بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 سبتمبر 2013

شطرنج فارسي -‘ ناحوم برنياع يديعوت



 
استيقظ رئيس الوزراء من نومه والعرق البارد يغطي جبينه. قال متنهدا: ‘إنها حيلة دعائية. يا لي
تني كنت استطيع أن أوجد حيلة دعائية تمحو كل ما حدث هذا الاسبوع في نيويورك’.
أدهش العالم في السنة الماضية بالخط الاحمر الذي رسمه على رسم كاريكاتوري لقنبلة ذرية. ولم يعلم أحد ، حتى ولا العاملون في ديوان رئيس الوزراء ـ أن يُفسروا ما معنى ذلك الخط بمفاهيم التسلح الذري ـ وفي أية ظروف ستجتازه ايران ومتى سترد اسرائيل اذا ردت أصلا. لكن لم يكن للتفاصيل أية أهمية، فقد قامت الصورة بالعمل، فهي لم تعق المشروع الذري الايراني، لكنها سيطرت يوما أو يومين على نشرات الأخبار في العالم، وحظيت بمئات آلاف التصفحات في اليوتيوب. ينتظر الناس الآن حيلة دعائية أكبر، تُقدم إليهم وجبة فاخرة حتى يطلبوا اثنتين. هل يستل رئيس الوزراء في هذه المرة قنبلة حقيقية بدل القنبلة المصورة ويفجرها على منصة الخطباء؟ من المؤكد أن ذلك سيثير ضجيجا، أو ربما يضع على رأسه عمامة كعمامة روحاني يُخرج منها في منتصف الخطبة أرنبا؟ إن العبء في الفيسبوك سيسقط الجهاز. يتوسل رئيس الوزراء قائلا أريد حيلة دعائية.
وهو يتذكر ريتشارد الثالث لشكسبير، الذي اقترح أن يتخلى عن مملكة مقابل حصان. فلم يحصل على الحصان وخسر بعد ذلك المملكة ايضا.
إن الحقيقة هي أنه لا سبب يدعو الى الشماتة برئيس الوزراء لأن أزمته هي أزمتنا دونما صلة بميله المبالغ فيه الى الحيل الخطابية. وقد قال مصدر مقرب إليه هذا الاسبوع إنه يأتي الى امريكا كهادم للحفلات، لكنه لن يستطيع أن يهدم هذا الحفل، لأن جهات كثيرة جدا تحتاج إليه وجهات كثيرة جدا تستمتع به ولن يُجهدوا أنفسهم بدعوتنا.
يأتي الساسة الى نيويورك لتنفيذ اعمال وقد نفذوا أعمالهم. إن رئيس ايران الجديد حسن روحاني مدين بانتخابه للعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب، فقد غيرت العقوبات الخطابة وغيرت التكتيك، لكن يُشك في أن تكون غيرت الاستراتيجية، وهي تقريب ايران بقدر المستطاع من حافة السلاح الذري، بأدنى قدر من الكلفة الاقتصادية.
على حسب التصريحات الاخيرة لرئيس ايران ووزير خارجيته، يبدو أن الايرانيين معنيون خلافا للماضي بالتوصل الى اتفاق. وهم لا يتحدثون عن إتمام المشروع. فلا يوجد الآن طلب كهذا، لا من قبل اوباما ولا من قبل رؤساء دول اخرى في الغرب. وسينحصر التفاوض في نقطة التوقف. إن الفرق موجود لكن يمكن عقد جسر فوقه. وسيُساوم الايرانيون وقد عرفوا كيف يُساومون قبل أن يكتشف كولومبوس امريكا بمئات السنين. رأى آيات الله ما حدث لحاكم ليبيا معمر القذافي، الذي تخلى عن مشروعه الذري وانتهى به الامر الى هجوم جوي من حلف شمال الاطلسي، وموت مُذل على يد جمهور متعطش للدم. ورأوا كيف حظي حكام كوريا الشمالية’ الذين لم يتخلوا عن مشروعهم، بالمنعة ولهذا لن يتخلوا عن المشروع الذري.
‘كان انتخاب روحاني ونغمة المصالحة التي تبناها بصفته متحدث النظام عملا بليغا. إن هجوم السلام يخدم مصلحة الايرانيين، اذا كانوا ينوون التوصل الى اتفاق، ويخدم مصلحتهم اذا كانوا يخدعون.
رئيس إعوجاج
إن الثاني الذي جاء لاتمام اعمال هو باراك اوباما. إن اوباما رئيس بلا سياسة خارجية. وتتحرك سياسته الخارجية مثل الثملة من خطبة الى خطبة، ومن مثالية خالصة الى واقعية خالصة، ومن رومانسية ساذجة الى مكيافيلية. والخطب عصماء كل واحدة على حدة لكن حينما تُجمع معا ترفض أن تجتمع في نظرية واحدة. كان مصمما حينما انتُخب على أن يخرج في أسرع وقت ممكن من العراق وافغانستان، وهما حربان سماهما، وفي هذا قدر كبير من الصدق ‘غبيتين’. ‘هذا هو وقت حصر العناية في بناء أمة في الداخل لا في الخارج’ قال. وغير رأيه بعد ذلك وعزز القوات وسرّع الخروج بعد ذلك. وقد دعا شباب العالم العربي في خطبة في جامعة القاهرة الى التمرد على نظم حكمهم. ورجع عن ذلك ازاء صعود الاحزاب الاسلامية. ولم يشأ أن يستخدم القوة العسكرية وقت الحرب الأهلية في ليبيا، لكنه عمل وانتهى الامر الى مقتل السفير الامريكي وانهيار النظام في ليبيا وتهريب سلاح من هناك الى منظمات ‘القاعدة’. وقد حاول أن يطبق درسه في ليبيا على سورية، فامريكا لن تتدخل مهما يبلغ ارتفاع الصراخ بسبب ذبح المدنيين. ثم أمر بالهجوم على سورية بالصواريخ، وغير في آخر لحظة مرة اخرى رأيه وتوجه الى مجلس النواب وصُب عليه الماء البارد وترك الحلبة للروس.
في خطبة أداء القسم الثانية له قبل
ثمانية أشهر فقط قال: ‘سندعم الديمقراطية من آسيا الى افريقيا، ومن الامريكتين الى الشرق الاوسط. إن مصلحتنا وضميرنا يفرضان علينا أن نعمل لأجل اولئك الذين يطمحون الى الحرية’.
وقد فصل في خطبته في الامم المتحدة الامور الجوهرية التي ستجعل امريكا تعمل، وكانت مختلفة تماما وهي: منع العدوان على الولايات المتحدة وحليفاتها؛ حماية التدفق الحر للنفط؛ القضاء على شبكات ارهاب تهدد امريكيين؛ منع تطوير واستعمال وسائل إبادة جماعية.
وردت الصحيفة اليومية الليبرالية ‘واشنطن بوست’ على هذه القائمة بمقالة رئيسة خاصة، اتهمت فيها اوباما بأنه خان جميع الجنود والدبلوماسيين الذين ضحوا بحياتهم لهدف أسمى من التدفق الحر للنفط. وكتبت الصحيفة تقول: ‘لا يستطيع اوباما أن يزعم أنه يختلف اخلاقيا عن بوتين’.
ويكشف استطلاع للرأي العام قامت به شبكة ‘سي.بي.إس′ وصحيفة ‘نيويورك تايمز′، هذا الاسبوع عن أن 49 في المئة من الامريكيين غير راضين عن طريقة علاج اوباما للشؤون الخارجية، قياسا بـ40 في المئة راضين عن ذلك. وأُضيف الى هذه النسبة السلبية للرئيس 10 في المئة منذ كان الاستطلاع السابق في حزيران/يونيو. لا يعني ذلك أن الامريكيين متعطشون لعمل عسكري في سورية أو في ايران أو في الاثنتين، بل العكس هو الصحيح،، لكنهم لا يقبلون الالتواء، والفرق بين الخطابة والفعل، والضعف الظاهر، وهم ينتظرون رئيسا ذا تصميم لا رئيسا حائرا معذبا يقوده غيره.
هذا ما حاول اوباما أن يعطيهم وسائر العالم إياه في الخطبة التي خطبها في الجمعية العمومية للامم المتحدة يوم الثلاثاء. يُفترض أن يصوغ الرؤساء سياستهم الخارجية بجملتين شرطيتين أو ثلاث حادة وواضحة ومُلزمة، كي تعلم كل حكومة في العالم ما الذي ينتظرها اذا عملت بطريقة ما. وُجد في الماضي مبدأ مونرو ومبدأ ترومان ومبدأ آيزنهاور، ويوجد الآن مبدأ أوباما. يقول اوباما إن امريكا لن تكون بعد الآن شرطي العالم، ولن تتدخل في أي صراع في العالم، لكن حينما يوجد تهديد مباشر لمصلحتها أو مصالح حليفاتها فستعمل بكامل القوة.
والسؤال ما الذي يهدد المصلحة القومية الامريكية وما الذي لا يهددها، مفتوح للتفسير. هكذا تكون الحال حينما تكون دولة قوة من القوى العظمى: فكل ازمة في العالم تهدد مصالحها، ولا يهدد شيء منها وجودها. ولا تفي خطبة اوباما بالشرط الأساسي المطلوب من مبدأ رئاسي، فخطوطه الحمراء ليست خطوطا لأنه لا وضوح ولا ردع فيها.
عرض اوباما هدفين ستسعى إليهما ادارته في ما بقي من ولايته، وهما اتفاق مع ايران وسلام اسرائيلي فلسطيني، وقد ألف بين الهدفين. وأعجب الربط بين وقف المشروع الذري وانهاء الصراع كثيرا من الاسرائيليين. والطريق الذي يخطه كامل فهو يحرر اسرائيل من بوشهر ويتسهار ايضا.
‘اذا كنت أتذكر بشكل دقيق فانه حتى نتنياهو تحدث في الماضي بصورة ايجابية، وفي توق تقريبا عن صفقة تعطي اسرائيل بوشهر مقابل يتسهار. وسيكون من السهل تسويق هذه الصفقة للناخب الاسرائيلي وسيحبها العالم.
‘أخشى أن يكون هذا هوى من أهواء القلب لأنه ليس للايرانيين أي اهتمام بانهاء الصراع. ويثير الفلسطينيون عنايتهم باعتبارهم مشكلة فقط وجرحا نازفا لا باعتبارهم حلا. وهم يشبهون بهذا المعنى أكثر دول العالم الاسلامي. قد يتطور التفاوض في وقف المشروع الذري الايراني ليصبح طلب نزع عام للسلاح الذري في الشرق الاوسط، ولا يكون بوشهر يتسهار بل بوشهر ديمونة، وهذا الآن أقرب الى الواقع.
بعد الحفل
إن الثالث الذي أتم عملا هو بشار الاسد، رغم أنه لم يسافر الى نيويورك لأجل ذلك واكتفى بارسال نائب وزير خارجيته، إن الصفقة التي أتمها الاسد هي استمرار حكمه مقابل السلاح الكيميائي، وهذه صفقة ممتازة بالنسبة إليه، وقد دخل الآن تفاوضين متوازيين سيبحث الاول في القضاء على السلاح الكيميائي، ويبحث الثاني في جنيف إنهاء الحرب الأهلية. وسيحتاج هذان الاثنان الى زمن طويل، أما الاول فلصعوبات تقنية، وأما الثاني فلصعوبة تشكيل جبهة موحدة للمتمردين قادرة على المشاركة في الحكم. وقد أعلن الاسد أنه هو الذي سيحدد مع من سيجلس وفده في المحادثات. ‘والرابع الذي أتم عملا هو بوتين. إن مشاركته في تسوية الصراع مع سورية تعيد الشرق الاوسط الى فترة الحرب الباردة. فقد عادت روسيا بعد اربعين سنة توقف، الى الساحة لاعبة رئيسة أنشط من امريكا، وأكثر سيطرة على الدول التي ترعاها من امريكا، وأكثر اخلاصا من امريكا.
ونتنياهو هو الخامس. وهو يأتي الى الحفل متأخرا. وقد برد الطعام فضلا عن أنه ليس له خيار إفساد الحفل. ‘يستطيع أن يختار الخيار المتفائل، وأن ينقل رسالة أن الغرب استقر رأيه، بفضل جهوده التي لا هوادة فيها، وبفضل الاستعدادات التي بذلها، على عملية عسكرية اسرائيلية، على فرض عقوبات على ايران، والعقوبات، هي فقط التي اضطرت ايران الى دخول تفاوض في وقف البرنامج الذري؛ ويستطيع أن يختار الخيار المتشائم وأن يقول إن روحاني يقود العالم من أنفه وإن التفاوض مع ايران في هذا الوقت مثل اتفاق ميونيخ، الذي سلم اوروبا الى النازيين.
‘ويستطيع أن يعلن انتصارا؛ ويستطيع أن يعلن هزيمة، فاستقرار الرأي على واحد من هذين الامكانين صعب، فليس من المفاجئ أن يختارهما معا.
إنه على حق حينما يشك علنا ببواعث روحاني وصدقه، وحينما يكرم العالم كله روحاني يكون عمل رئيس وزراء اسرائيل الدعوة الى الشك فيه، لأنه اذا لم يفعل هو ذلك فمن يفعله. وهو مخطئ حينما يأمر مندوبي اسرائيل بالخروج من القاعة وقت الخطبة لأننا لن نحرز شيئا بالقطيعة.
‘حينما كان اوباما يسعى الى عملية عسكرية في سورية وعده نتنياهو بأن يقنع اصدقاء اسرائيل في مجلس النواب بتأييد العملية، ولهذا التدخل في شأن مختلف فيه في الداخل في امريكا ثمن كان نتنياهو مستعدا لدفعه مفترضا أن يشكره الرئيس على ذلك، ثم جاءت العلاقة الغرامية بايران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق