بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 سبتمبر 2013

حوار مع مبتكر الخريطة الذهنية -محمد النغيمش


حاورت أمس البريطاني الشهير توني بوزان مبتكر الخريطة الذهنية التي حققت انتشارا واسع النطاق في العالم. وهي عبارة عن فكرة بسيطة تضع من خلالها أفكارك أو قراراتك أو خططك أو ما تعلمته في أي مكان في خريطة ذهنية ملونة، ومدعمة برسومات بسيطة إن أمكن، تجعل عملية تذكر التفاصيل في غاية السهولة. وهذه الخريطة أو (mind map) تحاكي فطرة تفكير الدماغ، لأنها تقوم على فكرة رسم دائرة أو وضع رسمة أو صورة في منتصف الصفحة للفكرة أو عنوان الموضوع الرئيس ثم تتفرع منها خطوط مائلة كالأغصان التي تتفرع منها أغصان أخرى أصغر.وقال بوزان في حوار مطول، أجريته معه على انفراد على هامش ندوة حاشدة دعتني إليها منظمة «فيجور إيفنتس» في الكويت، إن هذه الطريقة لقيت انتشارا منقطع النظير عالميا، لأنها تتماشى مع طريقة تفكير العقل، فدماغ الإنسان تتحكم فيه مليارات الخلايا المترابطة التي هي عبارة عن دوائر تفسر لنا كل صورة أو رسمة أو تجربة أو صوت أو كلمة نراها أو نشعر بها. بعبارة أخرى، حينما تقول أو تسمع كلمة «مصر» تفرع الخلايا الدماغية في لحظة كل ما يشغل بالك حاليا عن «أم الدنيا».ولتقريب الفكرة أكثر نقول: حينما تسمع مديرا في اجتماع أو محاضرا يحذر من «مخاطر سلوك معين»، هنا يمكن كتابة هذا السلوك في الدائرة الوسطى، ثم نفرع منها خطوطا مائلة فيها رؤوس أقلام أو بالأحرى كلمة واحدة رئيسة، ما إن نراها حتى نتذكر الموضوع نفسه.وشخصيا، أستخدم هذه الخريطة في معظم مقالاتي ولقاءاتي التلفزيونية والإذاعية لأنها تجمع الأفكار ذات الصلة وأستطيع بنظرة سريعة تذكر كل شيء. أما إذا كنت تستمع مثلا إلى أكثر من شخص في اجتماع ما، فيمكنك رسم دائرة لكل متحدث ثم تفرع منها خطوطا كأشعة الشمس أو الأغصان التي تحمل كل منها كلمة واحدة (key words)، وذلك لأن الكلمة تسهل عليك «التذكر» وتمنحك «الحرية» في تفريع كلمات أكثر غير مرتبطة بأمر محدد. فمثلا، حينما تكتب «النغيمش» أفضل من أن تدون «الكاتب النغيمش»، لأن الحالة الأولى تمنحك مرونة في تفريع أمور أخرى في حياتي غير الكتابة، مثل شخصيتي أو اهتماماتي، وهذه هي فكرة الخريطة، لأنها تمنح عقلك حرية التوسع بالأغصان لتجمع أكبر قدر ممكن من أفكارك أو ما تعلمت أو ما تعتزم القيام به من مشاريع أو قرارات.وأكد لي بوزان أنه شاهد بعينه في كثير من دول العالم كيف ترفع الخريطة الذهنية معدل تركيز وانهماك المستمعين فيما يستمعون إليه من أحاديث، وذكر أن رئيس وزراء الماليزي مهاتير محمد دعاه بنفسه لمساعدته في تطبيق هذه الخريطة في مناهج التعليم مثلما فعلت سنغافورة التي «صار كل طفل تسأله في الشارع: هل استخدمت أو سمعت عن الخريطة الذهنية؟ سيقول لك: نعم»، على حد قوله، لأنها أدخلت في المناهج لكونها طريقة ممتعة في تلخيص ما تتعلمه فتتذكره بسهولة لاحقا، شريطة استخدام الألوان التي أثبتت الدراسات أن لها تأثير قوي في التفكير والتذكر، الأمر الذي دفع الرئيس المكسيكي ووزارة التعليم إلى دعوته لتفعيل هذا الأمر في المناهج التعليمية. وبين بوزان أن الرئيس الأميركي كلينتون وآل غور أشادا علنا بقوة تأثير الخرائط على مستقبل الإنسان وتفكيره.وذكر أن الخرائط الذهنية تقوم أيضا على فكرة دراسة شهيرة أشارت إلى أننا نتذكر 20 مما سمعنا و30 مما شاهدنا، و50% مما سمعنا وشاهدنا، في حين نتذكر نحو 80% مما سمعنا وشاهدنا وعملنا. ولذا، فهو ينصح باستخدام اليد في رسم الخريطة أولا قبل أي برنامج إلكتروني، لأن لليد أيضا ذاكرة وتفاعلا مؤثرا في العملية التعليمية.وكشف عن سعادته الغامرة حينما يفتح الإنترنت ويجد أن أكثر من 500 مليون كلمة في محرك البحث «غوغل» تشير إلى ابتكاره الذي قال إنه بدأ يحدث نقلة كبيرة في التعليم، وهذا سبب تركيزه على الأطفال في الآونة الأخيرة. ووصف سعادته البالغة وهو يرى «ملايين العرب، وتحديدا الخليجين، يستخدمونها في أعمالهم وحياتهم ودراستهم»، وقد اطلع على تطبيق مدارس سعودية كثيرة لخريطته.
الخريطة الذهنية لن تموت، حسب بوزان، لأنها تقوم على فكرة الجمع بين الخيال (imagination) مع الروابط ذات الصلة (association)، وهي الطريقة التي يفكر فيها كل المبدعين في العالم كمخترع المصباح والهاتف والتلفزيون الذين نجحوا في ترجمة أفكارهم إلى رسومات أولوية تمخضت عن اختراعات عبقرية يشار إليها بالبنان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق