ابراهيم العجلوني
لمّا صدر كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي» مشتملاً على جملة من مزاعم الاستشراق حول القرآن الكريم والأدب الجاهلي، تصدى للكتاب نقدا ونقضا عدد من كبار الأساتذة الذين جعلوا من الكتاب عصفاً مأكولاً وأثراً  بعد عين. من هؤلاء الكبار الغيارى مصطفى صادق الرافعي ومحمد فريد وجدي ومحمد الخضر حسين.
ولما صدر كتاب علي عبدالرازق «الإسلام وأُصول الحكم» تصدى له نفر من علماء الدين ألحقوه بكتاب طه حسين، واثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك ان الاسلام دين شمولي وان سياسة الحياة في شتى تجلياتها جزء حميم من رسالته الخالدة.
ولما كتب إسماعيل أحمد أدهم كتابه: «لماذا أنا ملحد» ووُجه بنقد هادئ وموضوعي من «محمد فريد وجدي» صاحب «دائرة معارف القرن العشرين» جعله مندهشا من المسلك النقدي والأدب الحواري الذين فنّد بهما محمد فريد وجدي اطاريحه ودعاواه، هذا فضلاً عن كتابه شديد الأهمية «على انقاض المذهب المادي»..
ونحن في وفرة من الكتابات التي تناولت ما كتبه قاسم امين في «تحرير المرأة» والمرأة الجديدة، وهي كتابات لعلماء ازهريين ولكُتّاب مرموقين وافقت قاسم امين في بعض ما نادى به وخالفته في بعضه واثبتت ان ما يحققه الاسلام للمرأة من استقلالية وحضور اجتماعي وكرامة هو فوق ما لدى الغرب من ذلك واقوم سبيلا.
العجيب الغريب، بعد هذا كله، أن في المشتغلين بنشر الكتب وإعادة اصدارها بين حين وآخر، من يحرصون - وبفعل فاعل - على نشر الكتب، موضع النقد والخلاف - آنفة الذكر دون ان يعاد نشر الكتب التي نقدتها وبينت ما فيها من ضعف وتهافت، ودفعت ما فيها من ضلالات عن العقول والاذواق، وهو كيد من الكيد تراد به أُمتنا من جهة، واعتراف ضمني بقوة الردود التي واجهتها هذه الكتب من جهة أُخرى..
وإذا كانت الأجيال الجديدة من أُمتنا لا تقرأ تلك القراءة العميقة المُمحّصة ولا تجد في التربويين والاعلاميين والمثقفين من يدفعهم إليها. فإن من المنتظر أن يكون اثر الكتب الخلافية او المتهافتة علميا فيهم كبيرا، وان يعتقدوا بصحة ما جاء فيها. وهو امر يلزم من يرفعون راية الاسلام والعروبة او من ينتمون اليهما بالعمل على اعادة طبع الكتب النقدية التي تولت التخرصات التي تضمنتها بالتفنيد، كما يلزم المتميزين منهم بإعادة النظر في الأطاريح التي عمل - وما يزال يعمل - الاستشراق الاستعماري على بث سمومها في وعينا المعاصر، وذلك اضعف الايمان.
وان مما نطمئن اليه ان في التراث الاسلامي الحيّ قوة ذاتية كفيلة باماطة الاذى عن المحجة البيضاء لدين الانسانية والرحمة، وان في ابناء العروبة والاسلام من لا يزال يقظا متنبها لأساليب المستعمرين في غسل الادمغة وتوهين الارادات وتسخيف العقول..