بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 سبتمبر 2013

محاولة في فهم طبيعة الحراك السياسي في السودان د.يوسف نور عوض'


هل هو نوع من التحدي أم لعبة سياسية ؟
تساؤل بدا مهما حين أعلن الرئيس السوداني عمر حسن البشير أنه يعتزم الذهاب إلى نيويورك لحضور جلسة افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة وحضور المنتدى الأفريقي، على الرغم من أنه مطالب بالمثول أمام محكمة الجنايات الدولية بسبب اتهامات وجهت له تتعلق بالوضع في دارفور، وكما هو معلوم فإن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد قالت إنها لم تبت في الطلب، بينما قال وزير الخارجية السوداني ‘علي كرتي’ إن البشير رئيس دولة ويحق له أن يمارس كل المهام التي يتطلبها منصبه، ومن جانبه قال الرئيس السوداني ليس هناك قانون يعطي الولايات المتحدة الحق في منعه من السفر إلى نيويورك خاصة أن الولايات المتحدة ليست عضوا في محكمة الجنايات الدولية ولم توقع على اتفاقيتها في روما. ولكن المعلوم هو أن الولايات المتحدة طالبت الرئيس السوداني بتسليم نفسه إلى محكمة الجنايات الدولية في وقت لم تطالب فيه بمحاكمة الرئيس السابق جورج بوش في المحكمة ذاتها على الرغم من المآسي التي نتجت عن غزوه للعراق.
وكان ناشطون وممثلون سينمائيون في هوليوود قد نظموا مظاهرة احتجاج ضد فكرة زيارة الرئيس السوداني غير أن الرئيس البشير لم يهتم بذلك وقال إن شيئا لن يثنيه عن الذهاب إلى الولايات المتحدة مؤكدا أن الترتيبات كافة قد اكتملت لإتمام رحلته بعد أن أخذ إذنا بالسفر عبر الأراضي المغربية وفوق المحيط الأطلسي، وبعد أن حجز الفنادق اللازمة في العاصمة الأمريكية.
ويأتي هذا التحدي من الرئيس البشير في وقت تعاني فيه حكومته بعض القلاقل الداخلية بسبب الغلاء الحاد الذي عم الأسواق ما جعل الكثيرين يعتقدون أن تفجير أزمة السفر إلى الولايات المتحدة كان أمرا لشغل الرأي العام بهذه القضية التي تستوجب الاهتمام من أفراد الجمهور والتي يرى فيها الكثيرون موقفا بطوليا من الرئيس البشير الذي لا يرى أنه مسؤول بصفة شخصية عما جرى في إقليم دارفور، وكل ما حدث كان بسب وجوده على سدة الحكم وليس بسبب مشاركته الفعلية في الأحداث.
ويأتي تحدي البشير لقرار المحكمة الدولية في وقت سجل فيه الجنيه السوداني تراجعا أمام الدولار الأمريكي، وهو تراجع أضر كثيرا بمدخرات الذين حولوا أموالهم من الخارج إلى داخل السودان بالإضافة إلى إحداثه زيادة كبيرة لحقت بسائر البضائع المستوردة والتي ستصل آثارها إلى البضائع المحلية بسبب ارتفاع الأسعار في السوق السوداني . وحذر حزب المؤتمر الوطني الحاكم أحزاب المعارضة من استغلال هذا الوضع لإثارة القلاقل قائلا إن الشعب السوداني سيتفهم الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع دون أن يحدد المنطق الذي سيحدد به الشعب السوداني موقفه.
ومن جانبه قال الرئيس البشير إن السبب الرئيسي في وقف الدعم للمحروقات هو رغبة الحكومة في تحويل مبالغ الدعم لزيادة مرتبات العاملين في الدولة الذين لا يزيدون عن عشرة في المئة من سائر السكان، كما أن هذا الدعم – من وجهة نظره- لا يستفيد منه أحد سوى الأغنياء والدول المجاورة التي تهرب لها كميات كبيرة من النفط المدعوم .
وعلى الرغم من توقعه لزيادة الأسعار في البلاد، فقد قال الرئيس البشير إن الوضع الاقتصادي سوف يتحسن بصورة تدريجية، وقلل من إمكان حدوث احتجاجات شعبية كما حدث في العام الماضي عندما زادت أسعار المحروقات بعد انفصال الجنوب وذلك ـ من وجهة نظره – بسبب إدراك الناس أن السبب الرئيسي في ما حدث كان وقف الشراكة في نفط الجنوب.
وعلى الرغم من هذه المواقف المتفائلة فقد انطلقت المظاهرات الشعبية الاحتجاجية ضد قرار الحكومة بوقف الدعم عن المحروقات في مدينة ودمدني عاصمة الجزيرة، وطالبت هذه المظاهرات بإطلاق سراح المحتجين بعد أن اعتقلت الحكومة أكثر من مئة مواطن. شاركوا في الاحتجاجات، ولم تتوقف التظاهرات الشعبية عند هذا الحد بل حملت النظام كل المآسي التي يعاني منها الشعب السوداني ووصفته بالدكتاتورية مؤكدة أن الإصلاح لن يتم إلا بزوال النظام وإسقاطه، وحملت الحركة الشعبية في ‘ودمدني’ النظام مسؤولية ما جرى في دارفور وجبال النوبة وشرق السودان ومناطق السدود بولايتي نهر النيل. وقالت الحركة الشعبية إن النظام ‘سيس′ القوات النظامية وأبعدها عن دورها القومي، كما دمر الخدمة المدنية وفتح المجال لأنصاره لسرقة ثروات البلاد وتحويلها إلى المصارف الخارجية ما أثر سلبا على الاقتصاد السوداني.
وقال مراسل ‘فرانس برس′ إن مئات المواطنين تظاهروا في أحد أسواق الخرطوم محتجين على الغلاء ومطالبين بإسقاط النظام، وقد واجهت قوات الشرطة المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع.
وتكرر هذا المشهد في مدينة أم درمان حيث أغلق المتظاهرون شارع الأربعين الرئيسي وأشعلوا النيران وهم يهتفون ثورة ثورة حتى إسقاط النظام.
ولم تتأخر أحزاب المعارضة عن هذا المشهد وأعلن زعماؤها أنهم سيقاومون قرارات الحكومة بكل الوسائل، خاصة بعد أن أعلن الرئيس البشير أن دعم المواد البترولية يشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد وقال وزير الخارجية إن السودان وصل إلى مرحلة الدولة الأكثر فقرا.
وعلى الرغم من هذا الحراك الكبير الذي يجري على أرض السودان فإن السؤال المهم هو هل ما يجري الآن مجرد حركة سببتها الزيادات الأخيرة في الأسعار أم هو حراك شامل وامتداد لثورات الربيع العربي؟ المسؤولون في السودان كانوا قد استبعدوا أن تنتقل عدوى الربيع العربي إلى السودان لأن السودان من وجهة نظرهم لا توجد فيه الظروف التي تستدعي ثورة مماثلة، ولكن تطور الأحداث في مصر قد أثر في المزاج العام للناس في هذا البلد، ولعل الرئيس البشير نفسه قد تحدث عن الحاجة إلى مصالحة وطنية وتحدث في ذلك إلى السيد الصادق المهدي إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة كما تحدث إلى السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الطائفة الختمية ولكن الحديث إلى هؤلاء لم يغير الوضع كثيرا لأن أحزاب المعارضة لا تريد دعم النظام من خلال مد يد العون له في هذه الظروف الحالكة وتريد تغييرا وطنيا يحقق مصالح الشعب والأمة.
ويبدو أن المشكلة الأساسية في السودان الآن ،هي أن نظام الحكم الذي ظل يدير البلاد تحت مفهوم الإنقاذ لم يعد قادرا على تفكيك نفسه أو تصور الكيفية التي يمكن أن تتعاون بها سائر الاتجاهات من خلال نظام جديد.

ولا شك أن أي تطور في الموقف السوداني في هذه المرحلة لا بد أن يبدأ من تساؤل تضعه الحكومة أمام عينيها يتركز حول طبيعة النظام الذي كانت تريد إنشاءه في البلاد وما إذا تحقق ما أرادته، وعندها ستجد حكومة الإنقاذ أنه لم يكن لديها تصور حقيقي لإقامة نظام جديد وأن ما حدث هو أنها تحولت إلى سلطة سياسية غير قادرة على تفكيك نفسها، وما هو مطلوب في المرحلة المقبلة ليس فقط التفاهم مع المعارضة من أجل المشاركة أو دعم الحكم، بل المطلوب هو الجلوس في مائدة مستديرة مع سائر الأطراف لدراسة المسيرة السياسية في البلاد منذ فجر الاستقلال والتعرف على مكامن الخطأ، ثم الوصول إلى توافق وطني حول كيفية التغيير، على أن يحاول الجميع التعايش في ظل نظام لا يقصي أحدا بسبب معتقده أو فكره السياسي لأن الهدف في نهاية الأمر هو تحقيق مصالح الجميع وإدارة دولة حديثة لا تسيطر فيها العقيدة بل يسيطر فيها التوافق الوطني والمصالح المدنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق