بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

قضية ‘جهاد النكاح’ والاساءة للسوريات والتونسيات


يأتي تصريح وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو الأخير حول عودة فتيات تونسيات حوامل من سورية بعد ممارسة ‘جهاد النكاح’ أثناء أزمة سياسية كبيرة تكاد تطيح بالحكومة التي يقود بن جدو أقوى الوزارات فيها، وكذلك أزمة أمنية تتحمل وزارته المسؤولية عن تقديم حلول حقيقية لها.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يقوم الوزير التونسي المستقل باللجوء الى حكاية ‘جهاد النكاح’ المثيرة هذه فقد سبقتها حكاية سابقة عن خلية ‘جهاد نكاح’ في جبل الشعانبي، وهو المكان الذي صار اسم العلم لحركات السلفية المسلحة التي تحمّلها الحكومة الحالية المسؤولية عن اغتيال شخصيتين قياديتين معارضتين للحكومة.
الهدف الواضح للقصة هو حرف الأنظار عن الأزمة السياسية الطاحنة والتملص من هجمات المعارضة المتلاحقة على وزارة الداخلية ومنها مثلا اتهامها باتلاف وثيقة أمنية تتعلق بتحذير المخابرات الامريكية لتونس من احتمال اغتيال محمد البراهمي، الشخصية المعارضة التي اغتيلت قبل شهور، وكذلك اتهامها بأنها تدار من قبل رئيس الحكومة.
الاثارة الصحافية المتولدة من تصريح ‘جهاد النكاح’ هذا تهدف ايضاً الى مزاودة الداخلية التونسية على مناوئيها اليساريين في التشنيع على ‘السلفيين الجهاديين’ وهو أمر يزيد في رصيد المناوئين لأنه يستخدم دعايتهم نفسها وينقص من مصداقية الحكومة التونسية ككل ومن شعبيتها أمام جمهورها.
باللجوء الى هذه الحجة تجري وزارة الداخلية التونسية، وهي وزارة حكومة الثورة التونسية، مجرى زميلاتها من وزارات الداخلية في الأنظمة العربية المستبدة التي اعتادت الاستهانة بالأعراض والكرامات والشعوب، وخصوصاً احتقار المرأة واستخدامها في معارك السياسة، ومن باب ادعاء الحفاظ على حقوقها.
نتذكر الاتهامات التي تعرض لها ثوار مصر في ساحة التحرير بأنهم كانوا يمارسون الجنس ضمن خيام الاعتصام، واتهام المتظاهرات السودانيات بانهن عاهرات والمتظاهرين بأنهم شاذون جنسيا، والاهانات التي وجهها الرئيس اليمني للنساء ورد عليها المتظاهرون بجمعة مخصصة للمرأة، مرورا بالمجلة اليسارية التركية التي زعمت اغتصاب الاتراك لمئات النساء السوريات النازحات، وصولا الى ‘التحفة’ التي اشتركت فيها مخيلة أجهزة الأمن السورية مع مساهمات اعلامية لبنانية وايرانية و’يسارية’ تونسية فتوصلت الى هذا هذا الاسم الهجين والغرائبي: ‘جهاد النكاح’.
بهذا الاختراع العجيب قامت وسائل الاعلام الموالية للنظام السوري مع حلفائها من يسار موشح بألوان طائفية و’علمانية’ على الطريقة الاقصائية العربية بتشويه مفهوم الجهاد الذي صار تهمة لتنظيمات الاسلام السياسي، وبذلك تم فصل هذه الحركات، بما فيها ‘حماس′ المقاومة لاسرائيل، عن مفهوم المقاومة الذي اجترحته الثورة الفلسطينية، ليتم تلبيسه لحزب واحد، بحيث يتعامى اليساريون عن طبيعته الاسلامية والطائفية، التي هي تهمة الأحزاب والحركات الأخرى فحسب.
يبدو ‘جهاد النكاح’ في طبيعته التشويهية هذه رداً انتقامياً على قضية ‘زواج المتعة’ التي استخدمها اليساريون والليبراليون الايرانيون لنقد استغلال المرأة في نظام ثيوقراطي (كما كان موضوع مزاودات لسلفيين وطائفيين سنّة متطرفين لتشويه صورة الشيعة ككل) لكن طبيعة مصطلح ‘جهاد النكاح’ الاختلاقية تمثل انحطاط معارك الاعلام التشويهية الهائلة للدفاع عن الانظمة العربية ومصالحها وامتيازاتها من خلال الاستخدام الجنسي للسياسة والحط من شأن المرأة انسانياً واخلاقياً.
احدى النتائج الجانبية لهذه المعركة هي اشتداد التزمت وكره النساء وقمعهن لدى حركات الاسلام السياسي، وهو وقوع لهذه الحركات، كما العادة، في الفخّ الذي يستثمره اعداؤها خير استثمار.
قضية ‘جهاد النكاح’ دليل على فقدان المعركة السياسية الجارية على الارض العربية ميزانها الاخلاقي ولجوء اغلب اطرافها، بمن فيها شخصيات رفعتها الثورات الى مناصب القيادة والمسؤولية، الى أسوأ التكتيكات التي لا تقيم وزناً واعتباراً لكرامات شعوبها، وخصوصاً للنساء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق