بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 سبتمبر 2013

حروب السعودية بالوكالة - نيويورك تايمز


تبدو السعودية مصمّمة قاطعة في قرارها بإخراج بشّار الأسد من دمشق. فالسعوديون يأخذون القتال في سوريا اليوم بالجدية نفسها التي سبق أن أخذوا بها الحرب الأهلية التي دارت رحاها في اليمن خلال الستينيات .. وهم يرون في هذا القتال صراعاً ستترتب عليه تداعيات خطيرة تغير شكل المسار السياسي لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها لسنوات آتية.
الحرب السورية تفتح أمام السعوديين فرصة لضرب ثلاثة عصافير بحجر. الأول هو إيران، منافسهم اللدود على الهيمنة الإقليمية، والثاني هو الأسد حليف طهران، أما الثالث فهو حزب الله وأنصاره. إلا أن صانعي السياسة في الرياض شديدو الحذر فيما يفعلون لعلمهم بأنهم إذا ما تورّطوا تورّطاً كاملاً سيكون من الصعب عليهم الفكاك فيما بعد وتخليص أنفسهم، لذا تراهم يستلهمون الدروس من حرب إقليمية أخرى كان إوارها مستعراً على حدودهم قبل خمسين سنة.
فالحرب التي اندلعت في اليمن في العام 1962، بعد أن أطاح القادة العسكريون بالنظام الملكي الذي كان قائماً منذ قرون وأعلنوا عن تأسيس الجمهورية، سرعان ما انقلبت إلى مستنقع جرّ إليه القوى الكبرى وأغرقها في أوحاله. فقد سارع الاتحاد السوفييتي بتقديم الدعم الجوي للنظام الجديد، بينما وضع البريطانيون ضرباتهم الجويّة في خدمة أنصار الملكيّة، في حين ساهمت الولايات المتحدة بطائرات حربية في عرض رمزي للقوّة.
إلا أن  الصراع تحوّل إلى حرب بالوكالة بين السعودية، التي انتصرت للإمام ومعاضديه الملكيين، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي دعم الجمهورية الجديدة. وكانت رؤية ناصر، المنادية بـ "أمة" عربية موحّدة متحرّرة من الهيمنة الغربية والأنظمة الملكية العقيمة، قد بدأت تتجاوب أصداؤها في أرجاء العالم العربي، عندئذ قرّر النظام الملكي السعودي، المتوجس من حمى الجمهورية الآخذة بالتفشي قرب حدوده، ألا يبقى ساكناً مكتوف اليدين، وعلى هذا لجأت المملكة إلى شتى الوسائل المتاحة أمامها للحدّ من طموحات ناصر .. بيد أنها امتنعت عن إرسال جنود.
تفيد بعض التقديرات أن مصر أرسلت ما يقرب من 55 ألف جندي إلى اليمن خاض بعضهم القتال داخل الأراضي السعودية نفسها، بينما اتهم بعضهم الآخر باستخدام أسلحة كيمياوية زوّدهم بها الاتحاد السوفييتي. أما السعودية فكانت تؤمّن الأموال والسلاح لمناصري الملكية. رغم ذلك لم ينجح أي من الجانبين في تحقيق أهدافه، ثم جاءت حرب مصر مع اسرائيل في 1967 فجعلت ناصر يسحب قواته من اليمن، ولكن السعوديين لم يتمكنوا مع هذا من قلب اتجاه الموجة. وفي النهاية اضطرت الرياض إلى الاعتراف بالحكومة الجمهورية في اليمن.
واليوم مثل الأمس، ترى السعودية في الصراع السوري لحظة فاصلة يتحدد فيها مصير. فبصفتها زعيمة العالم السني تعتقد المملكة أن ثمّة فرصة هنا لصدّ ما تعتبره خططاً إيرانية تهدف إلى تطويق المملكة بأنظمة معادية لها يهيمن عليها الشيعة. وإذ أخذت الحرب تميل إلى طابع أكثر طائفية وصف الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، المعروف عادة بتحفظه، الهجوم الذي يتعرّض له الشعب السوري بأنه "إبادة" كما وصف الأراضي السورية بأنها "واقعة تحت الاحتلال"، في إشارة واضحة إلى التواجد الإيراني وقوات حزب الله.
ليس سرّاً أن السعوديين يزودون عناصر في المعارضة السوريّة بالسلاح، بل أنهم كادوا يقرّوا بذلك صراحة حين أعلن الأمير قبل بضعة أسابيع قائلاً: "إذا لم يكن لدى المجتمع الدولي الاستعداد للقيام بعمل ما فعليه إذن أن يسمح للسوريين بالدفاع عن أنفسهم."
السعوديون لن يدخروا وسيلة تتوفر لهم لإسقاط الأسد إلا ويستغلونها، مع اتخاذ الاحتياطات التي تكفل عدم سقوط الأسلحة التي يمدّون بها الثوار في أيدي المتطرّفين. ولكن مع هذا، وبعد الهجوم الكيمياوي الذي وقع على المدنيين بالقرب من دمشق في الشهر الماضي، أعلن وزير الخارجية السعودي بصراحة أن الدول العربية لن يمكنها وقف الأحداث الجارية من خلال قوّة السلاح فقط، مضيفاً أن أي مسعى عسكري في هذا السبيل من شأنه أن يجرّ إلى الساحة لاعبين من خارج المنطقة. كذلك أن المقترحات التي راجت بأن تقوم جامعة الدول العربية بتشكيل قوّة عسكرية مهمتها منع الهجمات التي تستهدف المدنيين لا تبدو قابلة للتطبيق، حيث حالت خلافات الرأي بين الدول الأعضاء في الجامعة دون التوصّل إلى اتفاق حتى على مساندة ضربة أميركية مستقبلية محتملة.
ولكن مجلس الوزراء السعودي أصدر في 16 أيلول الماضي بياناً قويّاً أوضح فيه أنه يعتبر الحيلولة دون وقوع هجوم كيمياوي آخر ليس سوى هدف المدى القريب، أما على المدى البعيد فإنه إسقاط الأسد.
تنوي السعودية أن تكثّف جهودها لتسليح الثوّار واستخدام منافذها الإعلامية وقبضتها الدبلوماسية لحشد الدعم من أجل توجيه ضربة عسكرية. ورغم أن المملكة معروفة باقتصادها في استخدام القوّة العسكرية فهي قد فعلت ذلك في الماضي ولكن برويّة وحذر. حيث قامت الرياض بإرسال جنودها مثلاً إلى البحرين لإظهار دعمها للنظام الحاكم هناك بوجه التظاهرات الكبيرة التي كانت آخذة في الإتساع. بطبيعة الحال أن سوريا ليست كالبحرين، ولكن السعودية هي الأخرى ليست كما كانت في الستينيات عندما فشلت في تحقيق أهدافها في اليمن. فالمملكة التي تنعم اليوم بثروات النفط قادرة على ممارسة نفوذ أوسع بكثير من ذلك الذي كانت تقوى عليه قبل نصف قرن من الزمن. وما من شكّ في أنها سوف تستخدم هذا النفوذ وتفرضه فرضاً بالقوّة، وستدعم الثوّار بالسلاح والدبلوماسية في إطار مساعيها للمكر بإيران والإيقاع بحزب الله ثم إسقاط الأسد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق