محمد خروب
في غمرة الحرائق المشتعلة في منطقتنا وفي وقت لم يزل التهديد بالعدوان الاميركي على سوريا قائماً, رغم خفوت الطبول التي قرعها اوباما وتابعه فرانسوا هولاند, الذي يعاني نقصاً خطيراً في شعبيته لم يسبقه اليه أي رئيس فرنسي قبل ذلك, كما بات «اخوان» مصر أمام «محنة» جديدة حلّت عليهم بعد أن ذهبوا بعيداً في عنادهم واستكبارهم وشططهم, ما اثار عليهم غضبة الشعب المصري وقواه الحيّة, تلوح في الافق التونسي أزمة اكثر تعقيداً وخطورة من تلك اللغة الاستنسابية والفاترة-عن «الشرعية»-التي يتحدث بها الرئيس التونسي المنصف المرزوقي, الذي يبدو أنه ربط نفسه بعربة حركة النهضة لصاحبها راشد الغنوشي, ذلك «الشيخ» الذي يكاد أن يستنسخ تجربة الرئيس الاخواني المصري محمد مرسي, وإن كان «الشيخ» لا يحتل موقعاً رسمياً في ذلك البلد العربي, الذي فجّر موجة الربيع العربي, قبل أن يختطفها الاسلاميون بمباركة غربية وخصوصاً اميركية ويمعنوا في نرجسيتهم وانانيتهم, على النحو الذي بدت فيه سياسة الاقصاء والاستئصال والاستئثار صارخة, ولم يعد احد قادراً على التنبؤ بالخطوة الاخوانية التالية اثر تنكرهم لكل وعودهم واستحواذهم على كل مفاصل السلطة وتعطيل الحياة السياسية, وإدارة ظهورهم للشعب دون أي معالجة جادة وحقيقية لازمات الاقتصاد المتمادية ومشكلات البطالة والفقر, وتآكل الاجور وتدهور الخدمات وفقر خيالهم السياسي والاداري, بعد ان كانوا يعتقدون أن ادارة الدولة «الحديثة» لا تختلف عن ادارة المراكز والجمعيات الخيرية القائمة على توزيع طرود الرز والسكر والزيت وارتفاع وتيرة الخطب والادعية والفتاوى, ودائماً اطلاق الوعود بغير رغبة صادقة أو جادة في الوفاء بها..
الشيخ راشد الغنوشي استمرأ لعبة شراء الوقت وراح يناور في محاولة مكشوفة لتفادي انضمام الاتحاد العام التونسي للشغل, الى حال الاضراب والتظاهر التي ميزت المشهد التونسي بعد اغتيال المعارض الناصري البارز محمد البراهمي, معلناً استعداده لقبول «وساطة» الاتحاد, الامر الذي سار به حسين العباسي امين عام الاتحاد بأمانة ووطنية وكان الشيخ الغنوشي يعلن قبوله مبادرة الاتحاد ثم لا يلبث أن يتنكر لذلك أو يطلب المزيد من الوقت للتشاور, فيذهب الى حليفيه في الترويكا الحاكمة المنصف المرزوقي (الرئيس المؤقت) ومصطفى بن جعفر (رئيس البرلمان الانتقالي) فيعترض أحدهما ويلجأ الآخر الى الغموض ومربع الالتباس, ثم يخرج علي العريّض رئيس الحكومة على الناس رافضاً استقالة حكومته (وهو المطلب الرئيسي للمعارضة) معتبراً ذلك خطاً احمر, فيما تظهر وثائق دامغة على معرفة الامن بأن جهات ارهابية تستهدف حياة البراهمي, لكن الاجهزة الامنية لا تبدي أي حساسية او مسؤولية تجاه هذه «الاخباريات» والتحذيرات المصداقة تماماً كما فعلت مع المعارض البارز الذي قضى اغتيالاً (شكري بلعيد)..
الان تقف تونس امام مفترق طرق, على نحو يشبه الحال المأزومة التي وصلتها مصر, بعد أن خرج محمد مرسي على المصريين مهدداً ومتمسكاً بشرعية وهمية ورافضاً أي محاولة أواقتراح لاخراج البلاد من ازمتها, التي كانت لحظة انفجارها تقترب وساعتها «تتكتك».. وما حدث في مصر بعد ذلك بات مكتوباً على الجدار, لكن الغنوشي يكرر عبارته الفارغة... تونس ليست مصر..
أين من هنا؟
الافتراق حاصل الان بين قوى المعارضة التي ازدادت قوتها زخماً, بعد أن اعلن الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمات ونقابات ناشطة اخرى دعمها لمطالب المعارضة, وأهم من ذلك انها حمّلت حزب حركة النهضة مسؤولية فشل مبادرة الاتحاد واصرارها على بقاء حكومة «العريض» واشتراطها اجراء الانتخابات قبل استقالة حكومة النهضة وهذا ما لا تقبل به المعارضة..
أطراف الازمة يقفون على المتاريس المتقابلة وليست سوى معجزة قادرة على تجنيب تونس وشعبها اكلاف مواجهة قد تكون عنيفة ودموية, يصف رئيس جمهوريتها (المدين بوجوده في منصبه الى حركة النهضة) المعارضين بأنهم «دعاة فوضى»..
ليس سوى القمع خيار حكومة الغنوشي التي لا تريد الاصغاء لصوت الشعب.. فهل بدأت تونس رحلتها نحو المجهول والعنف وبروز التكفيريين؟
الايام الوشيكة.. ستقول.