بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

الاردن: دولة مواطنة أم رعايا ؟ بسام البدارين



كنت برفقة مسؤولين في الحكومة الأردنية على عشاء شعبي وقبلهما برفقة رئيس الوزراء على عشاء من فئة النجوم الخمسة.
الطبق الرئيسي في الحوار خلال اللقاءين كان محاولة البحث عن إجابة منطقية أو علمية على السؤال التالي : على ماذا تراهن حكومة الرئيس عبدلله النسور وهي ترفع سلسلة طويلة من الضرائب تشمل الخدمات والسلع؟.
وجهة نظري كانت بسيطة وتتمثل في الرهان على أن الشعب الأردني سيواصل عملية الصبر المرهقة وبأن الحكومة بلا مطبخ سياسي حقيقي يقدر أو يدرس مستوى الإحتقانات الناتجة عن رفع الأسعار أو المساس مجددا ودائما بجيب المواطن.
على هذا الأساس ولدت نكتة أن النسور يفكر برفع الآذان أيضا فقد رفعت أسعار المياه والكهرباء وفرضت ضريبة جديدة على الإتصالات وعلى الملابس وتفكر الحكومة جديا بآلية مختلفة لتسعير الخبز.
في دوائر القرار نستمع يوميا لمقولة تتحدث عن ضرورة التخلص من {الدولة الرعوية} لكن القوم في طوابق القرار يرددون ذلك مع شرطين واضحين هما الإتجاه نحو الأمر فورا وليس بالتدريج ودفعة واحدة على طريقة الصدمة الكهربائية إضافة لعدم تقديم تنازلات من أي وزن على صعيد الإصلاح السياسي أو الحريات السياسية للرعايا الذين ينبغي تحويلهم فجأة إلى {مواطنين}.
معنى ذلك بسيط ويقود إلى الإستنتاج التالي: دوائر القرار لا تريد مغادرة منهجية الدولة الأب الرعوية سياسيا وتسعى لمغادرتها إقتصاديا فقط عندما يتعلق الأمر بالمواطنين .
وحده الملك شخصيا يطرح خطابا مستنيرا في هذا الإتجاه تعاكسه النخبة والمؤسسة البيروقراطية .
الدول التي تغادر الرعوية تفعل ذلك وهي تؤسس قيمة المواطنة وتعتمد على معادلة {الخدمات والضريبة} فمن يدفع ضرائبه يحصل على حقوقه وخدماته وهذه معادلة صعبة وشبه مستحيلة من الواضح أن مؤسسات النظام غير مستعدة لها حتى اللحظة.
بالتالي ما تفعله الحكومة هو ببساطة رفع الأسعار والضرائب دون أي ضمانات تتعلق بـ{المواطنة} بسبب حساسية مسألة المواطنة سياسيا وأمنيا وديمغرافيا مما يحيل الخطاب الرسمي بالخصوص إلى كذبة جديدة تضاف إلى جيل من التضليل و{تمزيط} الكلام على حد تعبير الراحل الكبير جمعة حماد رحمه الله.
سمعت شخصيا من مدير مكتب الملك الحالي الدكتور عماد فاخوري عندما كان وزيرا لتطوير القطاع العام كلاما جميلا عن ضرورة الوصول إلى معادلة الضريبة والخدمة لكن الفاخوري لم يطبق ولم يسع لتطبيق المنهجيات التي تقوم على هذا الأساس عندما ارتفع بالمنصب ووصل الدائرة الضيقة للقرار.
آنذاك قال لي الفاخوري حرفيا : ما يرد الخزينة من بند الضرائب فقط يساوي تقريبا ما تنفقه الخزينة على بند الرواتب فقط.
معنى ذلك البسيط أقره الفاخوري وقتها بالمناسبة- حيث لا توجد مساواة ولا عدل بالكثير من القطاعات في البلاد ..بمعنى لا توجد مواطنة حقيقية خصوصا في قطاع التوظيف فالدافعون للضرائب في مجملهم غير ممثلين في قطاع صناعة القرار لا على مستوى قانون الإنتخاب ولا على مستوى الدوائر الإنتخابية .
الحديث عن هذا الموضوع يضع صاحبه في دائرة القصف الكلاسيكية لكل التهم المعلبة المعنية بالمشروع الصهيوني ومشتقاته .
الجميع في الأردن يعرف هذا الواضع وعند الإستفسار عنه يقال بأن المسألة معقدة ولن ينصلح حالها إلى حين حسم الصراع العربي الإسرائيلي.
المعنى أن منهجية المواطنة ستبقى بعيدة وأقرب إلى الحلم إلى أن تحل قضيةفلسطين..سؤال بناء على ذلك: ما دامت غرفة القرار قد أقرت بأن المواطنة بعيدة المنال فكيف ستنتهج سياسة التخلص من الدولة الرعوية عبر الإصرار على رفع الدعم والأسعار والخدمات على المواطنين؟.
الدولة الرعوية علبة تستوطن في عقل البيروقراط ومن الواضح أن فرضها دفعة واحدة وبالجملة وبهذا الإيقاع المتسارع ودون العمل على تشكيل وعي إجتماعي بخطورتها سيقود البلاد والعباد إلى حالة من الفوضى وعدم الإستقرار وبتقديري الشخصي لا يمكن بحال من الأحوال التخلص فعلا من النظام الرعوي بدون تكريس نظام المواطنة.
رئيس الوزراء لديه تفسير لسبب التسارع في إنتاج واقع يغير هوية وشكل العلاقة بين الدولة والمواطنين وقد إستمعت له شخصيا عدة مرات .
وجهة نظر عبدلله النسور أن الحكومات المتعاقبة في الماضي سعت إلى الشعبية على حساب تكديس المشكلات وترحيلها ومواصلة مسلسل {تدليع المواطن} مع تكريس أدوات الدولة الرعوية حتى وصلت الخزينة إلى حدود الإفلاس .
النسور يقول انه صدم من حجم مشكلة العجز في الميزانية والخزينة كانت في خطر ولم يكن يتوقع أن الأمر ماليا- سيىء إلى هذا الحد خصوصا بعد إكتشاف مشكلة الغاز والطاقة والكهرباء حيث تسبب إنقطاع الغاز المصري في عهد مرسي بتراكم ديون وصلت لخمسة مليارات دولار.
لأسباب مفهومة يصر النسور على أنه لا يستطيع العودة لتقليب دفاتر الماضي وتوجيه إتهامات بالخداع والتضليل وترحيل الأزمات ضد من سبقه لهذا الموقع وكل ما يستطيع ويجب فعله اليوم هو إصلاح ما يمكن إصلاحه.
لذلك يبدو الرجل مضطرا لقرارات متسارعة إقتصاديا نتج عنها حملة شعبية مضادة تعبر عن صدمة الناس.
الوقت بإختصار وفقا لمنطق الحكومة ليس ملائما لمحاسبة أو محاكمة منهجية حكومات الماضي التي تسببت بأزمة اليوم .
وأحد الوزراء في العشاء الشعبي تحدث أمامي عن {تقصير مفزع} إكتشفه حصل في الماضي على كل الصعد فيما قال زميل له بان الشعب الأردني يريد مزايا {الإشتراكية} مع الإحتفاظ بنفس الوقت بطابع الدولة الرأسمالية في مفارقة غريبة ومقلقة.
قلت للوزيرين ولرئيسهم في المناسبتين بأن سؤال الفساد ما زال معلقا بعدما طرحته دوائر رسمية أو صديقة لمؤسسة النظام وليس الشعب واعتبرت أنه ليس من حق الحكومة الإندفاع بهذا الإيقاع المتسارع نحو إصلاحات إقتصادية صعبة ومرة وقاسية بدون إنفتاح سياسي وبدون تكريس حق المواطنة أو حتى بدون توفير أجوبة على التساؤلات المعلقة .
وجهة نظري أن المصالحة تتطلب الإنصاف والأخير يتطلب الشفافية والمصارحة بمعنى من حقي كمواطن أن أفهم خلفيات وصول الخزينة إلى هذا المستوى الضعيف وأسرار وأسباب الإنهيار الإقتصادي وان أعرف من الذي اخطأ في الماضي وكيف ولماذا؟.
المسألة لا تتعلق بفتح دفاتر عتيقة أو تعليق مشانق لكل المسؤولين السابقين الذين تسببوا بالأزمة أصلا بقدر ما تتعلق بشغف الناس للفهم وللتفسير وبدون هذه المساحة من الشفافية بالتلازم مع قواعد جديدة نظيفة للعبة لا يمكن إنجاز مصالحة وطنية حقيقية ومنتجة تدفع أي مواطن لإدراك حجم المشكلة والإستعداد بالتالي لتحمل كلفتها.
لا بد من محاكمات تقييمية شعبية عبر مصارحات حقيقية ولا نتحدث عن محاكم وقضاة ومشانق وقضبان والحكومة التي لا تريد مصارحة الشعب وإفهامه ما حصل فعلا ينبغي أن لا تتوقع من الناس الموافقة على كل ما تقرره خصوصا وان قناعة الرأي العام متكرسة بان الحل الأسهل لأي حكومة هو الإقتراب من جيب المواطن الفقير لصالح القطط السمان ورموز الفساد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق