بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 سبتمبر 2013

تفاؤل أممي غير مقنع والأسد ذاهب بالشوط حتى النهاية! -صالح القلاب


رغم كل هذا الدوران في الحلقة المفرغة، ورغم كل هذه الألاعيب التي تقوم بها روسيا، مستغلة ضعف هذه الإدارة الأميركية وتردد باراك أوباما، الذي لم يعد ينكره حتى بعض العاملين في إدارته، وحتى كبار المسؤولين في كثير من دول الاتحاد الأوروبي، فإن هناك قناعة لدى بعض العاملين العرب في أُطر الأمم المتحدة بأن التسوية السياسية لأزمة هذا البلد المتفاقمة باتت قريبة، وأن الاتفاقية الأميركية - الروسية المتعلقة بالتخلص من الأسلحة الكيماوية تعد خطوة في غاية الأهمية، وأن هذه الخطوة، خلافا للأجواء السائدة الآن، ستأخذ أطراف الصراع وكل المعنيين الرئيسين إلى «جنيف 2»، وربما خلال الشهور الأخيرة من هذا العام، أو الشهور الأولى من العام المقبل. في حديث هاتفي مطول مع أحد العرب العاملين في الدائرة الدولية المكلفة بحل الأزمة السورية، قال إنه ولأول مرة منذ أن بدأ مهمته بات يشعر بالتفاؤل، وباتت تترسخ لديه قناعة بأن حل هذه الأزمة، التي غدت مستفحلة وغدت كرة تتقاذفها أقدام اللاعبين الإقليميين والدوليين، أصبحت قريبة، وأنه غدا ينطبق عليها ذلك المثل العربي القائل: «اشتدي أزمة تنفرجي»، وأن كل ما نراه الآن من شد وجذب بين الأميركيين والروس يعني أن الحلول المنشودة أصبحت قريبة وفي متناول اليد!

وإجابة عن سؤالي له عما إذا كان هذا التفاؤل، الذي ربما هو رغبة أكثر منه حقيقة ملموسة يقتصر على موضوع نزع الأسلحة الكيماوية وتدميرها، أجاب هذا المسؤول (وبثقة شعرت بأنها مهزوزة) بالقول إن هذا الموضوع جاء طارئا، ولم يكن مطروحا، في العلن على الأقل، قبل جريمة الحادي والعشرين من أغسطس (آب) الماضي، التي وصل عدد ضحاياها إلى نحو 1600 قتيل بينهم أكثر من 450 من الأطفال، وأن الأساس هو هذا الصراع الدموي الذي تجاوز كل الحدود، والذي بات يشكل تهديدا فعليا لكل الدول المحاددة والمجاورة.

ويتفق هذا المسؤول العربي مع وجهة النظر القائلة: «لقد ثبت أن مشكلة الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها نظام بشار الأسد بقيت تشكل، ومنذ بدايات انفجار الصراع همّا روسيا - أميركيا مشتركا، وأن المفاوضات بين واشنطن وموسكو حول هذه المسألة، التي لم تُدرَك خطورتها إلا بعد الـ21 من أغسطس الماضي، بقيت مستمرة على مدى العامين الماضيين، ولكنها بقيت ولا تزال تتخذ طابع المد والجزر، وهي في حقيقة الأمر جعلت الموقف الأميركي مائعا ومترددا وغير حازم ولا حاسم منذ البدايات، وكما هو عليه الوضع الآن».

ويتفق هذا المسؤول العربي مع مَن يقول إن السر في تردد الإدارة الأميركية وميوعة مواقف الرئيس باراك أوباما يكمن في أن الإسرائيليين بقوا يطرحون سؤالين مهمين؛ الأول يتعلق بمَن مِن الممكن أن يملأ الفراغ بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهل هناك ضمانات مقنعة بأن البديل لن يكون هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة المتمثلة في «النصرة» وفي «دولة العراق والشام الإسلامية»؟ والثاني يتعلق بمصير الأسلحة الكيماوية التي يقال إن هذا النظام يمتلك ألف طن منها على أقل تقدير.. وهل ستصبح هذه الأسلحة الفتاكة في أيدي رجال هذه التنظيمات الذين سيستخدمونها حتما ضد المدن الإسرائيلية؟!

وأيضا فإن هذا المسؤول الذي شارك في حفلة العناق المتبادل بين كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمسؤولين الدوليين الذين حضروا اجتماع الأميركيين والروس، الذي تكلل بالاتفاق على المشروع المتعلق بالتخلص من الأسلحة الكيماوية، يتفق مع من يقول إن تهديد الرئيس باراك أوباما بالضربة العسكرية كرد على جريمة الـ21 من أغسطس الماضي لم يكن جديا منذ البداية، وأنه في الحقيقة كان من قبيل مجرد الضغط لحمل فلاديمير بوتين على التخلي عن عناده وعن مناكفاته، والتوقيع على هذا الاتفاق المشار إليه.

وهكذا (وهذا ما قاله هذا المسؤول العربي) فإن هذه الضربة العسكرية لم تكن واردة، وهي غير واردة الآن ولا في المستقبل القريب، وبالتالي فإنها لا يمكن أن تنفذ قبل التخلص من الأسلحة الكيماوية؛ وفقا للاتفاق الأميركي - الروسي الذي دخل في أزمة الجدل العقيم الحالية بين الأميركيين والروس، والسبب هو خوف الإسرائيليين وخوف واشنطن وموسكو من استخدام هذه الأسلحة من قبل بشار الأسد، أو بعض مراكز القوى في نظامه ضد أهداف إسرائيلية استراتيجية ورئيسة!

ويبقى أنه لا بد من الإشارة إلى أن هذا المسؤول العربي يرى أنه يمكن البناء على اتفاق الأسلحة الكيماوية الأميركي - الروسي لعقد «جنيف 2»، وهو يرى أيضا أن هناك إمكانية فعلية لنجاح هذا الاجتماع، وبالتالي الاتفاق على حكومة وحدة وطنية انتقالية تتولى تسيير الأمور إلى حين تصبح هناك إمكانية لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تضع البلاد على بداية الطريق الذي سيأخذها إلى الاستقرار والوحدة الوطنية الفعلية والحقيقية، وإلى قيام دولة ديمقراطية بمواصفات دول العصر والألفية الثالثة.

ولعل ما يشير إلى أن هذا المسؤول غير متأكد من صحة ما يقوله أنه عندما سُئل عن مصير بشار الأسد.. وهل من الممكن أن يتخلى عن كل صلاحياته، خاصة ما يتعلق منها بالأمن والقوات المسلحة، ويحيلها إلى هذه الحكومة الانتقالية المقترحة، قد بدا (أي هذا المسؤول العربي) مترددا و«متلعثما» وغير حازم ولا جازم، وهذا ينطبق أيضا على رده على السؤال المهم الآخر المتعلق بما إذا كان الرئيس السوري سيتنحى فعليا بعد انتهاء مدة ولايته الحالية في يوليو (تموز) العام المقبل، أم أنه سيصر على الترشح للانتخابات الرئاسية الجديدة، بحجة أنه مواطن سوري، وأنه يحق لأي مواطن سوري الترشح وخوض معركة هذه الانتخابات.

مما لا شك فيه أن هناك مؤشرات، ولكنها غير مؤكدة ولا مضمونة على أن «جنيف 2» قد يتحول من مجرد تطلعات ضبابية إلى واقع فعلي ملموس؛ فهناك هذه الاتفاقية الأميركية - الروسية المتعلقة بتدمير الأسلحة الكيماوية السورية التي يرى البعض أن نجاحها بات مضمونا، على الرغم من كل هذه المناورات والألاعيب الروسية، وهناك أيضا ما نُسب إلى نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل، الذي صرح قبل أيام قليلة بأنه لا بد من التفاهم والتوصل إلى الحل الممكن بعد أن ثبت أنه لا توجد أي إمكانية لانتصار أي من طرفي الصراع على الآخر، وكذلك فإن هناك ما يُعد في الغرب تحديدا «صحوة» إيرانية جسدتها التصريحات التي أدلى بها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، والتي أعلن فيها «تصفير» بلاده لعدادها، وفقا لنظرية وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو؛ تلك النظرية التي فشلت فشلا ذريعا ولم يعد حتى صاحبها يأتي على ذكرها لا من قريب ولا من بعيد.

وهكذا، وبعد التحليق بالتفاؤل عاليا في ضوء ما قاله هذا المسؤول العربي الآنف الذكر، فإنه لا بد من القول إنه لا يمكن الاطمئنان إلى بشار الأسد؛ فهو بدأ، ومنذ الآن، يضع العراقيل على طريق تطبيق الاتفاقية الروسية - الأميركية المتعلقة بتدمير أسلحته الكيماوية، وهو مستمر باستخدام أقصى درجات العنف الأهوج والمدمر ضد شعبه، ثم أنه لا يمكن الاطمئنان أيضا للإيرانيين؛ فهم أصحاب «تقية» يظهرون غير ما يبطنون، وكذلك فإنه لا يمكن الاطمئنان إلى الروس، فهم مستمرون بألاعيبهم، ومستمرون في استغلال تردد أوباما وضعف الإدارة الأميركية لفرض بلدهم كرقم رئيس في المعادلة الكونية.

ثم، وفي النهاية، لا بد من التعامل مع هذه الأزمة الطاحنة، ومع تحول سوريا إلى ساحة للصراع الدولي والإقليمي على أساس الواقع، وليس على أساس الأماني والعواطف والتصورات، والواقع هو أن بشار الأسد سيبقى متمسكا بنفوذه وبمواقفه، وحتى إن لم يبقَ في هذا البلد العزيز حجر على حجر، والواقع أن الإيرانيين لا يمكن أن يتخلوا عن مشروع التمدد في هذه المنطقة، الذي يشكّل هذا النظام السوري الرقم الرئيس في معادلته العسكرية والسياسية، والواقع أيضا أن الروس مصممون على استعادة مكانة الاتحاد السوفياتي السابق عبر هذه الأزمة، التي من الواضح أن حلها لا يزال بعيدا.. وهذا يعني أنه لن تكون هناك جنيف ثانية ولا جنيف ثالثة، وأن الصراع سيبقى مستمرا إلى أن ينتصر أحد الطرفين المتصارعين على الآخر، وهنا فإن المؤكد أن الانتصار سيكون إلى جانب الشعب السوري لا محالة، والمؤكد أيضا أن مصير هذا النظام الدموي سيكون في مزبلة التاريخ وحتما وبالتأكيد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق