بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 سبتمبر 2013

كاميرا الجوال ترقص إبداعا! - طارق الشناوي

لا يستطيع أحد أن ينكر أن كاميرا الجوال صارت تشكّل جزءا حميما في ثقافتنا، وأن هذه الكاميرا لعبت دور البطولة في ثورات الربيع العربي، فلقد اخترقت كثيرا من الحواجز والمعوقات والممنوعات التي تضعها الحكومات قبل الثورات وبعدها؛ فلا تزال السلطة تحاول أن تفرض أحيانا قيودا على حرية نقل المعلومة، ولكن الجوال هزمها وتسلل ووثّق الوقائع ونشرها في الفضائيات. «الجوال» هو الشاشة الرابعة، التي تبدو الآن مثل جنين لم تتضح بعد ملامحه النهائية، إلا أن المؤكد أنه على وشك أن يحدث له مخاض الولادة، وبعدها تبدأ رحلته مع الحياة وتتحدد قواعده أيضا.. فهو قادم لا محالة.. حيث إنه، ومنذ أكثر من عشر سنوات، تقام في العالم مهرجانات لأفلام الهواتف الجوالة! الشاشات الثلاث السابقة على «الجوال»، وهي السينما، والتلفزيون، والكومبيوتر، أحدثت في حياة الناس انقلابا.. الإنسان قبل السينما التي بدأت عام 1895 ليس هو الإنسان بعدها؛ التلفزيون بدأت أولى تجاربه أثناء الحرب العالمية الثانية، ووقتها شعر السينمائيون بالتهديد أمام هذا الوليد القادم بقوة، إلا أن السينما طورت من أدواتها على مستوى التصوير ودار العرض، وانعكس هذا بالضرورة على اللغة السينمائية، وهكذا شاهدنا الشاشات العريضة والألوان والصوت المجسم وسينما الأبعاد الثلاثة، وحاليا هناك تجارب متعددة لتقديم سينما تلعب أيضا بحاسة الشم، وذلك لإقناع المشاهد بأن يغادر منزله ويترك الشاشة الثانية (التلفزيون) ليعود إلى الشاشة الأم التي تقدم له ما تعجز عنه الشاشة الصغيرة، التي في حقيقة الأمر مع كل هذا التطور لم يعد يليق بها صفة صغيرة. الأقمار الصناعية لعبت دورها في تعضيد قوة الشاشة الثانية، وازداد سقف الحرية بالانتشار الفضائي.. الكومبيوتر، الشاشة الثالثة، طرح نوعا من الفردية في التلقي، كما أنها بقدر ما تعطي للفضائيات من أخبار وطرائف تأخذ منها أيضا، فهي، في كثير من الأحيان، تلعب دورَي المنبع والمصب، وإذا كانت السينما جماعية في مشاهدتها ومع جمهور مختلف، فإن التلفزيون بطبعه عائلي حدوده الأسرة، ويأتي الكومبيوتر بتلك الذاتية التي تحيل العالم إلى فرد واحد، والفرد إلى عالم مترامي الأطراف والأجناس.


شاشة الجوال أكثر ذاتية وخصوصية، وهي قابلة للتطوير السريع مع التقدم التكنولوجي الذي من المستحيل ملاحقة سرعة إيقاعه؛ فكل يوم هناك إضافة أكثر طموحا.أشهر تسجيل لهاتف جوال على مستوى العالم هو لقطات إعدام صدام حسين، ولولا الجوال ما كان من الممكن أن تحتفظ الذاكرة البصرية بتلك الوثيقة؛ فلم يسبق في التاريخ أن تم تسجيل مشاهد قتل لشخصية، مثل صدام، وبعدها معمر القذافي، التي كان الجوال أيضا أداة توثيقها للأجيال المقبلة. كاميرا الجوال كان يبدو في البداية أنها فقط أداة إخبارية، وليست إبداعية، وهذا هو منطق وقانون أي آلة جديدة، حتى كاميرا السينما بدأت إخبارية، ومع مرور الزمن قدمت إبداعا خاصا. حاليا، تُقام بمصر الدورة الثانية لمهرجان أفلام الهاتف الجوال، والرهان هو على الإبداع؛ هل تتمكن هذه الأفلام من الإمساك بلمحات وومضات خاصة واستثنائية؟ كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد من أنصار المدرسة التقليدية الكلاسيكية في الشعر الملتزم بالوزن والقافية، ولهذا كان يقول إن الفارق بين الفن والادعاء، هو تحديدا الفارق بين الرقص والمشي.. كل الناس تمشي كما يحلو لها، لكن الرقص يشترط أن تضع القاعدة الإيقاعية، وكما أنه ليس كل من تحمله قدمان قادرا على الرقص، فإن من يقدم فيلم الجوال ليس من يمتلك الجهاز الأحدث صيحة، ولكن من يحيل لقطة «الجوال» إلى سحر خاص.. أنا أنتظر أفلام الجوال وقد صارت ترقص إبداعا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق