآه كثيرون وهو أن مشروع الجماعة الديني الأممي يتناقض مع مشروع الدولة المصرية، الوطني والتحرري.
عندما أعلن السيسي خريطة الطريق بعد الخروج الكبير، بدت الجماعة غير واثقة من أنه سينفذها، وسيطر عليها هاجس عميق اعترف لي به أحد قيادات الصف الثاني، بأن الرجل يسعى بالضرورة الى الحكم، وأن تلك الخريطة ليست إلا قناعاً أو قنابل دخان سرعان ما تزول وتبقى الحقيقة المؤكدة وهى أن الرجل هو رئيس مصر القادم، وأنه سيفتك بالجماعة ويقصيها من المشهد برمته. كانت تلك محض هواجس لا توجد عليها شواهد حقيقية يمكن الإرتكان إليها، لكنها كانت من القوة والعمق، في ما يبدو، إلى حد التحكم فى قيادات الجماعة كلها على نحو وشت به الأحداث. وفى اعتقادي الشخصي أن الرجل لم يكن متعجلاً الحكم، وأنه لم يزل حريصاً على إدارة رشيدة وعادلة لخريطة الطريق وتسليم الحكم إلى رئيس مدنى منتخب على نحو يجعل منه فى كل الأحوال (رجل الأمة) وزعيمها الحقيقي من دون أن تترجم تلك الزعامة، بالضرورة، في رئاسة سياسية (الآن)، فبعد العبور الناجح، كان الوقت ممتداً للتفكير والفرصة سانحة، إذا ما أراد، فى الوقت المناسب.

تعطيل الحياة
غير أن كل ما جرى بعد الثالث من تموز (يوليو) الماضي من مظاهر رفض الجماعة للواقع الجديد، وأشكال الاعتراض المتشنجة، وصولاً إلى اعتصامي رابعة والنهضة اللذين أرادت الجماعة بهما تعطيل حركة الحياة فى مصر، وشل قدرة الحكومة الإنتقالية عن تطبيق خريطة الطريق الموضوعة، انتهاء بممارسة العنف بعد فض الإعتصام، ربما تدفع بمصر نحو مسار آخر، ينتهى باعتلاء الرجل الحكم، باعتباره الرجل القوي القادر وحده على السيطرة على الأوضاع، وإعادة الأمور إلى نصابها سواء كان ذلك فى ظرف دراماتيكي ينجم عن تصاعد مفرط للعنف يجعل سيناريو الحكم العسكري المباشر وما يقتضيه من سوء السمعة الدولية أقل تكلفة من سيناريو تفكك الدولة، أو كان عبر طريق الإنتخاب الديموقراطي في الإستحقاق الرئاسي القادم، وهو المسار الذى صار كثيرون فى مصر يدفعون الرجل إليه.
وهنا نلمس لدى الجماعة ما يمكن تسميته بـ «الخوف المحقق لذاته»، على غرار التنبؤ المحقق لذاته، فالهدف الذي ربما كان مؤجلاً لدى الرجل يتم التسريع به، وما يدفع نحوه هو الطرف الخائف منه وليس الطرف الذي يريده، لأنه تصرف وكأنه حقيقة محسومة، فقادت تصرفاته إلى التشويش على الخريطة الموضوعة، وإلى تأزيم الموقف إلى الحد الذى يتطلب سياسات استثنائية، ويستدعي قيادة كارزمية، وإذا كانت تلك السياسة الاستثنائية تبدت حتى الأن فى استعادة العمل بقانون الطوارىء، فإن القيادة الكارزمية لا تجد تجسيداً سوى الجنرال القوي، الذي حاولت الجماعة التصدي له، فقدمت مبررات استدعائه على عجل، وهنا تكون الجماعة ارتكبت، من جديد، الخطأ التاريخي نفسه، وهو الدفع باتجاه الإنسداد السياسي فى الشارع المصري عبر صناعة أزمات وصوغ تحديات تجعل من حضور القيادات أولى من تنمية المؤسسات وتعميق الحريات، فالجنرال القوي سيأتي مكللاً بسحر الكاريزما الذي يضفي على السلطة رونقاً، ويمنحها قداسة تعفي صاحبها من المسؤولية، وتريحه من الحساب، فمن من الجماهير يحاسب محبوب الجماهير، ومن من الشعب يراقب روح الشعب، ومن من الأمة يراجع رجل الأمة!.
ولكن، هل ترتكب الدولة المصرية الخطأ نفسه، وهو الإستجابة للضغط الإخوانى بالتراجع إلى الخلف، والتكيف مع حال الإنسداد بتأجيل الإستحقاقات إلى وقت آخر قد يطول انتظاره، وظروف أخرى قد يتعثر نضوجها؟ إن فعلت ذلك تكون قد تعاضدت مع الجماعة ضد الوطن، وأجلت موجة تحرر تاريخية بفعل ضغوط وقتية، ما يعني الإستسلام للجمود، وتعاظم الأثمان المطلوبة لهذا التحرر نفسه مستقبلاً. ولذا، يتعين عليها إنفاذ إرادتها، والسير على خريطة الطريق بإصرار بل تسريعها إن أمكن بحيث تصبح الأولوية للإنتخابات الرئاسية طلباً لقيادة مدنية منتخبة تحسم الأمر قبل إجراء انتخابات برلمانية يشارك فيها الجميع، حتى أعضاء الجماعة وأنصارها غير المتهمين قانونياً، ليصيبوا من مقاعد البرلمان ما يستحقون، ومن الحكومة ما يستطيعون، تحت سلطة أجهزة الدولة المدنية وفى ظل هيبتها.
ففي هذه المشاركة الواقعية، وعبر تلك الممارسة التعددية، تكون الجماعة قد وقعت على صك استسلامها للدولة، أو بالأحرى تكيفت مع منطقها، الأمر الذى يقتضي تأجيل اللقاء المؤكد بين قيادة السيسي والدولة المصرية لزمن معقول، ليأتي على أرضية أكثر تحررية وأقل استبدادية فلا تعود مصر بعد ستة عقود الى الدوران فى الفلك نفسه الذي سارت فيه إبان الخمسينات، ولا يكرر التاريخ نفسه، ولا تقع مصر في أسر المأساة أو في غواية الملهاة.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق