بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 سبتمبر 2013

رئيس كردستان العراق باق بالانتخابات او بغيرها جمال محمد تقي


كل المؤشرات تؤكد سعي مسعود بارزاني وحزبه للهيمنة على مقاليد الحكم في الاقليم، المندفع باتجاه الاستقلال الكامل عن الدولة العراقية، من قبل وبعد الانتخابات الاخيرة. الان نجح بارزاني وحزبه بالاستحواذ على اكبر نسبة من اصوات المقترعين في الاقليم، وبالتالي قطع اكثر من نصف الطريق باتجاه احتكار السلطة، وان كانت بالانتخابات.
فقد حزب جلال طالباني مؤهلات الندية مع بارزاني وحزبه، وعليه لم تعد المناصفة بالحكم مقبولة من جهة حزب بارزاني، فالرئيس جلال طالباني وحزبه، بحالة غيبوبة وانحسار، امام صعود نجم معارضه الممثل بحركة، كوران، التغيير التي يقودها، نوشيروان مصطفى، وهو احد ابرز القادة المنشقين عن طالباني، حيث حقق في الانتخابات الاخيرة تفوقا يؤهله ليكون الحزب الثاني بالترتيب البرلماني بعد حزب بارزاني، وهذا يعني ان بارزاني سينجح بتجديد تحالفه مع حزب طالباني، ولكن بشروطه هو وبالتالي بقيادة شبه مطلقة منه.
قالت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ان انتخابات اقليم كردستان بنسخة 21/9/2013 ستكون نموذجية ومتميزة عن سابقاتها في كلالعراق، نتيجة للتنقيحات والتحسينات التي اجرتها المفوضية على عملها، واستعدادها المبكر، وايضا نتيجة لادخال جهاز الترقيم الالكتروني على عمل مراكزها الانتخابية في الاقليم، التي بلغت 1245 مركزا، بحيث يكون لكل صوت انتخابي منجز رقم الكتروني مقرون بوقت التصويت، منعا لاي تزوير، ومعالجة لاي اخطاء محتملة في العد والفرز.
كلام يمكن ان يكون صحيحا جملة وتفصيلا، اذا اعتبرت الجوانب الفنية الخاصة بعملية وصول الصوت وتسجيله، ثم طريقة حسابه منفصلة تماما عن العوامل السياسية والاقتصادية والفكرية والنفسية والقانونية، كبيئة حاضنة للمؤثرات التي توجه الصوت نحو هذا المرشح او ذاك، وبارادة حرة او مسلوبة، لان عمل المفوضية غير معني بالبنية التحتية الواجب توفرها في اي انتخابات نموذجية في ديمقراطيتها، وانما عملها مقتصر على التعامل مع معطيات البنية الفوقية التي تقتصر في حالة المفوضية على تأمين وصول الصوت وفرزه وحسابه، ومن ثم اعلانه، وحتى لو حاولت المفوضية وببراءة مهنية جعل عملها ذا عمق مؤسسي ديمقراطي، وحاثا باستشعاراته ومتطلباته القضاء والنزاهة واجهزة الدولة الاخرى، وليس مجرد جهاز لتحصيل الحاصل في حساب الاصوات المدفوعة باتجاه مراكزها، فانها ستنسف نفسها بنفسها، لان اختيار اعضائها وطريقة اتخاذها للقرارات مبني على اسس غير ديمقراطية، لانها ذاتها ليست خارج دائرة نظام المحاصصة الفئوية السائدة في البنية التحتية للسلطة القائمة، فتشكيلتها لا تخرج عن السياق الطائفي والاثني السائد بين القوى المتحكمة اصلا بالعملية السياسية برمتها، بما فيها العملية الانتخابية، ثم ان وصف المفوضية بالمستقلة عن الجهاز التنفيذي للسلطة الحاكمة، استغباء مكشوف لتضليل الناس، ويراد به ايهامهم بوجود فصل للسلطات، وبالتالي بشرعية ومشروعية النتائج المعلنة، ولنا هنا في قرار نوري المالكي بحبس فرج الحيدري رئيس المفوضية السابق خير دليل على تدخل الجهات التنفيذية الحاكمة في عمل هذه المفوضية، كتدخلها الساري بباقي الاجهزة ذات الاستقلال الشكلي، مثل هيئة الاعلام والنزاهة والبنك المركزي والقضاء.
كان الحكم يسيرفي اقليم كردستان على قاعدة المناصفة، بين الحزبين الرئيسيين فيها، الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني بقيادة جلال طالباني، حيث تقاسما السلطة مناصفة، مع احتفاظ كل منهما باجهزته الخاصة لادارة المناطق الخاضعة له اصلا، فبقيت دهوك ومركز اربيل تحت هيمنة بارزاني وعشيرته، ومحافظة السليمانية واطراف من اربيل تحت هيمنة طالباني واتباعه، ولم تتوحد حتى الان قواتهما الامنية والعسكرية، وباحسن الحالات كانت هناك ادارة مشتركة للمؤسسات العامة، اما الموارد المالية المستحدثة فبقيت مقسمة، يديرها كل حزب على طريقته وبمنافع لا تعود الا لمصلحة العوائل المتحكمة بالسلطة والثروة، مما جعل قيادات الحزبين تنغمسان بالاعمال المالية، وهم الان من اكبر رجالات السلطة والمال في الاقليم والعراق، فقط حصة الاقليم من الميزانية الاتحادية تخضع للادارة العامة من قبل الحزبين والممثلة بحكومة الاقليم في اربيل، التي يتناوب على رئاستها كلاهما، والتي تطلع البرلمان على مجالات صرفها.
لقد فتحت الابواب على مصراعيها امام الاستثمارات الداخلية والخارجية في الاقليم، خاصة بعد احتلال العراق، وصارت مجالات النفط والسياحة والعقارات والمواصالات والاتصالات، خاصة شركات المحمول، من اهم نوافذ الاستثمار المحببة لدى القائمين على الامر، لما لريع عمولاتها وصفقاتها ورسوم حمايتها من اثر عظيم في تغول ممتلكاتهم التي تجاوزت الارقام الفلكية، والتي تشبعت بها بنوك سويسرا والمانيا وامريكا.
جرت في الاقليم ثلاثة انتخابات برلمانية، اعوام 92، 2005، 2009، كان الحزبان خلالها يدخلان الانتخابات بقوائم مشتركة على قاعدة المناصفة والمناوبة، من دون غالب او مغلوب، وقد جرت مناصفة حتى في المناصب الاتحادية المخصصة لممثلي الاقليم، وكان التوافق شاملا ايضا للقوائم الخاصة بانتخابات البرلمان الاتحادي في بغداد، واصبحت كتلة الحزبين في بغداد احد عوامل الهيمنة والمنفعة المتبادلة للحزبين بين بغداد والاقليم، ففي الوقت الذي اصبح فيه طالباني رئيسا لجمهورية العراق، صار بارزاني رئيسا لاقليم كردستان وبصلاحيات متميزة سطرها في مسودة الدستور الكردستاني الذي باركه طالباني، مادام الاول متفقا استراتيجيا معه على قطع الطريق امام اي قوى اخرى تريد تغيير خارطة التقاسم هذه، مما يعني دعما من بارزاني لطالباني وجماعته، بالضد من جماعة نو شيروان مصطفى قائد حركة التغيير في السليمانية، ودعم جماعة طالباني لبارزاني بوجه الاسلاميين وهكذا.
اي نموذج انتخابي هذا الذي يجري في ظل غياب قانون ديمقراطي للاحزاب، وفي ظل غياب متعمد لدستور ديمقراطي يمثل ارادة الشعب؟ اي نموذج انتخابي في ظل سياسة شراء الذمم والافساد واحتكار الاعلام وملاحقة اصحاب الاراء المغايرة، وكتم اصوات المناوئين بالترهيب والترغيب؟
سينتج عن الانتخابات الاخيرة ولاول مرة منذ عام 92 تغير في معادلة المناصفة، باتجاه معادلة جديدة اخذت ملامحها تتشكل ولم تكتمل بعد، فحزب الرئيس طالباني بورطة لا يحسد عليها، بسبب تعاظم شأن حركة التغيير، كوران، التي افسدت عليه تفرده بالساحة السورانية، وبسبب شيخوخة الرئيس وغيابه عن الساحة، وبسبب تمدد حزب بارزاني على حسابه. الان حزب بارزاني بقائمة انتخابية منفردة، ويتوقع لها الحصول على 40 مقعدا من اصل 111 مقعدا يتكون منها برلمان كردستان، اما حزب طالباني فهو قد لا يصل الى 20 مقعدا اي نصف مقاعد بارزاني، لان حركة التغيير المنافسة له في عقر داره قد تنتزع الرقم 30 من المقاعد السورانية التي لا تساير المقاعد البهدينية بسهولة طالباني وجماعته. وهناك طرف رابع قد يقصم ظهر المعادلة القائمة ويعيد تشكيلها وايضا على حساب حزب طالباني ونفوذه، انها الاحزاب الاسلامية الثلاثة التي اذا تحالفت برلمانيا قد تشكل ثقلا لا يقل عن 14 مقعدا.
تؤشر نسبة المشاركة بانتخابات برلمان اقليم كردستان الاخيرة، وبحسب المفوضية، الى ارتفاع ملحوظ يعكس شدة التصارع السياسي على السلطة بين القوى المتنفذة والقوى المنافسة، ودفعها وبكل الوسائل المتاحة للجمهور من اجل التصويت لها، فنسبة الاقتراع بالانتخاب العام كانت 74 بالمئة، وفي الاقتراع الخاص كانت 93 بالمئة، ومن الواضح ان مشاركة اكثر من 150 الف ناخب في الاقتراع الخاص، واغلبهم من قوات الامن والجيش، هو تأكيد على ولاء هذه الفئة لقادتهم العسكريين والحزبيين، اي الى حزبي بارزاني وطالباني، اما اكثرية ناخبي دهوك البالغ عددهم 615 الف ناخب، واكثرية ناخبي اربيل البالغ عددهم 991 الف ناخب، فانهم سيصوتون لبارزاني بحكم الهيمنة المناطقية والعشائرية. اما السليمانية صاحبة اكبر عدد من المصوتين، مليون و195 الف ناخب، فان الاكثرية منهم ستصوت لحركة التغيير والاحزاب الاسلامية، والاقلية ستصوت لحزب طالباني.
بارزاني سيعزز مكاسبه على حساب شريكه القديم، لكنه سيصطدم بجدار جديد لا مفر من المجابهة معه، وفي كل الاحوال فان بارزاني لن يمنح الفرصة لانتزاع السلطة منه حتى لو اضطر الى تفصيل انتخابات جديدة تكون على مقاساته وبلا مشارك او منازع، طبعا لا يجري هذا الا بعد ان يجرب كل وسائل الترويض والاحتواء والاستدراج. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق