بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 سبتمبر 2013

كهولة مبكرة -ماهر ابو طير -ماهر ابو طير

فقدت الاشياء مذاقها،واذ تذهب الى وسط البلد،تكتشف ان الدنيا تغيرت،او انك الذي كبرت في العمر،ولم تعد تشعر بذاك الشغف.
دور السينما مغلقة.امضينا دهرا هنا.والغبار والتراب على واجهاتها، فالستالايت والافلام عبر الانترنت انهت هذه الدور،التي كنا نذهب اليها،ونصفق لبطل الفيلم،برغم ان تصفيقنا له،لن يغير من سيناريو الفيلم،اذ سيفوز البطل مرة،وسيتلقى هزائم في مرات.
التصفيق هنا،فعل جماعي،لم يقنعنا باعة المشروبات الغازية في السينما بتركه والجلوس هادئين،لانه لن يغير من النتيجة على الشاشة ابدا.
المكتبات وحيدة بلا رفقة،والاكشاك تعاني من قلة الاقبال،والكتب لا يقتنيها الا جمهور محدود،وهو ذات الجمهور القديم،والاغلبية باتت تقوم بتنزيل الكتب ايضا على الاننرنت،او تشتري الكتب منسوخة ورخيصة،والمجلات العربية الشهيرة اختفت،لصالح عدد قليل من المجلات التي تبقت والتي تعاني من الاجهاد المهني والمالي،وتنقرض الواحدة تلو الاخرى،دون ان تحظى حتى بفاتحة على روحها الطاهرة او النجسة في بعضها.
مأكلك في وسط البلد،في هذا المطعم او ذاك،اختلف بحق،كنا طلبة في المدارس والجامعات اذ نفر الى وسط البلد ونتناول طعامنا،واليوم تذهب الى ذات الاماكن،واذ بها ليست ذات الاماكن التي عرفناها.
هل تغير المذاق حقا،ام ان الشيب في رؤوسنا افقدنا طعم الاشياء،ام انها الهموم سلبتنا كل مذاق،وتكاد ان تسأل عن الطاهي هل مازال هو ذات الطاهي،فتتذكر ان القصة ليست قصة الطاهي،بل قصتك انت قبله.
تعدد الخيارات في الحياة هذه الايام يفسد عليك مذاق الخيار الوحيد الذي كان سائدا آنذاك،ربما هذا هو سر المقارنات،وهي مقارنات جائرة.
وجوه الناس كئيبة،متعبة،والروح المعنوية هابطة,وذات مرة سألت صحفيا بريطانيا في البصرة يكتب تقريرا لصحيفته ويصف عبره الروح المعنوية للعراقيين بالمنخفضة جدا،حول كيفية استدلاله على ذلك وهو لم يسأل عراقيا واحدا امامي،وهل يلفق تقريره بهذه الطريقة؟!.
قال:انظر الى وجوههم،عيونهم منتفخة من التقلب في النوم،والقلق،ولم يحلقوا ذقونهم،ايضا،وقمصانهم تم كويها على عجل،وخطاهم مضطربة،ويصطدمون ببعضهم البعض في الاسواق،واحذية اغلبهم غير لامعة،والكل يفكر في شيء ما-صافنون وسارحون-ولايضعون تركيزهم على الطريق.
لا يقدر البريطاني ان يسأل عراقيا عن حالته خوفا من الامن العراقي الذي لم يكن يرحم احدا لو شكى او تذمر من حاله.
تبحث عن علامات خبرتها في وسط البلد.هنا كان العجوز الصيني بائع البخور والمسابح،وقد اختفى عند باب المسجد الحسيني،هناك بائع آخر من بخارى،انتقل الى رحمة الله،وولده لا لطف فيه،ولا رقة والولد ليس فيه من سر ابيه،هنا بائع الشماغات العم الكبير،بات مريضا،ولا ينزل الى محله.
هناك شيخ يقيم حلقة تصوف في الحسيني،لم يعد يأت ايضا،وسائق التاكسي وسط البلد يتأفف اذ تستذكر معه سيارات السرفيس المرسيدس من طراز مائة وتسعين وتصف تلك الايام  بكونها ايام بركة،فلا يفهم كلامك،اذ ان الرجل ولد بلا ذاكرة اصلا!.
ايام السرفيس وباص المؤسسة والاماني الجميلة،والاحلام التي مازالت في بدايتها ومطلع زهرها،والانثى الوادعة التي لا يقبل رجل آنذاك حشرها بين زمرة رجال في السرفيس،فيترك احدهم مكانه لها،وينزل طوعا،وعيون بقية الركاب تنحني له احتراما،على مروءته.

هرمنا،ام ان المدينة كبرت ودخلت كهولة طوعية،ولم تعد تعرف ابناءها،او ان سيل الاقدام فيها جرف كل الذكريات،فلا تعرف،لكنك تتأثر بشدة على عمان،وقلبها النابض في وسط البلد؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق