بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 سبتمبر 2013

لقاءات امريكية ـ ايرانية تربك السعودية د. مضاوي الرشيد



لا بد ان تنظر دول الخليج وعلى رأسها السعودية الى اللقاءات الامريكية ـ الايرانية على مستوى وزراء الخارجية في نيويورك بحذر حيث تعكس مثل هذه اللقاءات العابرة رغبة الرئيس الايراني حسن روحاني بالوصول الى تفاهم حول برنامج ايران النووي من جهة ورغبة الرئيس الامريكي باراك اوباما تجاوز عقود المقاطعة والعداء الذي استمر لاكثر من اربعة عقود.
ولم يكن لقاء جون كيري مع محمد ظريف من باب الصدفة حيث بدت ملامح التقارب الايراني ـ الامريكي تظهر بوضوح على خلفية الجدل الحاصل حول اسلحة بشار الاسد الكيماوية وتحت مظلة امريكية ـ روسية وصلت المعضلة السورية الى مجلس الامم المتحدة واختفت المطالبات باسقاط حكم الاسد والتي كانت السعودية تطالب به منذ اكثر من سنتين وتصدرت قضية الاسلحة الكيماوية محافل النقاش والجدل مما ميع المطالب السعودية بل همشها ما يجعل المقاربة الايرانية ـ الامريكية تأتي في لحظة تشعر بها السعودية ان مشروعها بالتخلص من نظام الاسد قيد الدرس وقد لا يتحقق في القريب العاجل. فبعد فشل السعودية في اقناع الادارة الامريكية بتوجيه ضربة مباشرة لايران وطي صفحة الحل العسكري من قبل الولايات المتحدة واسرائيل واتجاه الولايات المتحدة بالتحديد نحو الدبلوماسية كحل للقضايا العالقة في منطقة الشرق الاوسط بالتعاون مع روسيا وجدت السعودية نفسها غير قادرة على التحكم بمسار السياسة الخارجية للولايات المتحدة والتي تعكس اولا واخيرا المصالح القومية لامريكا والتي قد تتعارض او تتفق مع مصالح اللاعبين الاقليميين في المنطقة رغم كون هؤلاء من اهم حلفاء الولايات المتحدة حيث التعاون العسكري والاستخباراتي والمصالح الاقتصادية كانت في السابق من اهم المحركات للحلف الامريكي ـ السعودي.
وتظل السعودية وجاراتها الخليجية من اهم المراكز للقوة العسكرية الامريكية وأساطيلها ليس فقط حماية للانظمة بل حماية للهيمنة الامريكية في منطقة الخليج. ورغم العداء الظاهر بين ايران والولايات المتحدة الا ان التفاهم كان قد حصل قبل معضلة الاسلحة الكيماوية السورية خاصة فيالعراق وافغانستان حيث دخلت الولايات المتحدة في حروب طويلة على مساحات لها حدود مشتركة مع ايران الا ان اللقاءات الرسمية العلنية التي شهدتها نيويورك بين وزراء خارجية الدولتين اعطت رسالة واضحة وصريحة ان التقارب سوف يعطي نتيجة قريبة قد تخرج ايران من عزلتها في الغرب وتعيدها الى ساحات الدبلوماسية كما كانت في السابق. فالغرب لن يخوض في مصادمة عسكرية مع ايران مهما ارتفعت الاصوات العربية المطالبة بمثل هذه المواجهة وقد اقتنع الغرب منذ فترة انه لا يستطيع التحكم بالمنطقة من خلال وضع ثقله الكامل خلف حليف اقليمي واحد بل ان مصالحه القومية تخدمها سياسة تنوع مصادر الهيمنة ومساحاتها والولايات المتحدة بالذات لا تريد ان تكون هيمنتها معتمدة بشكل كلي على الحليف السعودي خاصة وان هناك الكثير من المعلقين والمستشارين الامريكيين الذين لا تطمئن قلوبهم للنظام السعودي، وكما ان مثل هؤلاء لا يزالون يعانون من عقدة افغانستان والعراق والحروب الطويلة التي خاضتهاامريكا هناك بالاضافة الى عقدة احداث الحادي عشر من سبتمبر والتي اتهمت بها السياسة السعودية وخطابها الديني في الصحافة الامريكية لاكثر من عقد كامل فيتردد هؤلاء بوضع ثقلهم خلف السعودية كحليف اقليمي وحيد.
وتبدو السياسة الامريكية واضحة خاصة خلال فترة حكم اوباما الذي قال اكثر من مرة انه انتخب لينهي حروب امريكا الخارجية لا ان يبدأ حربا جديدة ومن هنا ربما هو يريد ان ينهي فترة حكمه الحالية بالوصول الى مذكرة تفاهم مع ايران تنهي العداء والمقاطعة السابقة لتحقيق نصر لسياسته ويمهد لفترة حكم جديدة يفوز بها حزبه الديمقراطي. من هنا تبدأ حالة الترقب السعودية والتي حتى هذه اللحظة لم تنجح بالوصول الى مبتغاها وهو اقصاء ايران عن الساحة العربية تمهيدا لهيمنتها وبسط نفوذها خاصة في المناطق الساخنة من العالم العربي. ورغم الاموال الباهظة التي صرفتها السعودية على مشاريعها الخارجية في مصروالبحرين واليمن وسورية الا ان القوة الاقتصادية هذه قد اثبتت انها ليست كافية لتصدر السعودية على الساحة العربية فالعالم العربي اليوم يبدو اكثر تعقيدا من ان تحله وتفكك معضلاته اموال النفط السعودية خاصة وان التقاء المصالح العالمية خاصة الامريكية والروسية اثبت انه اهم من المطالب السعودية ومصالحها القومية.
وتوجس الولايات المتحدة من السعودية وان لم يظهر واضحا وصريحا الا انه على ما يبدو يحرك خطوط السياسة الامريكية الحذرة تجاه النظام السعودي. لا تزال الولايات المتحدة تعتقد ضمنيا ان البيئة السعودية وسياسة النظام بالذات قادرة على تفريخ الارهاب والذي استحوذ على المخيلة الامريكية وارتبط بالاتجاه السعودي خاصة السياسة الدينية ولم تتخلص امريكا من هاجس هذا الارهاب الذي يظل مربوطا بالمخيلة الامريكية بالفكر الديني السعودي ومن هنا تبحث الولايات المتحدة دوما عن وسائل وطرق تستطيع من خلالها حماية نفسها من هذا الخطر الذي تعودت الادارة الامريكية على ارجاعه للبيئة السعودية رغم تغني الولايات المتحدة بالجهود السعودية وبرامج المناصحة التي صممها وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف وكتبت عنها الصحافة الامريكية باعجاب وتقدير كانجاز محليّ وتصميم فعّال في مكافحة الارهاب وستظل الولايات المتحدة تتعاون مع النظام السعودي كحليف استراتيجي لمكافحة الحظر الذي لم يتقلص او يتلاش رغم تحصين الداخل السعودي ضده لكنه خرج من هذه الساحة وانتقل الى مناطق اخرى. لكن الولايات المتحدة ستظل تحاول انهاء اعتمادها الكلي على السعودية بتفعيل دبلوماسية جديدة مع ايران رغم التوجس السعودي والخليجي من اي تقارب مستقبلي بين الدولتين. والسؤال الذي يطرح نفسه هذه اللحظة يتعلق بموقف السعودية من هذا التقارب الذي تراقبه القيادة السعودية بحذر شديد فما هي تداعياته على المنطقة بشكل عام وعلى السعودية بشكل خاص؟
اولا اي محاولة لتحجيم المشاريع النووية الايرانية لا بد له ان ينعكس ايجابيا على السلم في منطقة الخليج بالذات لقرب المنشآت الايرانية من المنطقة بالذات. ثانيا: ربما يؤدي التقارب الامريكي ـ الايراني الى انفراج على الساحة السورية يخفف معاناة الشعب السوري ويحل الازمة العالقة والتي لم تستطع الجهود السعودية حسمها رغم كل المبادرات والتمويل للاطراف المتنازعة على سورية. وقد تستطيع السلطة السعودية تقويض اي حل دبلوماسي او سياسي لحل هذه الازمة خاصة وانها تملك التواصل مع اطراف سورية مسلحة تستطيع ان تطيل الازمة الى اجل غير مسمى. ثالثا: على السعودية ان تعيد النظر بسياستها القائمة على الهيمنة المطلقة على الساحة العربية والاقليمية حيث انها لا تملك من القوة سوى البترودولار فتبدو غير قادرة على فرض نفسها على الساحة دون اللجوء الى الثروة وهذا ما قد جعلها تخطو خطوات اكبر من ثقلها العسكري. فالسعودية لا تقبل ان تنافسها احدى جاراتها الخليجية والتي بدورها تستعمل الثقل الاقتصادي الا انها تظل حتى هذه اللحظة غير قادرة على منافسة الدبلوماسية الايرانية الحالية. وكان على السعودية ان تتوصل الى تفاهم مع ايران وهي القريبة في المنطقة بمعزل عن القوى الاقليمية الاخرى او العالمية البعيدة مما كان سيقطع الطريق على تجاوزها كليا من قبل الولايات المتحدة او روسيا تماما كما حدث خلال مناقشة الازمة السورية الراهنة. ورغم رحلات سعودية متفرقة ومبعثرة الى موسكو من قبل بندر بن سلطان الا ان التفاهم الروسي ـ الامريكي الذي تلاه التقارب الامريكي ـ الايراني اثبت عدم قدرة السعودية على اختراق الدبلوماسية الدولية. لقد فوتت السعودية فرصة ذهبية في السابق وها هي الآن تبدو وحيدة في دور المراقب المتوجس من تطور الاحداث في المنطقة غير قادرة على التحكم بنتائجها لصالحها. وطالما ظلت السعودية تمارس الدبلوماسية الخفية لن تستطيع ان تثبت وجودها اقليميا خاصة في مرحلة جديدة وعليها ان تتحرر من عقدة ايران هي ايضا وتتعامل معها كقوة اقليمية تماما كما تخلصت حليفتها الولايات المتحدة من هذه العقدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق